2009 عام اقتناص الفرص بعيدا عن تأثيرات "داو جونز"؟

2009 عام اقتناص الفرص بعيدا عن تأثيرات "داو جونز"؟

في الحلقتين السابقتين عرضنا الأضرار التي طالت الاقتصاد الخليجي الكلي بسبب الأزمة المالية والتأثيرات التي مست بنوك المنطقة بفعل هذه الأزمة وعلاقتها بالرهون الأمريكية. وفي الحلقة الثالثة (اليوم) نعرض التأثيرات النفسية والفنية التي لحقت بأسواق الأسهم في المنطقة والسقف الذي قد تبلغه الأزمة في عصفها بأسواق المال في العالم بأجمعه. يشير التقرير إلى أن هناك عاملا نفسيا قويا يربط المتعامل في أسواق الخليج بمؤشر "داو جونز" في أمريكا.. ما سبب هذه العلاقة؟ والمعلوم أن البورصات الخليجية شهدت حالة من التذبذب، بل التراجع الكبير خاصة في شهري أيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر) الماضيين منساقة في ذلك وراء البورصات العالمية التي تضررت بإعلان انهيار بنك ليمان براذرز ومن ثم انهيار بنوك أمريكية استثمارية أخرى قبل أن تتدخل الحكومة وتنقذ بعضها.
إذا كانت أرباح البنوك الخليجية قد انخفضت بنسب متفاوتة خلال عام 2008، وإذا كانت أسعار العقار تتدحرج بصورة تدريجية نظرا لرؤية الاقتصاديين بأن دورة تفاعل أسعار العقار مع الأزمة المالية تختلف عن دورة الاستثمار في الأوراق المالية بمدى زمني قد يصل لغاية العام الواحد، فإن البورصات الخليجية كانت في قلب العاصفة منذ اليوم الأول للأزمة المالية، وانهارت كافة دفاعاتها خلال الأسابيع الأولى من الأزمة.

العالم النفسي .. العامل النفسي
ولعب العامل النفسي في قيام المستثمرين في البورصات الخليجية بربط تحركات المؤشرات السعرية لهذه البورصات بمؤشر "داو جونز"، حيث راحت تتحرك صعودا وهبوطا مع هذا المؤشر طوال الأشهر الماضية قبل أن تتفوق عليه في التراجع مسجلة خسائر قاربت قيمة الإيرادات النفطية للدول الخليجية خلال عام 2008.
وودعت أسواق الأسهم الخليجية السبع عام 2008 أمس بأسوأ أداء في تاريخها لم تشهده حتى في فترات موجة التصحيح التي مرت بها عامي 2005 و2006، حيث تكبدت الأسهم الخليجية خسائر بقيمة 575 مليار دولار إثر تراجع قيمتها السوقية من 1.14 تريليون دولار مطلع العام إلى 565.1 مليار دولار نهاية عام 2008, بحسب المؤشر المركب لصندوق النقد العربي، وبلغت خسائر الأسهم الإماراتية 460.7 مليار درهم خلال العام من تراجع مؤشرها بنسبة 57.5 في المائة.
وسجلت سوق دبي أكبر الخسائر في المنطقة بنسبة 72.4 في المائة و73.6 في المائة من أعلى نقطة بلغها المؤشر في الربع الأول من العام عند نقطة 6.219 مقارنة بارتفاع العام الماضي بنسبة 43.7 في المائة.

السوق السعودية.. ثانيا
وحلت السوق السعودية في المرتبة الثانية بانخفاض 56.5 في المائة العام الماضي و59.6 في المائة من أعلى نقطة للمؤشر عند مستوى 11.895 نقطة مقارنة بارتفاع تجاوز 50 في المائة العام الماضي, وحلت سوق أبو ظبي في المرتبة الثالثة بانخفاض 47.5 في المائة و53.5 في المائة من أعلى مستوى للمؤشر عند 5.148 نقطة مقارنة بارتفاع العام الماضي 51 في المائة ثم سوق مسقط رابعة بانخفاض 39.7 في المائة ومن أعلى نقطة بلغها المؤشر فوق 12 ألف نقطة نحو 55 في المائة مقارنة بارتفاع العام الماضي بنسبة 61.8 في المائة، حيث كانت الأفضل أداء بين أسواق الخليج حتى بداية النصف الثاني من العام.
وحلت سوق الكويت في المرتبة الخامسة بانخفاض سنوي نسبته 38 في المائة و50.2 في المائة من أعلى نقطة عند مستوى 15.654 نقطة مقارنة بارتفاع العام الماضي بنسبة 24.7 في المائة, وجاءت سوق البحرين في المرتبة السادسة بانخفاض سنوي نسبته 34.5 في المائة و37.8 في المائة من أعلى نقطة عند 2.902 نقطة مقارنة بارتفاع العام الماضي نسبته 24.2 في المائة, وجاءت سوق الدوحة كأقل الأسواق خسارة بنسبة 28.1 في المائة و45.4 في المائة من أعلى نقطة عند 12.627 مقارنة بارتفاع العام الماضي بنسبة 34.3 في المائة.
وسجلت الأسهم القيادية كافة في جميع الأسواق نسب هبوط قياسية خلال عام 2008 ولم يسلم أي سهم قيادي من موجة الهبوط القاسية خلال العام, والنصيب الأكبر من الخسائر كان من نصيب سهم "إعمار" القيادي في أسواق الإمارات الذي انخفض على مدار العام بنسبة 85 في المائة إلى مستوى الدرهمين من أعلى مستوى سجله خلال العام عند 15 درهما، ونحو 92 في المائة من أعلى مستوى في تاريخ السهم في عام 2005 عند 29.10 درهم، حيث بدأ السهم عندها مسيرة الهبوط التي تعدت ثلاثة أعوام.

بقية أسواق المنطقة
وبدأت أربع أسواق خليجية هي مسقط، الدوحة، الكويت، وأبوظبي في تبديد مكاسبها التي تحققت في النصف الأول من العام الماضي، حيث كانت ارتفاعاتها قد تجاوزت 20 في المائة، وبلغت في سوق مسقط أكثر من 25 في المائة وتجاوزت 30 في المائة في سوق الكويت نهاية حزيران (يونيو) 2008، بدأت بعدها الأسواق الأربع تتعرض طيلة الصيف لموجة تصحيح تدريجية أفقدتها غالبية مكاسبها إلى أن جاءت الأزمة المالية العالمية منتصف أيلول (سبتمبر) لتعصف بما تبقى من مكاسب ولتتحول بعدها من الارتفاع إلى الهبوط الحاد مع الأسواق الخليجية الثلاث دبي، السعودية، والبحرين.
ووفق إجماع المحللين فإن الأسواق الخليجية تأثرت سلبا بتداعيات الأزمة العالمية وسجلت خسائر فادحة في الربع الأخير من العام الجاري على الرغم من الإجراءات التي اتخذتها الحكومات الخليجية لدعم اقتصاداتها وأسواقها سواء من خلال ضخ سيولة لتنشيط السيولة في البنوك كما في السعودية والإمارات أو من خلال خفض الفوائد المصرفية التي لم تفلح جميعها في وقف الهبوط المزمن.
وكانت أسهم سوق دبي أكبر الأسهم خسارة في المنطقة أسيرة لظروف داخلية تتعلق بظروف القطاع العقاري الذي بدأ يعاني تداعيات الأزمة المالية وتراجع الطلب بشكل ملموس، إضافة إلى التأثيرات السلبية التي أفرزها قيام السلطات بملاحقة الفساد في عدد من الشركات وتحويل قيادات تنفيذية في شركات ديار، تمويل، بنك دب،ي ونخيل للتحقيق, وجاءت قضية ديون دبي لتلقي هي الأخرى بظلال سلبية على أسواق المال.

تسييل المحافظ الأجنبية
واعتبر محللون أن بداية الأزمة المالية خليجيا كانت عندما سحب المستثمرون الأجانب أموالهم من الأسواق الخليجية بسبب أزمة الائتمان العالمية. وسوق الأسهم الإماراتية هي الوحيدة التي يستثمر فيها الأجانب بشكل مباشر، حيث ذكر محللون أنهم يقومون بتسييل مراكزهم في الأسواق الناشئة لتغطية مراكزهم المكشوفة في أسواقهم الأصلية، مشيرين إلى أن عمليات التسييل التي يقومون بها لا تخضع لأي معايير اقتصادية، وتمت بطريقة عشوائية. وقالوا إن ما تعرضت له أسواق الأسهم الإماراتية من خسائر يكشف عن الوجه الآخر للاستثمار الأجنبي في الأسواق الناشئة.
كما وقعت بورصة الكويت هي الأخرى أسيرة لقضايا شركات الاستثمار والخسائر الفادحة التي لحقت ببنك الخليج نتيجة متاجرته في المشتقات المالية واضطراره إلى رفع رأسماله ووقف أسهمه عن التداول في البورصة, وجاءت ديون شركتي جلوبل ودار الاستثمار وعجز الشركتين عن سداد جزء من ديونهما في المواعيد المحددة لتفاقم من خسائر السوق.
وتبوأت الكويت كذلك صدارة الأنباء بعد أن نجح المستثمرون في الحصول على قرار من المحكمة بإغلاق السوق ليوم واحد لوقف الخسائر كما قامت هيئة الاستثمار الكويتية بضخ عدة مليارات من الدولارات في السوق لسد الحاجة إلى السيولة وتعهد البنك المركزي الكويتي بدعم شركات الاستثمار التي تواجه صعوبات في مجالي التمويل والأصول.
وتفاقمت آلام البورصات الخليجية مع الانهيار الحاد في أسعار النفط الذي هبط إلى نحو 34 دولارا للبرميل بالمقارنة بأعلى مستوى وصله وهو 140 دولارا للبرميل على الرغم من قيام "أوبك" مرتين بخفض إنتاجها.
وحتى بعد إعلان النتائج المالية للشركات المدرجة، بقيت البورصات الخليجية طوال هذا العام أسيرة الوضع المعنوي المتردي للمستثمرين الذين غلب على معاملاتهم الجني السريع للأرباح. فمنذ مطلع هذا العام تصدرت بورصة الدوحة قائمة البورصات الخليجية الخاسرة بنسبة انخفاض في مؤشرها "لغاية إقفالات نهاية الأسبوع الماضي 19 شباط (فبراير) 2009" بلغ 30 في المائة، تلتها البورصة الكويتية بنسبة 13 في المائة ثم البورصة البحرينية 11.68 في المائة ثم البورصة الإماراتية بنسبة انخفاض 10.6 في المائة ثم البورصة العمانية بنسبة 10.4 في المائة. وحدها البورصة السعودية التي سجلت نسبة تراجع لم تتعد 0.6 في المائة منذ مطلع العام.

ماذا عن 2009؟
ويتفق المحللون على أن الأسواق الخليجية ستواصل على الأقل خلال الربع الأول من عام 2009 تراجعاتها خصوصا أن كل التوقعات تشير إلى أن عام 2009 سيكون صعبا على جميع اقتصادات المنطقة. لذلك، سيظل كبار المتعاملين ومديرو المحافظ في حالة ترقب لنتائج الربع الأول لمعرفة مدى قدرة الشركات على تحقيق ربحية جيدة في ضوء التوقعات أن الأرباح ستسجل انخفاضات قوية خصوصا لشركات العقارات والبنوك.
ووفقا لتوقعات مستقاة من عدة تقارير لشركات استثمارية ومصارف في المنطقة، ستشهد البورصات الخليجية تذبذبا نتيجة للرابط النفسي الذي سيستمر معها لمتابعة ومراقبة أداء الأسواق المالية العالمية التي تشتكي حاليا من الاضطراب. وأشارت إلى توقعات أن يكون الربعان الأول والثاني من 2009 سلبيين، ولكن على حد وصفها أفضل بكثير من السيناريوهات السعرية السابقة، مؤكدة أن ذلك من شأنه مساعدة المستثمرين للتحرك قدما وبثقة لبدء مباحثاتهم بين القطاعات والشركات ذات الجودة العالية.

عام انتقاء الفرص
وأوضحت أن سنة 2009 ستكون الوقت المناسب لانتقاء الفرص الاستثمارية في بورصات دول الخليج العربية، متوقعة أن يشهد العام الجديد انخفاضا في معدلات المخاطر بمعدل 30 في المائة. وترى التقارير وجود تحولات ستدعم حالة البحث الانتقائي في الاستثمار في الأسواق المالية، تكمن في التحول لآلية ابتكار الثروات المعتمدة على مكاسب العقار السابقة، إضافة إلى رغبة عارمة من قبل حكومات المنطقة للاستفادة من الأموال المتراكمة واستثمارها في الاقتصاد المحلي والنمو المستدام.
وأضافت أن من بين العوامل الإيجابية المحفزة تراجع المخاطر في بورصات الأسهم إذ باتت في متناول الصناديق العالمية مع استمرار تداولاتها في مستويات تاريخية، موضحة بين العوامل انتفاء خطورة العملة، حيث لا توجد خطورة على عملات دول المنطقة، إضافة إلى تراجع التضخم وبدء فك التشديدات النقدية.
وبينت التقارير أن من بين العوامل الرئيسية المحفزة للاستثمار المالي في الخليج ضبط الرسملة، وانتفاء المنتجات المصرفية ذات المخاطر في القطاع البنكي، مشيرة في الوقت ذاته إلى عامل التوقيت المغري للاستثمارات العامة وكذلك توافر السيولة العالية.
وتأتي هذه التوقعات وسط تأكيدات من كبريات الشركات العقارية ومنها شركة إعمار الإماراتية التي صرح رئيس مجلس إدارتها محمد العبار أن شركته تتطلع لتحقيق عديد من الإنجازات خلال عام 2009 من خلال استكشاف مزيد من الفرص الاستثمارية الواعدة واعتماد استراتيجيات جديدة لمواجهة التحديات الكبيرة التي تفرضها الأزمة المالية، مشيرا إلى أن قطاع التطوير العقاري في العالم سيواجه عديدا من التحديات خلال عام 2009 وفي الوقت ذاته سيوفر كثيرا من الفرص. وقد أعلنت "إعمار" عدم توزيع أية أرباح نقدية للمساهمين واحتفظت بكامل أرباحها التي ناهزت 940 مليون دولار.
واستنادا إلى أداء البورصات الخليجية لغاية اليوم، أفصحت تلك التقارير عن تفضيلها لسوق الأسهم السعودية خليجيا بعد استعراض واقع الاقتصاد العام للمملكة، حيث ذكرت أن حجم نمو الناتج المحلي سيبلغ 3.8 في المائة متراجعا عن مستوياته السابقة، ولكنه يؤكد إمكانية توافر فرص استثمارية مرشحة للصعود بتحفيز من خطة حكومية تستهدف استثمار 200 مليار دولار. ووضعت التقارير تصنيفين للتقييم لبعض القطاعات الأولى مما وصفه بالأقل نموا خلال العام منها قطاع البنوك مع توقعات الإقبال على العقارات، وقطاع الكيماويات التي تواجه انخفاضا في الطلب ومأزق توسع الطاقة الإنتاجية مما يلفها بمخاطر عالية. كما أن التقييم الثاني للقطاعات الأكثر نموا جاء من نصيب قطاع الاتصالات، الذي يتمتع برؤية واضحة وتسجيل أرباح عالية، بينما قطاع التجزئة والاستهلاك المدعوم بعامل توقعات الإسراف في الإنفاق على الشراء وكذلك معدلات النمو السكاني المطردة.
وقال محللون إن إشارات إيجابية بدأت تصل السوق السعودية مصدرها التفاؤل بأن اقتصاد المملكة لن يعاني ويلات الأزمة المالية العالمية التي تضرب باقي أسواق العالم، بفعل توجه الحكومة السعودية إلى الإبقاء على معدلات ضخمة من الإنفاق والاحتفاظ بمشاريع ضخمة في البنى التحتية ستدعم نشاط وأعمال الشركات المحلية غير المرتبطة بالأسواق العالمية.
في حين قال تقرير صادر عن المركز الشرقي للاستشارات حول أداء السوق الكويتية إنه يبدو أن الاتجاه العام الصاعد مازال تفاؤليا، موضحا أنه بالنسبة للتوقعات الاستراتيجية فمازالت السوق تعكس علامات صمود وتنبئ باحتمال مزيد من الصعود حتى إذا تخللتها بعض التصحيحات الصغيرة.
ويتوقع أن تحظى السوق بدعم قوي من خطة الإنقاذ الحكومية البالغة قيمتها 5 – 7 مليار دينار كويتي بقد إقرارها من البرلمان، الهادفة إلى توفير الدعم للبنوك والشركات الاستثمارية وضخ مزيد من السيولة في الأسواق.
ومن وجهة النظر الاقتصادية، وإجمالا، فإن أسعار النفط الخام تشكل التحدي الأبرز ليس لتوقعات النمو في دول المجلس في الأجل المنظور والبعيد فحسب، بل حتى لأداء البورصات الخليجية خلال الفترة المقبلة، هذا علاوة بالطبع على أرباح الشركات المدرجة التي ستؤكد مقولة البقاء للأصلح، وكذلك التفاؤل بأن تؤدي رزم الإنقاذ الاقتصادية الأمريكية والأوروبية إلى بروز مؤشرات ولو أولية على وقف التدهور في المؤشرات الاقتصادية الرئيسية خلال النصف الثاني من العام، مما قد يؤذن بنحو مسار أداء البورصات الخليجية منحى آخر خلاف ما شهدناه لغاية اليوم.

الأكثر قراءة