أخبار اقتصادية- محلية

محللون دوليون لـ "الاقتصادية" : قمة الرياض فصل جديد في تاريخ "العشرين" وقراراتها أجندات المستقبل

محللون دوليون لـ "الاقتصادية" : قمة الرياض فصل جديد في تاريخ "العشرين" وقراراتها أجندات المستقبل

الملك سلمان بن عبدالعزيز.

اختتمت قمة مجموعة العشرين في العاصمة السعودية الرياض أعمالها وأصدرت بيانها الختامي بعد اجتماعات افتراضية على مدار يومين. بالنسبة إلى القيادة السعودية قامت بما يجب عليها القيام به، وأدت ما عليها من التزامات بوصفها رئيسة القمة، ولكن كيف تفاعل العالم الخارجي مع القمة، كيف نظر إليها، وكيف قيّمها، وإلى أي مدى منحت القمة صناع القرار والمسؤولين والخبراء دفعة جديدة بأن في مقدار المجتمع الدولي التعاون الحقيقي لإحداث تغيير في المسار الراهن له؟ والى أي مدى عدّ البيان الختامي للقمة بيانا يتجاوز في مضمونة حدود ما تضمنته بيانات سابقة صدرت عن قمم مجموعة العشرين.
ربما لحظة التقييم الأولى للقمة تتجلى في مدى الاهتمام الدولي بها، الذي انعكس في الطريقة التي غطت بها وسائل الإعلام الدولية الحدث، فلحظة الانعقاد ترافقت مع لحظة فارقة في التاريخ الحديث للإنسانية، وبين وباء كورونا والأزمة الاقتصادية نالت القمة اهتماما مفرطا من وسائل الإعلام الدولية، الجغرافيا كانت أيضا محفزا للمتابعة الدولية الدقيقة للقمة، ولم يرتبط الأمر فقط بأن السعودية كانت أول دولة عربية تستضيف قمة من هذا المثيل، بقدر ما كان هناك رغبة دولية في تلمس انعكاس جهود الإصلاح في المملكة، على رؤيتها لإصلاح مسار الاقتصاد العالمي مما أصابه من خيبات أمل وتعثر في الأعوام الأخيرة.
تجلى الاهتمام الدولي بقمة الرياض، عبر متابعة وسائل إعلام دولية وقنوات تلفزيونية ذات انتشار عالمي على غرار البي بي سي الناطقة باللغة الإنجليزية وفروعها الناطقة باللغات الأخرى أو القنوات الأوروبية والأمريكية ذات الطابع الدولي، بتقديم متابعة تفصيلية للحدث بدقة، واحتلت القمة وجدول أعمالها والنقاشات التي حفلت بها، صدارة العناوين الأولى في النشرات والبرامج الرئيسة، مع إفراد مساحة خاصة ومميزة لتغطيتها، والأمر ذاته كان بارز الوضوح في الصحافة المكتوبة.
من جانبه، قال لـ"الاقتصادية" الدكتور إيان توماس أستاذ الإعلام في جامعة لندن "اهتمام الإعلام الدولي بقمة العشرين الأخيرة، عكس مجموعة من النقاط تتبلور جميعها في شعور عام بأن القمة تمثل مرحلة فارقة في تطور نهج مجموعة العشرين ذاته، وأن القمة يمكن أن تمثل بداية جديدة لهذا التجمع الدولي، بمقتضاه يتم إيجاد حالة من الازدهار العام المشترك للبشرية، سواء في مساعيها لمكافحة وباء كورونا أو في جهودها لاستعادة زمام النمو الاقتصادي والخروج من الأزمة الراهنة، ويفسر ذلك قيام عديد من وسائل الإعلام الدولية بتغطية مباشرة ومكثفة لفاعليات قمة الرياض".
الاهتمام الإعلامي لم يكن إلا جزءا من إدراك عام بطبيعة التحديات التي تواجه دول العشرين، وهو ما دفع عددا من المسؤولين السابقين من بينهم جاك جورج الاستشاري السابق لمجلس الوزراء البريطاني إلى وصف القمة بأنها استمدت أهميتها من كونها قمة للمستقبل أكثر منها اهتماما حقيقيا باللحظة الراهنة فقط.
وقال جورج لـ"الاقتصادية" إن "طبيعة المحاور التي حرصت القيادة السعودية على أن تبحث في القمة، ترافقت مع سعي سعودي إلى إيجاد قبول عام بين القادة المشاركين بشأن تلك المحاور، بهدف التعامل معها كأرضية يمكن الانطلاق منها لتأسيس حزمة صلبة من الخطوات المستقبلية الصادقة، لا تقف عند حدود التصدي لوباء كورونا والأزمة الاقتصادية الحالية فقط، على الرغم من أهمية ذلك، وإنما ترسيخ عملي لقدرة عامة للتعامل مع مرحلة ما بعد الجائحة، وفي الوقت ذاته بناء مستقبل شامل يتجاوز قضية العضوية في المجموعة من عدمه، ليصبح مستقبلها أكثر اتساعا وارتباطا بالإنسانية جمعاء".
لكن الدكتور آرثر هيكسلي أستاذ العلاقات الدولية يرى أن القمة في الرياض أثبتت نجاحا مميزا مقارنة بعديد من القمم السابقة للمجموعة، التي لم تنل نصيبا من الاهتمام الدولي الواجب، ليس فقط لأنها عقدت في أوقات أقل تعقيدا مما عقدت فيه قمة الرياض، ولكن لأن محاور النقاش في القمة الأخيرة كانت أكثر تميزا.
وعدّ الدكتور آرثر أن قمة الرياض نجحت، لأنها طرحت ما كان مفقودا في القمم السابقة، أو كان موجودا ولكن بنبرة متعالية وغير جادة.
وأوضح لـ"الاقتصادية"، "عند تحليل البيان الختامي للقمة، نجد أنه حرص على أن يتضمن من بدايته التأكيد على تقديم الدعم والتركيز بشكل خاص للفئات الأكثر تأثرا بالأزمة ، هذا أوجد شعورا بأن هناك لغة مختلفة في قمة الرياض، لغة أكثر اهتماما بالفئات والدول الضعيفة غير القادرة على تحمل تكلفة أعباء مكافحة وباء كورونا، تلك اللغة كانت غائبة في أغلب إن لم يكن جميع البيانات السابقة، أو كانت تطرح بلهجة متعالية، قمة الرياض بعثت برسالة للجميع، بأن الإنسانية لن يكون أمامها غير التعاون والتشارك في الضراء والسراء، وهذا يوجد مناخا إيجابيا من التعاون الدولي".
وأضاف أنه يحسب للقمة أيضا تصميمها على دعم جميع الدول النامية والأقل نموا في مواجهة آثار فيروس كورونا، وبهذا نجحت القمة في نزع فتيل أي شكل من أشكال الاحتقان الدولي المستقبلي.
واستدرك قائلا، إنه من المؤكد أن قمة الرياض ستدخل تاريخ قمم مجموعة العشرين بوصفها قمة ذات طابع دولي حقيقي وخلاق، حتى إن لم يشارك فيها غير 20 من قادة العالم، لأنها أفلحت في التطرق التفصيلي إلى الهم والاحتياج الدوليين، باعتبارهما تحديا جماعيا لا يمكن التعامل معه إلا عبر مشاركة شاملة.
أما الدكتورة ليندا جارلند الاستشارية السابقة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فتركز أكثر عند تقييم القمة على ما تصفه بالروح الإيجابية المبنية على أساس واقعي عند تحديد وضعية الاقتصاد العالمي.
وقالت لـ"الاقتصادية" إنه "رغم إقرار قادة العشرين بانكماش الاقتصاد العالمي نتيجة جائحة كورونا، فإن الارتفاع الجزئي في النشاط الاقتصاد كما أشار البيان الختامي، لم يبعد الأنظار عن أن التعافي غير متكافئ، وأن حالة من عدم اليقين لا تزال تهيمن على الاتجاه العام للاقتصاد العالمي، لكن تأكيد قادة المجموعة بأنهم عازمون على الاستمرار في استخدام جميع أدوات السياسة المتاحة لحماية الوظائف والدخل، وتحسين متانة النظام المالي، يكشف بوضوح عن إصرار على مواصلة عملية الدفع الناجمة عن مبادرة تعليق خدمة الديون للدول الأكثر فقرا".
واستدركت قائلة إن جزءا من تلك الرؤية ربما يعود إلى حرص ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على فكرة الالتزام بدعم الاقتصاد العالمي لتحقيق مرحلة من التنمية المستدامة، لكنها تعكس أيضا إدراكا بضرورة تكامل الاقتصاد العالمي، وإن إخفاق أي جزء من الاقتصاد العالمي عن تلبية طموحات شعبه، سينعكس عاجلا أم آجلا على المنظومة الاقتصادية الدولية ككل.
بدوره، أوضح الباحث الاقتصادي آر. إل. بلنتي أن قمة الرياض شهدت حرصا شديدا على أن تبعث برسالة للمجتمع الدولي، مضمونها أن المجموعة تعنى بالشأن الدولي من جوانبه المتعددة لكنها ليست بديلا للأمم المتحدة.
وأوضح لـ"الاقتصادية" أن "هناك وعيا من القيادة السعودية حظي بقبول ودعم من قادة المجموعة، تمثل في أن دور مجموعة العشرين على الساحة الدولية، يختلف عن دور الأمم المتحدة، لكن هذا الاختلاف لا ينفي تكامل أدوار المنظمتين الدوليتين في بعض الجوانب، مع حرص على أن تتسم الوكالات والهيئات التابعة للأمم المتحدة بمزيد من الشفافية لضمان تعزيز فاعليتها إذ أرادت أن يكون لها تأثير حقيقي على الساحة الدولية".
ويعتقد آر. إل. بلنتي أن استضافة السعودية القمة وجدول الأعمال الذي طرح خلال رئاستها ربما يمثل نهاية فصل كامل من تاريخ المنظمة الدولية. ولكنه في الوقت ذاته يفتح بداية لفصل جديد، بمقدار ما سيتضمنه من تفاصيل واحتياجات تتناسب مع الواقع الجديد والمرحلة المقبلة، إلا أنه سيجد أسسه الفكرية في النهج الذي بني للمجموعة خلال تولي الرياض رئاستها لها.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- محلية