تركيا .. "دستور جديد" آخر أوراق أردوغان

تركيا .. "دستور جديد" آخر أوراق أردوغان
قد يلجأ الرئيس لخيار طرح مشروع الدستور الجديد للاستفتاء الشعبي.

أعلن الرئيس التركي طيب رجب أردوغان، بداية الأسبوع الماضي، أن الوقت قد حان لتغيير الدستور التركي، المعمول به منذ 1982، عقب الانقلاب العسكري عام 1980، على الرغم من التعديلات الجوهرية التي عرفها، ولا سيما تلك التي أشرف عليها حزب العدالة والتنمية، في أعوام 2007 و2010 و2017، بيد أنها لم تنجح، بحسب الرئيس وحزبه، في استئصال الجوهر الانقلابي الذي بُني عليه دستور عام 1982، عادّا سبب مشكلات تركيا هو دساتير الانقلابيين.
دافع أردوغان عن فكرة دستور جديد، بدلا من الاستمرار في التعديل، لضمان القطع مع الوصاية العسكرية، مؤكدا أنه "مهما كانت التغييرات التي قمنا بها، لم نستطع مع كل هذا التخلص من آثار نظام الوصاية"، وأضاف في معرض الدفاع دائما بأن "الدستور الحالي الذي فقد تكامله واتساقه الداخلي، لكثرة التعديلات التي أجريت عليه، ونعمل على صياغة دستور مدني جديد، لفتح آفاق جديدة أمام البلاد حتى عام 2053". وبشّر بأن "الدستور الجديد سيقوم على خطوات تاريخية زودنا بها دولتنا، ومن بينها النظام الرئاسي المعمول به حاليا".
يروج أنصار التحالف الحاكم - حزبا العدالة والتنمية والحركة القومية - لحاجة البلاد إلى دستور جديد، بأن اللحظة تتطلب "دستورا مدنيا"، وذلك بعد أقل من أربعة أعوام من إقرار تعديل دستوري، يمنح الرئيس سلطات واسعة. بينما الحقيقة وراء تفجير هذه القنبلة، بدون مقدمات، في مشهد سياسي شديد التعقيد، كامنة في رغبة أردوغان في سحب هذه الورقة الرابحة من بين يدي المعارضة، ولا سيما أنها كانت تستعد لتشكيل لجنة دستورية مشتركة للانتقال إلى نظام برلماني مع وضع دستور جديد.
يعد الدستور الحالي، دستور 1982، رابع دستور تعرفه البلاد، بعدما انطلقت الجمهورية التركية الحديثة بأول تجربة دستورية عام 1921، ثم جرت كتابة دستور جديد بعد حرب الاستقلال عام 1924، واستمر العمل به حتى عام 1961، حين بدأ العمل بدستور جديد أفرزه انقلاب 1960، قبل أن تعتمد البلاد عام 1982 دستورا جديدا، أعقب انقلاب عام 1980، وخضع هذا الأخير بدوره للتعديل 19 مرة منذ تاريخ اعتماده، منها عشر مرات من قبل حزب العدالة والتنمية، آخرها التعديل الدستوري الذي جرى قبل ثلاثة أعوام، وأقر التحول من نظام الحكم البرلماني إلى نظام الحكم الرئاسي.
يذكر أن تركيا شهدت أكثر من محاولة توافقية، بين الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، من أجل صياغة دستور جديد للبلاد، خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية، تحديدا عام 2015، غير أنها باءت بالفشل. ويراهن أردوغان على حليفه حزب الحركة القومية، للعمل معا على فكرة الدستور الجديد للفترة المقبلة، وهذا ما أكده زعيم هذا الأخير، حين أعلن دعمه مقترح الرئيس التركي بإعداد دستور جديد لتركيا، موضحا أن حزبه يتفق مع هذه الرؤية.
التوافق على مستوي الفكرة لا يضمن بالضرورة وحدة الغايات بين الحليفين، فالحركة القومية ترمي إلى إقرار تعديلات دستورية تسمح بحظر حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي لنزعاته الانفصالية، في خطوة عدّها الحزب الكردي محاولة لإسكات صوت ستة ملايين مواطن. فيما تحدو الحزب الحاكم رغبة حثيثة لتغيير المواد المتعلقة بقانوني الأحزاب والانتخابات، ولا سيما التحالفات الانتخابية، حتى تكون متوائمة مع النظام الرئاسي المعمول به، منذ أكثر من عامين. من المتوقع أيضا، أن تسقط من الدستور الجديد مسألة نسبة "50+1" التي يتعين أن يحصل عليها المرشح للرئاسة للفوز برئاسة البلاد، في ظل تراجع شعبية أردوغان، وظهور منافسين أقوياء له من المعارضة.
لم يكشف أردوغان صراحة عن المواد التي يرغب حزبه في تعديلها، فالمعلن عنه حتى الآن هو الرغبة في صياغة دستور مدني جديد، وإلغاء المواد التي تدعم نظام الوصاية المتبقية في الدستور، مستغلا طراوة أحداث المحاولة الانقلابية في تركيا في صيف عام 2016، لإقناع الشعب التركي بضرورة إقرار دستور جديد للدولة، يقطع الطريق أمام أي محاولة انقلابية مستقبلا، في استلزام قسري، يجعل أساس الانقلابات هو المتن الدستوري.
إثارة ورقة الدستور الجديد، في هذا التوقيت، حيث تشهد الساحة السياسية حراكا غير مسبوق بين طرفي السياسة التركية، الحكومة والمعارضة، بمنزلة محاولة من جانب الرئيس للاستفراد بالفكرة على أجندة الائتلاف الحاكم. وقرأ مراقبون في هذه الخطوة مساعي مبكرة من جانب أردوغان لتسريع موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة، المقررة دستوريا في عام 2023.
أعلنت المعارضة السياسية والشعبية التركية أن دعوة أردوغان المفاجئة، محاولة للتغطية على فشل النظام الرئاسي في الاقتصاد والدفاع والسياسة الخارجية، كما تأتي في سياق إلهاء الرأي العام التركي عن الأزمات الكبرى التي تشهدها تركيا، بعدما سادت البلاد حالة من الغضب الشعبي الواسع، بسبب اعتقال أكثر من 150 طالبا من جامعة بوجازيتشي في إسطنبول، على خلفية التظاهر احتجاجا على قرار تعيين الرئيس أحد الأكاديميين من الحزب الحاكم رئيسا للجامعة. وإصدار الادعاء العام في إسطنبول مذكرات توقيف بحق 294 شخصا، في 42 ولاية تركية، بشبهة دعم حركة "الخدمة" التابعة للداعية فتح الله غولن، المتهم وفق السلطات بالضلوع في المحاولة الانقلابية.
بعيدا عن مبررات الطرح المبكر لفكرة دستور تركي جديد، يضع أردوغان نفسه أمام خيارين أحلاهما مر، فسحب الورقة من المعارضة يستوجب بالموازاة إعدادا مبكرا لما تفرضه من حسابات في بيدر السياسة. أمر يبدو أن حزب الرئيس لم يعره اهتماما، ما يرجح كفة المعارضة بالظفر بحصاد البيدر.
باختصار، وبلغة الأرقام، يتطلب إجراء التعديلات الدستورية في مجلس الأمة التركي الكبير الحصول على ثلثي الأصوات، أي موافقة 60 في المائة من النواب، ما يعادل 360 نائبا. هذا في الوقت الذي لا يمثل فيه تحالف حزب العدالة والتنمية والحركة القومية سوى 337 نابئا "289 للعدالة والتنمية، و48 للحركة القومية". قد يلجأ الرئيس إلى خيار طرح مشروع الدستور الجديد للاستفتاء الشعبي، حتى إن لم تتم الموافقة عليه، خلال أي تصويت محتمل في الجمعية العامة للبرلمان، إذا كان عدد الأصوات لمصلحتها دون 400، لكن فوق 367 صوتا. لكنه طريق غير مضمون بدوره، فاستطلاعات الرأي المتلاحقة تفيد بالتراجع المستمر لشعبية الرئيس.
مهما يكن من أمر، يظهر أن فكرة الدستور الجديد قد تكون بمنزلة القنبلة التي تضع نهاية لأحلام رئيس، يسعى إلى إسقاط الجمهورية التركية، وإقامة السلطنة العثمانية، بالتزامن مع إحياء الذكرى المئوية لإعلان قيام الجمهورية التركية، على يد الزعيم مصطفى كمال أتاتورك.

الأكثر قراءة