هل تقتص الجائحة من عدم اكتراث السويد لها؟
يبدو أن فيروس كورونا القاتل أبى إلا أن يقتص من السويد لما أبدته من استهانة واستخفاف بوطأته وشدة بأسه.
نقلنا في هذا المقال تجربة السويد في احتواء الجائحة التي كانت ولا تزال إلى حد ما عدم الاكتراث وكأن الفيروس لا يختلف كثيرا عن الفيروسات المعروفة الأخرى المسببة لنزلات البرد في الشتاء.
وللسويد باع طويل وربما قصب السبق في العالم بقدر تعلق الأمر بمعالجة الفيروسات. علم الفيروسات مادة منهجية معتمدة في الكليات الطبية والصحية التي تمنحها أهمية خاصة.
وللعلماء السويديين مكانة بارزة في العالم في سلم النشر العلمي والتأليف في هذا المضمار، حيث يعد كتاب علوم الفيروسات الثخين الذي يتم تدريسه في الاختصاصات الطبية والصحية من أفضل ما هو متوافر حاليا في عالم الجامعات.
وتتعامل السويد وعلماؤها وأطباؤها مع مئات من الفيروسات، وعلى حد علمي للباحثين هنا معرفة عريضة وشبه متكاملة لأكثر من 400 فيروس من شتى الأنواع التي تضرب السويديين وهم غير قلقين.
وكم كان علماؤهم - أو شريحة كبيرة منهم - على خطأ عندما تصوروا أن فيروس كورونا المسبب للجائحة ليس إلا فيروسا آخر وأن في إمكانهم قهره كما قهروا مئات الفيروسات الأخرى.
وبينما كانت أغلب دول العالم ترتعد خوفا وخشية من تفشي فيروس كورونا، كان العلماء السويديون يديرون ظهرهم للأصوات الخافتة التي كانت تنتقد المواقف الرسمية وطريقة تعاملها مع الجائحة.
وكان العالم تقريبا برمته يقف مشدوها للوضع في السويد، والصحافة العالمية تنقل صورا وفيديوهات للمرافق العامة والمطاعم والأسواق وهي مكتظة بالناس دون أدنى مراعاة للضوابط القسرية القاسية التي فرضتها أغلب دول العالم منها المجاورة لها.
قبل نحو شهرين، غيرت السويد سياستها وفرضت بعض الإجراءات، بيد أنها لا ترتقي أبدا إلى تلك التي فرضتها دول أوروبية أخرى. أغلب الإجراءات السويدية طوعية، أي إن الحكومة تعلن إرشادات عامة وتتوقع أن يلتزم الناس بها من تلقاء أنفسهم.
السويديون مشهود لهم - وبصورة عامة - منح الحكومات القائمة، من أي لون كانت، ثقتهم العمياء، لكن يبدو أن الأمر يختلف عندما نطلب من الناس تقييد حرياتهم الشخصية طواعية.
والخروج من المنزل لأي سبب كان للتبضع أو النزهة في الطبيعة أو الأكل في المطاعم أو احتساء القهوة والمشروبات في الأماكن المخصصة لها جزء من الحياة العامة ويستقتل السويديون في سبيلها.
لذا الطلب من الناس البقاء في المنازل في هذا البلد معناه الحكم عليهم بالسجن، وهذا بصورة عامة لا يستسيغونه، ومن هنا لم يتقبل كثير من الناس نصائح الحكومة الخاصة بالتباعد الاجتماعي أو عدم الوجود في الأماكن العامة بكثافة.
فلا غرابة أن يضرب معدل الإصابات رقما قياسيا، حيث كان في الأسبوع الماضي الأعلى في أوروبا، ووصلت الحالات الخطيرة التي تتطلب العناية المركزية إلى أعلى مستوى لها منذ موجة الوباء الأولى.
وإن أجرينا مقارنة بالدول المجاورة للسويد، فإن معدل الإصابات والوفيات والحالات الحرجة تصل أضعاف ما لدى هذه الدول.
هناك أكثر من 390 شخصا مصابا بالفيروس في الرعاية المركزية حاليا في السويد. ورغم أن الرقم هذا أقل من الأرقام المتوافرة للحالات الخطيرة في ربيع عام 2020 التي بلغت أكثر من 550 شخصا في بعض الأسابيع، إلا أنها تعد عالية جدا في بلد في مصاف السويد.
مع كل هذا، لم تتزعزع مصلحة وزارة الصحة الوطنية التي تدير استراتيجية احتواء الجائحة دون تدخل يذكر من الحكومة أو البرلمان عن موقفها التبريري، حيث قالت: إن أرقام الوفيات في تنازل وذلك لجهودها في تطعيم كبار السن ضد الفيروس.
وأكدت لينا هالينجرين وزيرة الصحة أن السويديين بدأوا يستجيبون بإيجابية إلى النصائح والإرشادات العامة التي تقدمها الوزارة دون أن تفصح كيف أو تقدم أي أدلة. لو كان الأمر كما تقول الوزيرة لانخفض معدل الإصابات في أقل تقدير.
الوزرات والمؤسسات الكبرى في السويد لها صلاحيات واسعة تمكنها من الوقوف ندا للحكومات القائمة.
وأيدها الرأي رئيس الوزراء الذي يبدو أن لا حيلة له أمام الصلاحيات الدستورية الواسعة لوزرائه، حيث أكد بدوره أن السويد لن تحتاج إلى فرض إجراءات صارمة.
ما يخشاه بعض الناس، خصوصا الفئات سريعة التأثر بالفيروس، هو نشر تعليمات جديدة بناء على نصائح من وزارة الصحة، لتخفيف الإجراءات الحالية التي هي أساسا غير ملزمة في الثالث من الشهر المقبل أيار (مايو) موعد مراجعة الوضع العام للجائحة.