بيولوجيا الفقد!

يندر أن يسلم أحدنا من مرارة الفقد وتجربة غياب الأحبة إما بسبب الوفاة أو بسبب البعد. و يندر أيضاً أن نتعامل مع هذا الفقد بإيجابية و نبتعد عن إيذاء أنفسنا لوقت طويل محاصرين بالأفكار السلبية السوداء من قبيل "لماذا أنا ..؟ " و " لو لم يحدث ما حدث ..".
لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلّم أسوة حسنة حينما شهد وفاة ابنه إبراهيم وحضر لحظاته الأخيرة فقال: (إن العين تدمع، والقلب يحزن، لا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون). وهو بذلك يضرب لنا أعظم صور الصبر على الفقد ويتقبله بقلب مؤمن بالله وبقدره وقضائه.
ويخطئ من يعتقد أن الغرق في الحزن يؤثر بصورة معنوية فقط، إذ يؤدي الشعور بالحزن لفترات طويلة لحدوث مشكلات صحية ترتبط بالدماغ والقلب والجهاز الهضمي وغيره من الأعضاء الحيوية.
في العام الماضي أجريت دراسة دنماركية شاركت فيها خمسة وسبعون شركة لمدة سنتين وضعت كل منها تحت المراقبة أما سبب اختيار هذه الشركات بالذات فكان اشتراك مدرائها في فقدان واحد أو أكثر من أفراد عائلاتهم أو أصدقائهم المقربين.
وأظهرت هذه الدراسة ما نسبته 10 إلى 20 في المائة من الخسائر المادية التي تكبدتها حسابات الشركات، كلّ بحسب قرابة الشخص المفقود – أي أن الخسائر المادية للشركة مرتبطة بقوة قرابة الشخص المفقود للمدير-.
والشاهد من هذه الدراسة أن مديري الشركات تعرضوا لتغير في الأداء الوظيفي وفقدوا قدرتهم على التفكير بصفاء وحل المشكلات التي تتعرض لها إداراتهم وكل ذلك مرتبط بالحالة الصحية والعقلية لهم.
الفقد بالتأكيد شعور سيء لكنّه في نفس الوقت فرصة جيدة لنتعلم من خلالها التعامل مع الصعوبات التي تعترض طريقنا، والبدء من جديد.
خلال ذلك سنتذكر روعة أولئك الذين رحلوا عنّا وكيف كنّا محظوظين بقربهم ومعرفتهم وكل ذلك إيجابي ومهمّ لنحيا بتفاؤل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي