البنوك الخليجية تتعلق بشعرة الودائع وربحية 2009 ليست مؤكدة

البنوك الخليجية تتعلق بشعرة الودائع وربحية 2009 ليست مؤكدة

تناول التقرير الأول من خسائر الاقتصاد الخليجي في الأزمة المالية العالمية أوضاع الاقتصاد الكلي والأموال السيادية، وأفاد أن البيانات الأولية تشير إلى أن دخول دول مجلس التعاون الخليجي من النفط ستتراجع هذا العام 60 في المائة بالنظر إلى الانخفاض الكبير في أسعار النفط. وفي الحلقة الثانية التي تركز على القطاع البنكي يفيد التقرير أن البنوك الخليجية بصورة عامة ما زالت في وضع صحي معقول مقارنة بتأثر مثيلاتها حول العالم، وفي الوقت ذاته يوضح رقميا أن أرباح الربع الرابع من العام الماضي أظهرت علاقة القطاع المصرفي الخليجي بالأزمة العالمية وبالرهون الأمريكية، وحسب التحليل فإن تحقيق البنوك الخليجية معدلات ربحية عام 2009 لن يكون أمرا يسيرا كما حدث خلال العام الماضي. إلى التفاصيل:

مع تواصل إعلان النتائج المالية للمصارف والمؤسسات المالية الخليجية للربع الأخير من عام 2008، باتت تتضح بصورة أكبر تأثيرات الأزمة المالية في هذه المؤسسات والبنوك. ومع ذلك، يرى كثير من المحللين والخبراء أنه ربما يستغرق عام 2009 بكامله حتى تتضح الصورة الكاملة لتلك الأزمة في أبعادها المختلفة.
وبالرغم من أن الأزمة المالية العالمية انعكست في البداية في جانب كبير منها في صورة أزمة سيولة، فإن عديدا من التقارير المتخصصة كانت ترى أن القطاع المصرفي في دول مجلس التعاون الخليجي يتمتع بأوضاع صحية جيدة بصورة عامة، بالرغم من أن تلك التقارير توقعت بالفعل حدوث تراجع في نسب الربحية المتحققة وتباطؤ في نمو الأنشطة.

مستوى الخسائر
باستثناء الخسائر التي اقتربت من مستوى ملياري دولار في بعض البنوك الخليجية تبعـاً لأزمة الرهون العقارية والتعاملات في المشتقات المالية الأخرى التي كشفت عنها نتائج عام 2007 والنصف الأول من عام 2008، حيث عانت بعض المؤسسات مثل المؤسسة العربية المصرفية وبنك الخليج الدولي وشعاع كابيتال، خسائر استثماراتها في سندات الرهن العقاري الأمريكي، فما كان متداولا، وهو صحيح على أية حال إلى حد ما حتى اليوم، هو أن القطاع المصرفي في دول مجلس التعاون الخليجي في أوضاع صحية جيدة بصورة عامة. وقد أكدت هذه المؤشرات نتائج الربعين الثاني والثالث من عام 2008، حيث نمت أرباح البنوك الخليجية في المتوسط 15 – 25 في المائة.
ولكن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية بدأت بإلقاء ظلالها على أرباح الربع الرابع من 2008 للبنوك الخليجية، لكن اختلف هذا التأثير من بلد إلى آخر فعلى الرغم من أن البنوك الرئيسية أعلنت أنها حققت معدل أرباح طوال العام، إلا أن نتائج الربع الرابع من 2008 تشير إلى انخفاض ملحوظ في صافي الدخل مقارنة بما قبلها من العام نفسه.

البنوك السعودية
سجلت البنوك السعودية المدرجة أدنى مستوى للأرباح الفصلية خلال الربع الرابع مسجلة تراجعا بنسبة 12 في المائة إلى 4539.3 مليون ريال مقارنة بالربع المماثل من 2007، وبنسبة 24 في المائة مقارنة بالربع الثالث من 2008، مع تسجيل عدد من البنوك خسائر خلال الربع الرابع وهي الجزيرة والاستثمار والبلاد، إضافة إلى تسجيل عدد آخر أدنى أرباح فصلية منذ عدة سنوات خلال هذا الربع.
ولا تتضمن هذه الأرقام الخسائر التي تعرض لها البنك الأهلي، أكبر البنوك السعودية، خلال الربع الأخير من عام 2008 والتي لو تم إضافتها لسجلات الأرباح المجمعة انخفاضا أكبر. وأسهم انخفاض أرباح "الراجحي" و"سامبا"، وهما أكبر بنكين مدرجين، خلال الربع الرابع إلى تراجع الأرباح المجمعة للبنوك، حيث تراجعت أرباح "الراجحي" بنسبة 10 في المائة لتصل إلى 1424 مليون ريال مقارنة بالربع المماثل من 2007، فيما انخفضت أرباح "سامبا" 14 في المائة إلى 826 مليون ريال.

بنوك الخليج
في الكويت انخفضت أرباح بنك الكويت الوطني، وهو أكبر مصرف تجاري كويتي، بنسبة 7 في المائة لتبلغ 850 مليون دولار. أما في البحرين، فقد انخفضت أرباح البنك الأهلي المتحد وهو أيضا أكبر مصرف تجاري بحريني بنسبة 12 في المائة لتبلغ 296 مليون دولار بينما انخفضت أرباح بيت التمويل الخليجي بنسبة 14 في المائة لتبلغ 299 مليون دولار.
وكشف بنك قطر الوطني أكبر بنوك القطرية من حيث القيمة السوقية عن تحقيق 653 مليون ريال ربحا صافيا في الربع الأخير من 2008، وذلك بانخفاض 0.8 في المائة عن الفترة ذاتها من العام السابق. وقال البنك إن صافي الأرباح السنوية ارتفع إلى 3.65 مليار ريال في 2008، أي بزيادة نحو 45 في المائة، وكان البنك قد حقق 2.51 مليار ريال في 2007.
وفي الربع الرابع من 2008، كشفت نتائج البنوك الإماراتية عن تحقيق بنك أبو ظبي التجاري صافي خسائر يصل إلى 260 مليون درهم وبنك الإمارات دبي الوطني صافي أرباح يصل إلى 14 مليون درهم وبنك الاتحاد الوطني صافي أرباح يصل إلى 66 مليون درهم، وقد تجاوز صافي الدخل عن السنة المالية الماضية لكل بنك من هذه البنوك حاجز المليار درهم ليصل إلى 1.36 مليار درهم في بنك أبو ظبي التجاري وإلى 3.68 مليار درهم في بنك الإمارات دبي الوطني وإلى 1.44 مليار درهم في بنك الاتحاد الوطني. وارتفعت أرباح بنك أبو ظبي الوطني، ثاني اكبر بنك في الإمارات، إلى 3018.7 مليون درهم (1.53 درهم للسهم) خلال عام 2008، وبنسبة 21 في المائة عن أرباح الفترة نفسها من العام الماضي. إلا أن أرباحه تراجعت خلال الربع الرابع مقارنة بباقي الأرباع بسبب زيادة حجم المخصصات، وقال البنك إنه باستثناء 8.8 مليون دولار خسائر نتيجة لانهيار "ليمان براذرز" فإنه لم يتعرض لخسائر متعلقة بأزمة الرهون أو الاستثمارات الخارجية.
وكما كان متوقعا، فقد لجأت كل البنوك تقريبا إلى إعلان توزيعات نقدية أقل للمساهمين بهدف الاحتفاظ بقدر أكبر ممكن من الأرباح لتعزيز القاعدة الرأسمالية، خاصة أن انخفاض أسعار أسهمها في السوق خفف الضغوط عليها لتوزيع عوائد نقدية عالية للمساهمين ورفع من نسب العائد الفعلي على السهم حتى في ظل التوزيعات النقدية المخفضة التي تم توزيعها.

وكالات التصنيف
قامت وكالات التصنيف العالمية الثلاث لحد الآن بمراجعة تصنيف 27 مصرفا خليجيا، حيث تم تخفيض عدد منها في حين أن أغلبها حصل على نظرة مستقبلية سالبة بدلا من مستقرة نظرا للتوقعات المحيطة بأداء هذه البنوك خلال عام 2009. وبات واضحا أن هذه الوكالات وهي "ستاندرد آند بورز"، و"موديز"، و"فيتش" وضعت في حسبانها انخفاض الأرباح.
وقد أحدثت "فيتش" أكبر تغيير حتى الآن عندما خفضت تصنيف 17 بنكا خليجيا في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وخلال الشهر ذاته، خفضت "ستاندرد آند بورز" هي الأخرى تصنيف ستة بنوك في المنطقة. وقالت الوكالة إن التصنيفات الحالية تعكس البيئة المتغيرة التي تعمل فيها البنوك، إذ أصبحت أقل دعما. كذلك اتجهت وكالة التصنيف العالمية (موديز) إلى تخفيض تصنيف أربعة بنوك إماراتية. وتقول الوكالة إن وضع السيولة في هذه البنوك دفع إلى تغيير النظرة المستقبلية، خصوصا المصارف الإسلامية التي لديها انكشاف على العقار بطبيعتها.
وكانت وكالة موديز قد قيمّت التوقعات الخاصة بالبنوك الخليجية على افتراض معدل العجز عن السداد المشابه للولايات المتحدة إبان أزمة تمويل الأفراد. وترى تقديرات الوكالة أن نسبة انخفاض الرسملة في المصارف ستصل إلى 10 أو 15 في المائة، وأن الزيادة في القروض المتعثرة قد تصل إلى 12 في المائة. وتشير الوكالة إلى أن بعض البنوك ستحتاج إلى رأسمال جديد للحفاظ على وضعها في حال استمر السيناريو الحالي.
إلى هذا، ومن بين البنوك التي تم تخفيض تصنيفها وتغيرت النظرة المستقبلية فيها إلى سلبية، مصارف كبيرة في المنطقة وتشمل بنك أبوظبي التجاري، وبنك الخليج الأول في الإمارات، و"سامبا" والبنك الأهلي التجاري في السعودية.

القروض العقارية
وفقا لتقديرات مجموعة الخدمات المالية "كريديت سويس"، فإن أكثر من 35 في المائة من جميع قروض البنوك الإماراتية كانت موجهة نحو استثمارات عقارية. وبسبب انكشاف بنك الخليج الأول وبنك الإمارات دبي الوطني الحاد على عمليات الإقراض العقاري، تم تخفيض تصنيفهما.

إصدار السندات
على صعيد آخر، ومع أن البنوك بدأت اختبار بيئة إصدار السندات والصكوك الجديدة، فإنه من غير الواضح الآن أي طرف من المعادلة (المقرض أو المقترض) سيخرج رابحاً. لكن الأمر الأكيد هو أنه بات يتعين على البنوك أن تدفع أكثر للحصول على التمويل، مما كانت معتادة في السابق.
وبسبب تقييد تمويل أسواق رأس المال، فقد يدفع الأمر البنوك إلى مراجعة تخفيض توقعاتها بشأن النمو. ورغم أن ودائع المستهلكين تعتبر أرخص وأكثر المصادر استقراراً لتمويل البنوك فإنها أصبحت الآن أكثر تكلفة. علاوة على هذا، وبهدف جذب ودائع جديدة وتحسين معدلات القروض إلى الودائع فيها قبل تقارير نهاية العام، قدمت المصارف معدلات فائدة وصلت إلى أكثر من 6 في المائة.

زيادة تكلفة التمويل
من جهة أخرى، فقد انعكست آثار الأزمة المالية العالمية على القطاع المالي والمصرفي الخليجي من خلال قراراته برفع تكلفة تمويل المشاريع وما يترتب عليه من ضعف أداء الشركات وتعثر المشاريع القائمة والمستقبلية وبالتالي تراجع مستوى معدلات النمو الاقتصادي بشكل عام.
واستبعد هؤلاء المحللون أن تتعرض أغلبية المصارف الخليجية لأوضاع دراماتيكية، كما وقع لبنك الخليج في الكويت، الذي خسر أغلبية أصوله من المضاربة في مشتقات مالية في أسواق الغرب، لكنهم قالوا إن المؤكد هو أن القطاع المصرفي لن يحقق أرباحًا عام 2009 كما هو الحال عام 2008.

موجودات البنوك الخليجية
مما يحذر منه المحللون الماليون أن عديدا من مشاريع وخطط التنمية الكبرى التي تعتمد على تمويلات المصارف قد تلغى عندما يصبح من الصعب الحصول على قروض لتنفيذها.
وقدر تقرير لبنك التمويل الخليجي حجم الموجودات الأجنبية للبنوك الخليجية بنحو 200 مليار دولار، التي تمثل 10 في المائة من مجموع الموجودات الأجنبية المملوكة من قبل البنوك المركزية والصناديق السيادية الخليجية. وتعود معظم الزيادة في الأصول الأجنبية خلال عام 2008 إلى زيادة الاستثمارات الخليجية في السندات والأوراق المالية الحكومية في أوروبا بعد بروز بوادر الأزمة في الأسواق الأخرى. إلا أن مصدر القلق الرئيس، وفقا للتقرير، هو الموجودات المتعثرة العائدة للصناديق السيادية الخليجية، وحجمها غير معروف. وتقدر الأصول الخارجية في المصارف المركزية وصناديق الثروات السيادية في المنطقة بما يقارب تريليوني دولار أمريكي، مما يؤهلها للتدخل المؤثر في حال الحاجة إلى دعم النظام المصرفي. وقدر تقرير لمجلة "الإيكونومست" حجم خسائر الصناديق السيادية الخليجية من جراء الأزمة الراهنة بنحو 400 مليار دولار.

وضع السيولة
فيما يخص تأثير الأزمة العالمية في السيولة المحلية في دول مجلس التعاون الخليجي، قال تقرير البنك إن دول المجلس مع تصاعد احتمال تقلص السيولة مدعوة للتعامل مع الموضوع من خلال ثلاث أدوات رئيسة هي خفض أسعار الفائدة، خاصة أن التوقعات تشير إلى قيام الاحتياطي الفيدرالي بإجراء خفض آخر بنحو 0.5 في المائة في سعر الفائدة خلال الأشهر المقبلة. والأداة الثانية هي تخفيض الاحتياطيات القانونية للبنوك لدى البنوك المركزية، حيث قامت المملكة العربية السعودية بهذه الخطوة من خلال تخفيض الاحتياطيات القانونية للودائع الجارية من 13 في المائة إلى 10 في المائة. والأداة الثالثة هي إصدار تصريحات إعلامية (وليس توجيهات ملزمة) من شأنها المساعدة على توجيه الائتمان نحو القطاعات الاقتصادية ذات الألوية.
من جانبهم، أكد عدد من المصرفيين العاملين في البنوك الإسلامية في دول المنطقة أن البنوك الإسلامية هي الأقل تأثرا من أزمة الرهون العقارية، وذلك لأن البنوك الإسلامية لا تتعامل في سندات بضمان رهن عقاري لأن هذه المعاملات المصرفية المركبة لا تتماشى مع الشريعة الإسلامية، منوهين بأن البنوك الإسلامية بالفعل محصنة إلى درجة كبيرة من هذه الأزمة إلا أنها غير بعيدة عن حدوث بعض التأثيرات وذلك لأن هناك مشاريع تكون مشتركة مع البنوك التقليدية، كما أنه من المحتمل أن تكون هناك بعض الاستثمارات لبنوك إسلامية في بنك ليمان أو غيره وهو ما يمكن أن يحمل بعض التأثيرات في النظام المصرفي الإسلامي. كما سوف تتأثر البنوك الإسلامية الاستثمارية من تدهور أوضاع العقارات والتمويل وتراجع حجم التمويل المتوافر في دول المجلس.
ومنذ بداية نشوب الأزمة في منتصف أيلول (سبتمبر) الماضي، كثفت المصارف المركزية الخليجية تحركاتها لمواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية على البنوك الخليجية وتحديداً أزمة نقص السيولة التي بدت البنوك تتعامل معها كما لو أنها اكتشاف مفاجئ، رغم أن مقدماتها ظهرت منذ فترةٍ قاربت عاما بالتزامن مع ظهور أزمة الرهن العقاري الأمريكي.
وصحيح أن البنوك الخليجية مطالبة من جانبها باتخاذ إجراءات عديدة لتقوية أوضاعها كزيادة رأس المال وبناء المخصصات وتعزيز لوائح الشفافية والحوكمة، وتشديد معايير الاستثمار والائتمان وغيرها، إلا أنه وفي ظل التوقعات المتشائمة بشأن أوضاعها القادمة، فإنها قد تحتاج إلى أكثر من ذلك. ولعل كثيرا من البنوك الخليجية بات يأمل في خطة إنقاذ اقتصادي على شاكلة خطط الإنقاذ الأمريكية والأوروبية أو حتى الكويتية التي توفر ضمانات لغاية 50 في المائة للتسهيلات الائتمانية التي تقدمها البنوك للقطاع الخاص.
كما سوف يدخل البنك المركزي نيابة عن الدولة كضامن لمقدار العجز في مخصصات البنوك مقابل محفظة التسهيلات الائتمانية كما في نهاية العام الماضي وذلك خلال ثلاث سنوات 2009 - 2011. وسوف يكون أمام البنوك خيار زيادة رأس المال سواء من المساهمين الحاليين أو من خلال أدوات جديدة مثل السندات التي تكون ملزمة بالتحول لأسهم أو إصدار أسهم ممتازة أو إصدار أدوات مالية وفق أحكام الشريعة الإسلامية.

الأكثر قراءة