سوق العمل العالمية تخرج تدريجيا من تأثيرات الجائحة .. وقوة التعافي مرهونة بالإنعاش الاقتصادي

سوق العمل العالمية تخرج تدريجيا من تأثيرات الجائحة .. وقوة التعافي مرهونة بالإنعاش الاقتصادي
من الصعب التنبؤ بمصير سوق العمل الدولية بعد عام من أضرار جائحة كورونا.
سوق العمل العالمية تخرج تدريجيا من تأثيرات الجائحة .. وقوة التعافي مرهونة بالإنعاش الاقتصادي
من الصعب التنبؤ بمصير سوق العمل الدولية بعد عام من أضرار جائحة كورونا.
سوق العمل العالمية تخرج تدريجيا من تأثيرات الجائحة .. وقوة التعافي مرهونة بالإنعاش الاقتصادي
الأتمتة لا تعني بالضرورة عددا أقل من الوظائف بشكل عام.

قد يبدو من الصعب في الوقت الحالي التنبؤ بمصير سوق العمل الدولية بعد عام من الأضرار الفادحة التي مني بها جراء جائحة كورونا.
لكن مع هذا، فإن بعض المؤشرات المهمة تبدو إيجابية ومبشرة، حيث إن سوق العمل العالمية تستعيد عافيتها تدريجيا، مع انحسار الفيروس في كثير من الاقتصادات المتقدمة نتيجة عمليات التطعيم، ورفع تدريجي لسياسات الإغلاق.
في شهر آذار (مارس) 2020 بلغ معدل البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية 15 في المائة، الآن يقف عند حدود 6 في المائة.
والاقتصاد البريطاني يسير أيضا على ذات الخطى، إذ إنه وفقا لأحدث البيانات الرسمية، فإن عدد الوظائف الشاغرة أقل بكثير من مستوى ما قبل الوباء، وانخفض معدل البطالة إلى 5 في المائة.
لا يعني هذا بأي حال من الأحوال أن السحابة السوداء التي غطت سوق العمل الدولية في عام الكورونا وأدت إلى اختفاء الوظائف وندرتها قد انقشعت تماما، أو أن الأوضاع عادت إلى ما كانت عليه قبل انتشار الوباء، أو أن الصورة العامة باتت وردية وبلا شوائب، وإنما يمكن القول إن هناك تحسنا يتمثل في انتعاش التصورات الخاصة بسوق العمل ومستقبلها، وإن إمكانية الحصول على وظيفة أو استعادة وظيفتك المفقودة بات مرجحا.
وحتى في أوروبا التي تواجه بعض بلدانها موجة ثالثة من الإصابات، فإن وضع سوق العمل يفوق التوقعات الإيجابية، حيث أفلح كثير من تلك الاقتصادات في التكيف مع إجراءات احتواء الوباء
بالطبع في بلدان مثل الهند والبرازيل وتركيا تبدو الصورة مختلفة وقاتمة، إذ يضرب الفيروس بشدة وتفشل الإجراءات المتخذة حتى الآن في احتوائه، ما يدفع بالحكومات إلى اتخاذ إجراءات تنعكس سلبا على مستويات التوظيف، إذ تبنت تركيا مثلا سياسة إغلاق شامل، والمؤكد أن هذا سيرفع معدلات البطالة في تلك البلدان.
الدكتور تشارلي أوليفر الاستشاري في منظمة العمل الدولية يعلق لـ"الاقتصادية" قائلا، "الصورة الراهنة تتسم بخليط من الأخبار الإيجابية والسلبية لسوق العمل في آن، فبينما يتحسن الوضع في بعض المناطق فإنه يزداد سواء في مناطق أخرى، لكن أغلب التقديرات تشير إلى أنه سيشهد تحسنا ملحوظا خلال فصل الصيف المقبل، نتيجة استكمال عمليات التطعيم في أغلب البلدان المتقدمة، واستعادة بعض القطاعات الاقتصادية مثل قطاع السياحة لجزء كبير من بريقه المفقود، كما أن قطاع الخدمات سيزيد الطلب على منتجاته مع تخلي الحكومات عن سياسة الإغلاق".
ويضيف "هذا سينعكس إيجابيا على معدلات الوظائف المتاحة لدى الشباب والنساء لأن تلك القطاعات خاصة قطاع السياحة مثل القوة الدافعة للنمو الاقتصادي عامة وتحسن معدلات التوظيف خاصة بين الشباب والنساء لطبيعة العمل في تلك القطاعات، ما يوفر درجة من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي
وفي الواقع، فإن منظمة العمل الدولية تشير إلى أن عديدا من القطاعات المرتبطة بقطاع السياحة، التي أصيبت بالضرر وضعت نحو 300 مليون وظيفة على المستوى العالمي في خطر، كما تشير المنظمة إلى أن الوباء دمر 255 مليون وظيفة بدوام كامل العام الماضي".
لكن هذا التحسن المتوقع لا يجب من وجهة نظر الدكتورة مادلين رالف أستاذة اقتصادات العمالة في جامعة كامبريدج أن "يجعلنا نتجاهل عددا من المظاهر التي ستتصف بها سوق العمل الدولية في مرحلة التعافي الاقتصادي من تداعيات الوباء. فالتعافي العالمي فيما يتعلق بساعات العمل والدخول سيكون بطيئا وغير منتظم وأحيانا غير مؤكد".
وتقول لـ"الاقتصادية"، إن "تقارير منظمة العمل الدولية تتوقع أن تؤدي مصاعب عودة الانتعاش الاقتصادي السريع إلى خفض ساعات العمل بنسبة 3 في المائة أي ما يعادل 90 مليون وظيفة بدوام كامل، وأن يؤدي تأخر التطعيم إلى خفض ساعات العمل 4.6 في المائة أي ما يعادل 130 مليون وظيفة بدوام كامل، وأفضل السيناريوهات المتفائلة تتوقع انخفاضا 1.3 في المائة إذا تمت السيطرة على الوباء واستمرت ثقة المستهلك والأعمال بالتحسن".
وتؤكد أنه لا يمكن لأي دولة أو مجموعة من الدول التعافي بمفردها، حيث إن طبيعة الترابط في الاقتصاد العالمي نتيجة العولمة لا تسمح بذلك، وحتى إذا حدث تحسن في سوق العمل في دولة أو مجموعة من الدول فسيكون هشا وغير مؤكد.
ويرى عدد من الخبراء الاقتصاديين أنه بغض النظر عن سرعة تعافي الاقتصاد العالمي، فإن معدل إيجاد الوظائف في المستقبل قد يصبح محل تساؤل في العقود المقبلة، نظرا للأتمتة ودخول الروبوتات والذكاء الصناعي أسواق العمل بقوة.
ووفقا لدراسة لصندوق النقد الدولي، فإن الأوبئة تؤدي إلى ظهور الروبوتات وتسرع من وتيرة الأتمتة، وبتحليل مدى اعتماد الروبوتات في الصناعة بعد أربعة أوبئة سابقة بما في ذلك "السارس" في 2003 و"إيبولا" في 2014، وجد أن الأتمتة تسارعت في الأعوام التي تلت ذلك، ومن ثم فإن سوق العمل وأيا كان شكل التعافي الاقتصادي ونطاقة يتجه إلى تغييرات جذرية، بحيث سنشهد سوق عمل تتسم بمجموعة من التناقضات في آن واحد، فبينما سيتحسن الطلب على العمالة الماهرة والمتخصصة، ستتقلص سوق العمل بالنسبة للعمالة ذات المهارات المنخفضة.
يقول لـ"الاقتصادية" الدكتور ماثيو تيد رئيس وحدة تخطيط الموارد البشرية في المعهد الدولي للأبحاث، "الأتمتة لا تعني بالضرورة عددا أقل من الوظائف بشكل عام، لكن بعض الوظائف ستكون معرضة لخطر فقدانها بالتأكيد، وإذا كنا نلاحظ الآن استعادة سوق العمل لبعض من عافيتها المفقودة العام الماضي، فإن التعافي لا يعني أننا لن نشهد فقدان وظائف هائلة في قطاعات البيع بالتجزئة والخدمات الغذائية، حيث إن الأتمتة في تلك القطاعات كانت ضرورية خلال الجائحة، وليس من المتوقع أن يتخلى عنها أصحاب الأعمال بعد السيطرة على الوباء".
ويضيف "لكن أغلب التوقعات الإجمالية تشير إلى أن إيجاد فرص عمل في الأعوام الخمسة المقبلة أعلى من توقعات فقدان الوظائف، وستظهر وظائف جديدة بسبب تغير أنماط الطلب واستخدام التقنيات الجديدة في قطاعات مثل الاقتصاد الأخضر واقتصاد الرعاية الصحية وقطاع التعليم، فضلا عن الأدوار الجديدة للذكاء الاصطناعي في جميع الصناعات والقطاعات".
وتشير تقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن 50 في المائة من العاملين حاليا سيحتاجون إلى إعادة صقل مهاراتهم بحلول 2025 لتلبية احتياجات سوق العمل المتغيرة، وسيتطلب هذا توسعا كبيرا في إعادة تشكيل المهارات ورفعها في منتصف الحياة المهنية.

الأكثر قراءة