المالية أم الوزارات .. نشأت قبل 40 يوما من إعلان توحيد المملكة
المالية أم الوزارات .. نشأت قبل 40 يوما من إعلان توحيد المملكة
نتيجة توسع جهاز وكالة المالية الإداري وتعدد مسؤولياتها وتشعب أعمالها كما وكيفا، أصبحت مسألة إعادة تنظيمها حاجة ملحة لتطورها حتى تفي بالتزاماتها الكثيرة، حيث صدر مرسوم ملكي في 14 أغسطس 1932 - أي قبل 40 يوما من إعلان توحيد المملكة العربية السعودية - بإنشاء وزارة المالية وتعيين عبدالله السليمان الحمدان أول وزير لها، وتعيين حمد السليمان الحمدان وكيلا للوزارة، وكان مقرها عند الإنشاء في مكة المكرمة.
وبتعيين ابن سليمان وزيرا للمالية، غلب لقب "الوزير" على اسمه وأصبح علما له، فرغم أن الأمير فيصل بن عبدالعزيز، كان أول وزير رسمي بالمصطلح الإداري والسياسي، إذ تولى وزارة الخارجية - كما أشرنا في عام 1930 - إلا أنه كان نائبا للملك في الحجاز، ورتبة النيابة والإمارة أعلى من رتبة الوزارة، لذا لم يكن لمنصب الوزير الذي حظي به تأثير اجتماعي على مكانته، بعكس ابن سليمان الذي أصبح الشخصية الأولى في الدولة بعد الملك وكبار الأمراء خلال مدة وزارته الطويلة. قال الزركلي "شبه الجزيرة ج 3/910"، " وتفرد وحده بلقب الوزير ومعالي الوزير، فكان إذا أطلق أحد اللفظين عرف السامع بالبداهة أن المعني هو ابن سليمان، وأثار هذا عليه حسد الكثيرين".
ولا شك أن منصب وزير المالية كان من المناصب المهمة بحكم تعلقه بالمال، وهو المحرك الأول لاقتصاد الدولة وسياستها، كما أن "المالية" - آنذاك - كانت مسؤولة مسؤولية تامة عن كثير من الأعمال الأخرى المتصلة بحياة الناس وبمصالح الدولة، فلا غرابة بعد ذلك في كونه - كما تشير المصادر التاريخية - يدخل على الملك عبدالعزيز في جناحه الخاص في القصر الملكي بعد صـلاة الفجر كل يوم، فيعرض عليه ما يهمه، ويخرج بالموافقة على جل ما يريد، وفي كونه لا تخرج برقية من ديوان الملك عبدالعزيز في جميع شؤون الدولة إلا وجه نسخة منها إلى ولي العهد، ونسخة إلى النائب العام، ونسخة إلى ابن سليمان.
وإذا كانت وزارة الخارجية هي الوزارة الأولى في تاريخ الدولة، فإن وزارة المالية تستحق أن يقال عنها "أم الوزارات"، فلماذا توصف هذه الوزارة العتيدة بأنها أم الوزارات؟! الحقيقة أن هذا الوصف لم يأت من فراغ، بل أنه وصف مطابق للواقع تماما، حيث يرى إبراهيم العتيبي في كتابه "تنظيمات الدولة في عهد الملك عبدالعزيز"، أن أعمال الوزارة منذ نشأت، أخذت في التوسع، فكثرت أعباؤها، وكبرت مسؤولياتها، حتى أصبحت تشرف على معظم الدوائر الحكومية القائمة في تلك الفترة، سواء أ كان هذا الإشراف مباشرا أم غير مباشر، حيث كان كلما يستجد أمر يستدعي إنشاء إدارة، فإنها تلحق بوزارة المالية، فعديد من الوزارات والجهات، التي نشاهدها مستقلة اليوم، كانت تقع تحت مظلة وزارة المالية. فهذه الوزارة كانت، إضافة إلى مسؤوليتها عن الشؤون المالية، تضطلع بالشؤون الاقتصادية، والدفاع وأموره العسكرية، وشؤون البترول والمعادن، والمواصلات والاتصالات، والأشغال العمومية، والحج والأوقاف، والعمل والعمال، والزراعة والمياه، والإذاعة والإعلام، وشؤون الموظفين والمتقاعدين، وعدد من المصالح والمؤسسات والجهات الأخرى. فوزارة المالية السعودية، إضافة إلى أهميتها وحساسيتها، تعد من الوزارات التاريخية العملاقة، فعمرها يمتد إلى 88 عاما، وشغل كرسي الوزارة، أصالة ونيابة وتكليفا خلال هذه المدة، 13 وزيرا، أولهم عبدالله السليمان، وآخرهم محمد الجدعان.