علينا أن نحترم مزاج الطبيعة ومزاج الإنسان
أعترف بأن أجمل مكان في الطبيعة في المملكة هو عسير، جبالها عسيرة ومناخها بديع، وشعبها وديع، وهم من أجمل وأفضل وأرق البشر الذين اجتمعت بهم في المملكة، ولا أريد أن أقول من هم أجف وأصلب وأخشن وأصدم، ولكنها الطبيعة، فهي تنتج ورد الجوري الأحمر والخمط والأثل وشيئا من سدر قليل؟؟ويشبه مزاج الإنسان تقلب مزاج الطبيعة من وجوه شتى؛ فهو يوما مغيم، وثان ممطرـ وثالث يرعد ويبرق، ورابع مشرق بهيج.وقد يكون الإنسان يوما مكتئبا وثان فيه يبكي، وثالث منه يغضب، وفي يومه الرابع في غاية السرور والانشراح، فيجب ألا نتعجب فكما كان للطبيعة دورة من ريح ومطر وسحاب وغمام، كذلك الدورات العاطفية داخل أجسادنا، والمرأة مع انقذاف البيضة تتهيج جنسيا ومع الدورة يلفها الضباب والليل.
وليس كل مرة نعرف السبب، فقد ينام فيستيقظ على كآبة، أو يغفو فيرى مناما يشرح صدره؛ فعلينا ألا تستبد بنا اللحظة فهذه حكمة.وروى لي صديقي الصناديقي الذي اجتمعت به في مصر بعد غياب عشر سنوات فركب القطار 400 كم للاجتماع بي لأربع ساعات، قال تعلمت منك ثلاثا: لا تستبد بك اللحظة.. ولا تحقرن من المعروف شيئا.. ومع كل صباح نحمد الله على أنه مد في عمرنا يوما بصحة غامرة ونشاط جم فوجب ملؤها بالسعادة وغمر وجوهنا بنور الشمس قبل أن يعفرها التراب. وهناك من يعالج الكآبة بالاستيقاظ الصباحي. وهناك من يصف البعض أنه مزاجي، ولكن كلنا مزاجي؟!
والفرق هو في الدرجة والضبط لا أكثر؛ فيصعد أحيانا أو يهبط، أو ينحرف وينفعل، وأكثر من مرة في اليوم الواحد، فهذه هي طبيعة الإنسان.
وعلينا احترام هذه الطبيعة والتعامل معها ليس بإلغائها بل بضبطها وتربيتها وتصعيدها مثل أي طاقة في الكون.
والقرآن أمر بكظم الغيظ وليس استئصاله؛ فليس بالإمكان.. فقال: "والكاظمين الغيظ".
ويروى عن المأمون أن جارية دلقت الشراب عليه حين تقديمه؛ فغضب وشتمها، فقالت له: والكاظمين الغيظ.
قال: قد كظمنا.
قالت: والعافين عن الناس.
قال: قد عفونا.
قالت: والله يحب المحسنين.
قال: أنت حرة لوجه الله.
ولكن رواية مثل هذه لا تكفي لتبرئة ساحة المأمون فرأس أخيه الأمين احتز وأحضر إليه على طبق في صراع بغداد.