عام وانقضى .. لحظة تعلم واكتشاف أم استهلال لمقبل أسوأ؟

عام وانقضى .. لحظة تعلم واكتشاف أم استهلال لمقبل أسوأ؟

عام وانقضى .. لحظة تعلم واكتشاف أم استهلال لمقبل أسوأ؟
يساعدنا التأمل في السيناريوهات المحتملة تبعا للظروف المختلفة في توسيع منظورنا وتحسينه.

لا شك أن أغلب القراء يتذكرون الحماس الواسع الانتشار الذي استقبلنا به القرن الـ21، كان وقت الآمال الكبيرة، والافتتاحيات الطنانة، والجرأة الصادقة غير المتكلفة من جانب الغرب، لكن في لمح البصر "من الناحية التاريخية"، تغير المزاج جذريا، حتى قبل أن تندلع جائحة مرض فيروس كورونا - 2019. في قسم كبير من العالم، كان هذا القرن فترة من الإحباط وخيبة الأمل، والآن يتطلع كثيرون إلى المستقبل، ليس بثقة بل بخوف.
ووفقا لما يرصده التقرير التحليلي لخافيير سولانا، الممثل الأعلى السابق للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، الأمين العام لحلف الناتو، وزير خارجية إسبانيا. فإنه قبل عقدين من الزمن، كانت الإجابة الجاهزة لكل سؤال سياسي أو استراتيجي هي مزيد من العولمة، لكن في حين كان هذا هدفا مشروعا وجديرا بالثناء، فقد فشلنا في بناء الضمانات وسبل الوقاية اللازمة. أظهرت الكوارث مثل الركود العظيم بعد عام 2008 والجائحة الحالية أن مزيدا من الاتكالية المتبادلة ينطوي على قدر أعظم من مخاطر انتقال العدوى، سواء كانت مالية أم فيروسية، علاوة على ذلك، من الممكن أن يتحول التخصص والكفاءة المفرطة إلى مصادر للضعف، كما أثبتت ارتباكات سلاسل التوريد هذا العام. وبطبيعة الحال، كانت العواقب السياسية المترتبة على نقل الإنتاج إلى الخارج موضع استهانة بدرجة مؤسفة.
في عام 2000، عندما أخفقت حملة دونالد ترمب الانتخابية الأولى لمنصب الرئاسة "مع حزب الإصلاح"، لم يتصور سوى قِلة من المراقبين أنه قد يعود إلى الظهور مرة أخرى في عام 2016 ليتولى زمام الحزب الجمهوري، ويحوله ضد التجارة الحرة، ثم يفوز بالرئاسة في النهاية. وفجأة، بدا لنا ذلك التحذير الذي لم يلتفت إليه أحد، الذي ورد على لسان آدم سميث في كتابه "ثروة الأمم" أثقب بصيرة، حيث قال "لقد دأبت كل أمة على النظر بعين الحقد والحسد إلى ازدهار الأمم التي تتاجر معها، وتعد مكاسب تلك الأمم خسارة لها".
في مطلع القرن، لم تكن الولايات المتحدة تبدو كدولة تميل إلى الاستسلام للحسد والشعور بانعدام الأمان، في ذلك الحين، كانت هجمات الـ11 من أيلول (سبتمبر) الإرهابية، التي سلطت الضوء على الإمكانات المدمرة التي تمتلكها القوى غير التابعة لدولة بعينها، التي أنهت عصر الهيمنة الأمريكية الذهبي، لا تزال على بُعد أكثر من عام. وفي غفلة عن الاضطرابات الجيوسياسية المقبلة كال الرئيس الأمريكي المنتخب حديثا جورج دبليو بوش المديح إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في ذلك الوقت، كانت روسيا عضوا ملتزما في مجموعة الثماني، وكانت كوريا الشمالية لا تزال ملتزمة رسميا بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ولم تكن أنشطة إيران النووية السرية اتضحت بعد. أما الصين، التي كان اقتصادها متأخرا بأعوام ضوئية عن اقتصاد الولايات المتحدة، فلم تنضم إلى منظمة التجارة العالمية حتى أواخر عام 2001.
منذ ذلك الحين، خضع العالم لعمليات إعادة تشكيل عميقة خلفت بصمات مادية، في عام 2001 كانت الولايات المتحدة تمثل 23 في المائة من الانبعاثات العالمية من غاز ثاني أكسيد الكربون، في حين كانت الصين مسؤولة عن 13 في المائة من هذه الانبعاثات، لكن أكبر مصدرين للانبعاثات تبادلا الأماكن في عام 2006، وفقا لأحدث البيانات، تنتج الولايات المتحدة الآن 15 في المائة من إجمالي الانبعاثات في حين تمثل الصين 28 في المائة، "وإن كان نصيب الفرد في الانبعاثات في الصين لا يزال أقل كثيرا عن نظيره في الولايات المتحدة".
وبينما استمرت الانبعاثات السنوية من ثاني أكسيد الكربون التي يطلقها البشر في الاتجاه إلى الارتفاع "باستثناء الانخفاضات التي دامت لفترات وجيزة أثناء الأزمات"، تقلصت المساحة المغطاة بالجليد القطبي الشمالي بنحو النصف منذ عام 2001. الآن أصبح تغير المناخ حقيقة ملموسة، وهذا هو أول جيل نشط سياسيا وُلِد في القرن الـ21 يطالِب بحلول عاجلة.
على مدار الأعوام الـ20 الأخيرة، شهدنا أيضا ثورة غير مسبوقة في الطريقة التي نتعامل بها مع الآخرين، فقد أصبحت شبكة الإنترنت حاضرة في كل مكان، وتحولت شبكات التواصل الاجتماعي إلى ساحات لعقد الاجتماعات السياسية في عصرنا. ورغم أن "الربيع العربي" في أوائل العقد الثاني من القرن الـ21 لم ينتج الثمار التي كانت متوقعة منه، فإنه كشف عن الإمكانات التي تتمتع بها هذه التكنولوجيات فيما يتصل بالتحول الديمقراطي.
لكننا بتنا نعلم الآن أن الأدوات الرقمية لا تخلو من تأثيرات خبيثة، فقد ساعدت خوارزميات تعظيم الأرباح على إيجاد غرف صدى، ما أدى إلى إفقار الحوار العام بشدة، وأصبح المجال الرقمي أرضا خصبة للاعبين مخربين هدامين متخصصين في "الحرب الهجينة"، بما في ذلك الهجمات السيبرانية "الإلكترونية" وحملات التضليل الواسعة النطاق.
عانت أوروبا الجانب المظلم للرقمنة "التحول الرقمي" بقدر ما عانى الجميع، ففي الأعوام الأخيرة، برزت الشعبوية المعادية للأجانب والمهاجرين في الصدارة، وعمل الاستقطاب على تسميم مجتمعاتنا. أما التفاؤل الذي ساد في بداية القرن ــ الذي انعكس في تقديم عملة اليورو في عام 2002 وتوسع الاتحاد الأوروبي الذي شمل عشر دول جديدة في عام 2004 ــ فقد أفسح الطريق أمام حالة طوارئ شبه دائمة، من أزمة اليورو وأزمة اللاجئين إلى الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، وهي المرة الأولى التي تنسحب فيها دولة عضو من الاتحاد الأوروبي، وتعاظمت حدة الانقسامات على وجه التحديد عندما كان من الواجب علينا أن نزداد قربا من بعضنا بعضا، نظرا إلى عملية إعادة التوازن الجارية للقوى الاقتصادية والجيوسياسية من الأطلسي إلى الهادئ.
لكن لا ينبغي لنا أبدا أن نسمح لهذه الحالة من الارتباك والتشوش التي انتشرت عبر عديد من الدول بإظلام المعالم التي حققناها من خلال العمل الجمعي. خلال الفترة من عام 2001 إلى 2019، ارتفع متوسط العمر المتوقع من 67 عاما إلى 73 عاما على مستوى العالم، ومن 53 عاما إلى 63 عاما في إفريقيا. في الوقت ذاته، تزايد احتلال النساء مناصب السلطة بشكل كبير، وفي عام 2019 وصلنا إلى مستوى مرتفع "وإن كان غير كاف على نحو فادح"، وصل إلى 19 رئيسة حكومة على مستوى العالم.
علاوة على ذلك، بعد أن يتولى الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن منصبه في كانون الثاني (يناير) ستعود كل دولة في العالم مرة أخرى إلى دعم اتفاقية باريس للمناخ. من جانبه، كان الاتحاد الأوروبي يتغلب بشكل منهجي على الصعوبات التي يواجهها بمزيد من التكامل، وسيتم تمويل صندوق التعافي من كوفيد - 19 من خلال ديون مشتركة وتوزيع الأموال جزئيا في هيئة مِنَح.
يساعدنا التأمل في السيناريوهات المحتملة تبعا للظروف المختلفة على توسيع منظورنا وتحسينه. على سبيل المثال، كيف كان الاقتصاد العالمي ليتعافى من الركود العظيم دون التحفيز الذي قدمته الصين، حيث نجح التصنيع السريع في انتشال مئات الملايين من البشر من براثن الفقر، وماذا كان ليحدث لو أصابتنا الجائحة الحالية قبل 20 عاما، عندما كنا نفتقر إلى تكنولوجيات المعلومات والاتصالات الضرورية لحماية عديد من القطاعات الاقتصادية وتعزيز التباعد الاجتماعي في الوقت ذاته؟
مع اقتراب عام 2020 من نهايته، ونحن نكاد نبدأ عقدا ثالثا من القرن الـ21، حان الوقت لتقييم نجاحاتنا وإخفاقاتنا الأخيرة باتزان ورصانة، وعندما نتطلع إلى المستقبل، ينبغي لنا أن نتجنب الشعور الساذج بالرضا عن الذات، كما كانت حالنا في عام 2000، وشعور الرهبة والهلع المسبب للشلل الذي اتسمت به الأعوام الفائتة، خاصة في الغرب.
في الأعوام المقبلة، يجب أن تكون التعددية القطبية الجيوسياسية متوافقة مع السلام والتعاون الدوليين، أفضل الضمانات للتقدم البشري، يتعين علينا أيضا أن نعكف على إصلاح الشقوق التي انتشرت في مجتمعاتنا الرقمية وتحقيق التوازن المستدام مع الطبيعة. إنها تحديات شاقة لكن التصدي لها ممكن، ويرجع إلينا الأمر في تحديد إذا ما كان عام 2020 سَيُذكَر على أنه لحظة تعلم واكتشاف في قرن مضطرب، أم استهلال لمقبل أسوأ.

الأكثر قراءة