عندما يتحدث الموتى!
ليس من الغريب في هذا العالم أن يلتقي أحدنا شخصاً عائداً من الموت ليروي له المشاهد التي احتفظت بها ذاكرته عن تلك التجربة.. طبعاً لا أقصد أولئك الذين ماتوا ودفنوا وتحللوا في قبورهم وإنما أقصد الأشخاص الذين توقفت قلوبهم ودخلوا في حالة موت حقيقية مؤقتة ثم أفاقوا منها, وهم كثر للدرجة التي تأسست معها منظمات عالمية لدراسة تجربة الاقتراب من الموت مستعينة بمشاهدات هؤلاء ورواياتهم.
وأذكر أنني اطلعت قبل سنوات على كتاب بعنوان (الحياة بعد الحياة) لـ "ريموند مودي" تحدث فيه المؤلف عن تجارب موت حقيقية لأشخاص مازالوا على قيد الحياة, ثم قرأت كتاباً آخر عن الموضوع نفسه بعنوان (العائدون من الموت) لمؤلفه "عبد التواب حسين", وكلا الكتابين تضمن روايات لأولئك الأشخاص الذين اتفقوا في مشاهداتهم بنسبة كبيرة رغم عدم معرفتهم ببعضهم وانتمائهم إلى دول وجنسيات وأماكن مختلفة.
وقبل أن أذكر تلك المشاهدات المتفق عليها لابد أن أشير إلى أن الروايات التي وردت في كتاب (الحياة بعد الحياة) شجعت العالم النفسي الأمريكي "كينيث رينج" على البحث في هذا الشأن وهو الأمر الذي دعاه لتشكيل فريق من المختصين ودراسة 156 حالة للعائدين من الموت, واستمرت تلك الدراسة ثلاث سنوات حتى تمكن من الوصول إلى نتائج حاسمة حددت خمس مراحل أساسية لتجربة الموت التي خاضها الأفراد المشمولون بالدراسة, وتم تصنيف تلك المراحل على النحو التالي:
1- مرحلة الخروج من الجسد في الظلام والشعور الداخلي بالسلام والسكون والسعادة والخفة وقد اجتازها 60 في المائة من الناجين.
2- مرحلة التواجد خارج الجسد: وتعد المرحلة الأولى لانفصال الروح عن الجسد وقد روى عدد من المشاركين في الدراسة أنهم كانوا يحلقون في الهواء وينظرون لأجسادهم وهي ممددة على السرير أو في غرف العمليات محاطة بالأطباء الذين يحاولون إنقاذهم, كما روى شخص مر بالتجربة إثر حادث سير أنه كان يحلق فوق مكان الحادث ويتابع عملية إخراج رجال الإسعاف لجسده من تحت السيارة ويستمع لحديثهم وقد اجتاز هذه المرحلة 37 في المائة من الناجين.
3- مرحلة الدخول في نفق مظلم: وقد اجتازها 23 في المائة من الناجين وتحدث بعضهم عن شعورهم بأنهم كانوا يحلقون بسرعة كبيرة جداً داخل ذلك النفق المظلم وأنهم فقدوا رهبتهم من الموت في هذه المرحلة.
4- مرحلة رؤية النور الذهبي: وقد شاهده 16 في المائة من الناجين حيث تمثل ذلك النور في نقطة بعيدة شعروا بأنهم يقتربون منها شيئا فشيئاً لتكتسب حرارة ولوناً غريباً وتشع سلاماً ومحبة!
5- مرحلة الذوبان داخل النور: وقد اجتازها 10 في المائة من الناجين, وأكدوا جميعهم أن ذلك النور احتواهم بمحبة وحنان كبيرين.
وقد لاحظ "كينيث رينج" أن الذين نجوا من الموت بعد محاولات انتحار قاموا بها لم يمروا بأغلب تلك المراحل واقتصرت مشاهداتهم على ضباب كثيف وسماع بعض الأصوات, كما لاحظ أنه كلما كانت تجربة الموت عميقة عزف أصحابها عن الحديث عنها لدرجة أن بعضهم يصاب بنوبة من البكاء عند تذكرها!
وقد أسس "رينج" بعد هذه الدراسة مؤسسة أطلق عليها اسم (إياندس) لدراسة تجارب الاقتراب من الموت انضم لها عديد من العلماء من مختلف دول العالم, لتنتج عديداً من البحوث والدراسات ولعل من أبرز ما أثبتته تلك الدراسات أن أغلبية من عادوا من تجربة الموت تغيرت أنماط حياتهم بشكل كلي وقد تضمنت التغيّرات الشخصية تعلم المحبة, والميل للاسترخاء والتصالح مع الذات, وعدم الاهتمام بالملكية وجمع المال, والميل الكبير إلى التعاطف مع الآخرين والرغبة الشديدة في مساعدتهم, وترك الإدمان على الكحول, وانعدام الخوف.