العبّار: 2009 عام "شد الأحزمة" ماليا

العبّار: 2009 عام "شد الأحزمة" ماليا
العبّار: 2009 عام "شد الأحزمة" ماليا
العبّار: 2009 عام "شد الأحزمة" ماليا

وصف محمد العبار رئيس المجلس الاستشاري، الذي شكلته حكومة دبي لمواجهة تداعيات الأزمة المالية على اقتصاد الإمارة, رئيس مجلس إدارة شركة إعمار العقارية في حوار موسع مع "الاقتصادية", العام الجاري 2009 إنه "عام شد الأحزمة" للحد من سلبيات الأزمة المالية التي ورطت العالم كله وتسببت الولايات المتحدة في وقوعها ـ على حد قوله.
وقال العبار بالتعبير الدارج إنه "شايل عام 2009 من رأسه" كدلالة على صعوبة العام الجاري على الشركات، غير أنه توقع أن يبدأ الاستقرار وليس النمو مع عام 2010، مؤكدا قدرة دبي على المواجهة والتحدي والنجاح، نافيا أن تكون لغة التحدي هذه التي عرفت بها دبي قد غابت عن قياداتها تحت وطأة الأزمة المالية العالمية.
وجدد العبار تأكيده على أن دبي لم تدخل في مفاوضات مع حكومة العاصمة أبو ظبي لبيع جزء من ممتلكاتها أو الحصول على قروض منها لسداد الديون المستحقة عليها البالغة نحو 80 مليار دولار، غير أنه قال "شراكة دبي مع أبوظبي مطروحة منذ أيام النمو، ودعوناهم مراراً، لذلك فالشراكة والتعاون مع أبو ظبي ومع السعودية مهمة ولا علاقة لذلك بالأزمة، ورغبتنا في التعاون مستمرة منذ ثلاث سنوات وقبل هذه الأزمة, وتعد أبو ظبي المستثمر الأكبر في دبي منذ عشر سنوات.
وكشف العبار عن قيام شركة إعمار العقارية بتسريح 100 موظف، معتبرا أن ذلك طبيعي في ظل الظروف التي يمر بها الاقتصاد العالمي, وهو ما ينطبق أيضا على المشاريع التي تقرر شركات دبي تأجيلها أو إلغاءها حسب ظروف السوق.
غير أنه استدرك بالقول: إن أضخم مشروعين لـ "إعمار" في السعودية من خلال مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، وفي مصر من خلال مشروع "آب تاون مصر", لن يشهدا أية تأجيلات أو إلغاءات باعتبارهما في أسواق جيدة أسهمت في زيادة إنتاجنا.

فيما يلي نص الحوار:

نحن جزء من العالم
منذ اندلاع الأزمة المالية كثرت التقارير الدولية والإقليمية عن مخاوف تهدد اقتصاد دبي الأسرع نموا خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي أصاب الجميع بحالة من القلق .. ماذا فعلتم لحماية اقتصادكم؟
حقيقة فإن النمو الذي جرى في دبي طيلة الفترة الماضية هو نتاج طبيعي لجهود ودور الحكومة التي لها اليد الطولى فيه، وكذلك الأمر للبنوك والتجار والسياح، فالكل فعل الكثير من أجل نمو دبي ونهضتها، وما جرى في العالم من مشكلة وأزمة اقتصادية كبيرة أثر في العالم كله، ومن المعروف أن هذه المشكلة العالمية حدثت في أمريكا ولا أحد له ذنب فيها غير أمريكا، لكنها انتشرت في كل العالم من مصر إلى تونس إلى المغرب إلى السعودية والإمارات وفي كل مكان في العالم.
نحن جزء من العالم، ونتأثر بما يجري، وفي وضع مثل هذا الوضع هناك أمور نقوم بها وأخرى نتأثر بها وثالثة نتعامل معها، ومع ذلك عملنا ونعمل كثيرا وما زلنا قادرين على التخطيط والتنفيذ والمتابعة، فمثلاً في طيران الإمارات ما زلنا نبحث عن فتح خطوط جديدة، وما زلنا نعمل من أجل تقوية السوق عندنا والبحث عن سياح ومستثمرين جدد, وهو ما زال قائماً على قدم وساق، إضافة إلى العلاقة مع البنوك المحلية ودعمها المالي من قبل الحكومة, وكذلك الميزانية الشجاعة والبنية التحتية المستمرة والاستثمار المستمر والتجهيزات للأيام المقبلة.

هل معنى ذلك أن العجلة مستمرة في الدوران؟
نحن نجهز للسنوات المقبلة وهذه سنة التجهيزات وليس لدينا ضرائب ترهق المواطن، ومن ثم المتابعات المستمرة في شتى المجالات واتخاذ القرارات المناسبة لما يخدم تحريك الاقتصاد في شتى المجالات، وبصراحة تقوم الحكومة بأشياء كثيرة، لكن لا ننسى أن هذه سنة صعبة يعاني منها كل العالم.
#3#
لكن هل من يقول إن الإمارات عموماً ودبي خصوصاً لم تملك الشجاعة في أي خطوة خطتها، فما من شك أنه لا ينكر علينا أحد دورنا وجهودنا خاصة فيما يتعلق بالإبداع والشجاعة، فقد علمنا الشيخ محمد بن راشد، طيلة أكثر من عشر سنوات وصبر علينا كي نتعلم الدروس جيداً، وعلمنا ماذا تعني الشجاعة والإقدام والإبداع، وعندما حدثت الأزمة العالمية تم تشكيل فريق عمل خاص يتابع هذه الأزمة، وبصراحة إن مجرد الإعلان عن فريق يتابع ما جرى ويجري، يعد شجاعة وقدرة على المواجهة، لذلك تم تشكيل هذا الفريق من أجل الإعلان عن المشكلة وكيف نتعامل معها.

لغة التحدي لم تتبدل
هل وصلت اللجنة إلى حلول؟
عملنا في اللجنة مستمر، وفيه كثير من التجليات الإبداعية وكذلك الكثير مما هو ملموس، فالميزانية الكبيرة التي أقرتها الحكومة عام 2009 ميزانية شجاعة، وتجاوزت كل السنوات السابقة، كما أن قرارات البنك المركزي ملموسة وشجاعة، وكذلك في القطاع العقاري وغيرها من الأنشطة الاقتصادية وذلك في ظل الأزمة العالمية، لكن أنا أتساءل: لماذا كل هذا الهجوم الإعلامي علينا؟ عليكم أن تنتظرونا، فقد علمنا حاكم دبي كيف نواجه ونتصدى بشجاعة، فنحن بشر والأشياء لا تستقيم دفعة واحدة، مثلما يراهن البعض على أن أوباما سيقوم بين ليلة وضحاها بتعديل وتصحيح كل شيء، فالأمور ليست كذلك، فالعالم كله متورط في هذه الأزمة، فعندما أقول لك إن هناك في المملكة أو في الإمارات بعض البنوك لا تستطيع أن تعطي قروضاً، فهذا يعني أننا كلنا في الحال نفسه، لكن الضغط علينا في الإمارات عموماً وفي دبي خصوصاً أننا نمتلك السحر وها هم الناس ينتظرون السحر.

لكن بصراحة نحن اعتدنا على لغة التحدي والإبداع والنجاح في دبي .. فأين هي هذه اللغة اليوم؟
كلامي معك اليوم بالقوة والشجاعة نفسيهما التي نتحدث بها قبل سنتين، فكلامنا واضح ولدينا القدرة على المواجهة والتحدي والنجاح كما هو حالنا دائماً، والمواجهة بقوة وثقة حاضرة عندنا باستمرار ومن لديه بعض الخوف نحن قادرون على إزالته وتخليصه منه .. أتعرف لماذا: لأن معدن الرجال والقوة والثقة تزداد في أيام المحن والشدائد أكثر منها في أيام الرخاء والنمو، فنحن وأنتم في مختلف وسائل الإعلام أنتم كنتم تحصلون على الإعلانات حتى بدون تسويق في أيام الرخاء والنمو، ونحن كذلك كنا نبيع من دون تسويق لأننا حاضرون بقوة، ولأن حالة الرخاء هي السائدة، لكن في الشدائد تظهر معالم الإبداع والتحدي. هناك أشياء يمكن إنجازها اليوم وأشياء تحتاج إلى بعض الوقت وأخرى تحتاج إلى بعض الصبر كي تنضج وتؤتي ثمارها، وسأروي لك مثالاً عندما أعلنت قبل أيام عن نزول النمو في مطار دبي إلى 5 في المائة تلقيت مكالمات عديدة بهذا الخصوص من كثيرين يقولون كيف؟ ولماذا؟ لقد كان النمو سابقاً أفضل، وأوضحت للمتصلين تفاصيل عديدة وشرحت لهم الحقيقة، وفي المحصلة لدينا نمو لدينا تأثر بما يجري في العالم وهنا يكمن التحدي والإبداع. نحن ندرس كل الأرقام ونقرأها بكل تفاصيلها وأبعادها ونعمل على تحليلها بما في ذلك جنسيات القادمين إلينا.

الاقتراض لأعمال تجارية بحتة

هناك تقارير تقول إنه يجب على حكومة دبي أن تسدد هذا العام نحو 19 مليار دولار، ماذا عملتم لذلك؟
أولاً أنا لست حكومة دبي، لكنني أستطيع الجزم أن حكومة دبي ليس عليها قروض، عندها قرض عبارة عن وديعة، وعندها قرض لدائرة المياه والكهرباء بقيمة أربعة مليارات دولار وهي مؤسسة مربحة كما نعلم، والباقي هو قروض مؤسسات مملوكة للحكومة، وهذه المؤسسات تجارية بحتة، فمثلما تقترض شركة تويوتا من أجل سياراتها، وكذلك فولكس واجن، التي لم تستطع بيع سياراتها واقترضت من الحكومة، لكن "تويوتا" أبلغت الحكومة أنها لأول مرة منذ 70 سنة تواجه مشكلة حقيقية في بيع سياراتها قامت بإبلاغ الحكومة بهذا الأمر، وبالتالي أريد أن أبلغكم عن خسارتي بسبب عدم المقدرة على البيع هذه السنة وطلبت من البنوك المساعدة في هذا الشأن.
ولكن عموماً لا أدري عن الأقساط المستحقة من الديون وحقيقة ما ذكرته التقارير، لكن لا ننسى أن هناك عملا تجاريا ضخما تقوم به شركات دبي التي تمتلك أصولا ضخمة، واقترضت بموجبها من أجل عمل تجاري بحت ولمشاريع استثمارية عديدة، وهذه الشركات حالها حال الشركات الأخرى، وهذه الشركات مثل طيران الإمارات ونخيل ودبي القابضة وغيرها لديها جدولة ديون لنحو 80 مليار دولار ضمن جدولة معينة في غضون ثلاث إلى ست سنوات.
من المعروف أن هناك حكومات تعيد جدولة الديون حتى الحكومة الأمريكية أعادت الجدولة ودفعت دولاراً واحداً، أما نحن ولأننا دول خليجية لا يحق لنا إعادة الجدولة فمن حق الحكومات القيام بإعادة الجدولة للديون والقروض ونحن نعطي ضمانات في حين الحكومة الأمريكية لا تعطي ضمانات. وهذه بالنسبة لنا مؤسسات تجارية لديها أعمال.

لكن هناك مشاريع توقفت وألغيت ومشاريع أجلت وتعطلت؟
بإمكانك الذهاب إلى أي تاجر, سيقول لك: في وضع اقتصادي مثل هذا، أنا أحمي شركتي بأي أسلوب. على المستوى العالمي هناك شركات تؤجل مشاريع وتلغي وتقلص وأخرى مستمرة وثالثة تؤجل فترة من الزمن، ومن لا يقوم بمثل هذه الإجراءات في هكذا ظروف يفقد احترامه ومصداقيته، لأن هناك من سيسأله: انتظر ما الذي تفعله في هذه الظروف، لماذا لا تفكر وتحلل وتراقب؟ وبالتالي يجب أن نحترم عقل المتابع والقارئ، ففي وقت النمو أزداد نمواً وفي وقت الشدة أراقب وأشد الأحزمة، ولكن الهدف العام هو ضرورة الاستمرار.

أبوظبي أكبر مستثمر في دبي

هل ما زلت على قولك من أن دبي لم تقترض من أبو ظبي، رغم أن التقارير الدولية لا تزال تردد غير ذلك؟
سئلت عن ذلك كثيراً، وقيل إننا بعنا بعض ممتلكاتنا أو جزءا من شركاتنا إلى أبو ظبي، ولكن لم نبع لأبو ظبي ولا لأي جهة أخرى، ومع ذلك لا بد من التأكيد على أن شراكتنا مع أبو ظبي مطروحة منذ أيام النمو، وقد دعوناهم مراراً لذلك، فالشراكة والتعاون مع أبو ظبي ومع السعودية مهمة، حيث يعم الخير على الجميع. لكن هذا الكلام لم يحدث. والتعاون بيننا وبين أبو ظبي لا علاقة له بالأزمة ورغبتنا في التعاون مستمرة في الألمنيوم وغيره وهذا قائم منذ ثلاث سنوات وقبل هذه الأزمة.

هل تتوقع أن تضطر دبي للبيع؟
لا، لا أعتقد ذلك.

والشائعات؟

سأقول لك نقطة مهمة، استثمارات أبو ظبي في دبي ضخمة، فأبوظبي هي المستثمر الأكبر في دبي على مدار عشر سنوات، ونحن شركاء.
#2#
تسريح الموظفين .. طبيعي
هناك قلق في دبي لما جرى ويجري من عمليات تسريح للموظفين والعمالة .. ما تعليقك؟
القلق حاضر على المستوى العالمي، موجود قبل هذه الأزمة منذ انهيارات الأسهم في كل مكان سواء في نيودلهي أو نيويورك أو جدة والرياض ودبي وغيرها، فالقلق موجود منذ فترة، وطبعاً هناك مؤسسات موجودة في كل مكان عملت على تخفيض رواتب واستغناءات عن موظفين وعاملين لديها وهذه أمور تجارية بحتة تحدث هنا وهناك، ما الضير في ذلك؟

أنتم في "إعمار" هل قلصتم عدد الموظفين؟
نعم قلصنا العدد واستغنينا عن 100 موظف فقط، ولا نية لتقليص عدد آخر، وكذلك هو الحال مع بقية شركات حكومة دبي، لكن دعني أقول لك شيئاً مهماً نحن نعاني من مشكلة العاملين منذ عشر سنوات، حيث عانينا الذعر، ففي كل يوم يأتينا من يقول لنا أريد أن انتقل من عندكم إلى مكان آخر فقد دفعوا لي أكثر، وهذه مشكلة كبيرة مثلها مثل مشكلة الغلاء وارتفاع الأسعار التي تحدثت عنها، حيث نحن نعاني مشكلة الغلاء في البشر، ووصلت الأمور حد المهزلة.

لدينا مكاتب في السعودية والغلاء في البشر موجود هناك أيضا كما هو موجود في دبي والهند المشكلة كبيرة، فقد صرنا رهينة الموظف والعامل، لأنه سرعان ما يقول لك أريد أن أترك العمل معكم، لأن لديه عرضا بضعف القيمة من شركة أخرى أو مكان آخر، فأصبحنا رهائن هؤلاء، وبالتالي المطلوب إعادة التوازن والعقلانية في كل شيء، وأتمنى أن نتعلم ولا ننسى.

لا تأجيل لمشروع المدينة الاقتصادية

مشروع مدينة الملك عبد الله في المملكة، هل يشهد تأجيلا وكذلك مشروع "أب تاون مصر"؟
لا، لا يوجد تأجيل لا في المملكة ولا في مصر، خصوصاً أن مصر سوقها جيدة، ولا تنس نقطة مهمة أسهمت في زيادة إنتاجنا وإنجازنا وأعمالنا، حيث شهدت الفترة السابقة توجه كثيرون إلى الاستثمار العقاري ومع بداية الأزمة توقف كثيرون أيضاً، وهذا أعطانا فرصة أكبر في استمرار إنجازنا أعمالنا.

هل تواجهون صعوبات مالية في إعمار؟
لا ليست لدينا صعوبات مالية.

لكنكم طلبتم من حكومة دبي أربعة مليارات؟

لا علم لديّ بذلك إلا إذا طلبوا من دون علمي، وهذا غير وارد طبعاً "بعد اتصالات أجراها العبار"، قال لنا: لا علم لي بهذه الخطوة التي تؤكد أن مديرا ماليا فكر بالتواصل مع بنك من أجل قرض بملياري دولار كي يتم التعامل بها في سوق لندن في أيلول (سبتمبر) المقبل من أجل الاستعدادات للنمو وهو اعتمد على ذلك بأن كل شيء تفكر فيه يجب عليك أن تعلنه، والمهم الإشارة إلى أن السوق وحركتها لا تسمح لك التفكير في الاقتراض.

الجواب ليس لدينا مشكلات مالية والسبب ما فعلته خلال اجتماعات الجمعية العمومية، على الرغم من الانتقادات التي كنت أتعرض لها خلال تلك الاجتماعات، وهذا ليس ذكاء مني، بل هو الله تعالى الذي أكرمني وألهمني كي أقوم بكل ما قمت به لمصلحة الشركة، وبصراحة أمور طيبة وجيدة.

هل تعود "إعمار" من جديد لشراء أسهمها بعد أن هبط السهم تحت درهمين؟ وماذا عن أرباح عام 2008؟
قرار إعادة شراء الأسهم بأيدي للشركات ووجود السيولة المالية اليوم أهم من شراء الأسهم بعدما اختلفت ظروف السوق، أما عن نتائج 2008 لا أستطيع البوح بأي أرقام أو نسب، حيث سنعلن ذلك رسميا.

الغلاء ليس من جشع التجار

لكن رغم توقعات الكثيرين بأن تكلفة الحياة ستنخفض في دبي، إلا أن الجميع لا يزال يحس بالغلاء في دبي في كل نواحي الحياة، هل من تعليق؟
نعم هناك غلاء، فعندما أقول لك إن الناس في الهند يشكون من ارتفاع في سعر الأرز، أو ارتفاع أسعار الخبز في مصر، فهذا صحيح، خصوصاً أنه أصبح سلعة عالمية، وهو غال في كل الأماكن ومن ضمنها دبي، وأعرف أن الكل يشتكي الغلاء، حتى أهلي أو أبي أو أي شخص هنا يشكو الغلاء، هذا الكلام صحيح، لكن من ناحية القيمة الموجودة في مدينة دبي، فالنمو الكبير في هذه المدينة بسبب الطلب الكبير ارتفعت الأسعار في كل المجالات، لكن هدفنا يركز على أن يكون سعرنا معقولا، لكن الوضع الاقتصادي في العالم وفي دبي يعطي فرصة لتكوين قيمة جديدة في السوق لكل ما يقدم من خدمات في مدينة دبي.
وارتفاع الأسعار في دبي لا يمكن ربطه بما يقال إن له علاقة بجشع التجار وما شابه، فليس الأمر كذلك، فإذا لم يكن هناك طلب على السلعة يقوم التاجر بخفض السعر، وبالتالي لا يوجد طمع أو جشع لدى التاجر، بل يوجد مراقبة ومتابعة لحركة السوق والعرض والطلب، لأنه حتى بائع الشاي إذا لم يجد من يقبل على محله بسبب السعر سيعمل فوراً على تنزيل السعر ليكون هناك طلب وإقبال عليه.
أو هناك حل آخر يرتبط بالعمل على توسيع المدينة وبدلاً من محل شاي واحد سيفتح 40 محلاً، فأنا أؤمن بقوة السوق، فأنا متأكد أن فنادق في دبي الآن تمنحك خصومات جيدة، لكن أذكر قبل سنوات قليلة كنت تحتاج إلى واسطة كي تحصل على غرفة في فندق بأي ثمن وبلا خصومات، لذلك أعتقد أن للسوق ميزات وتأثيرات.

لكن إيجارات السكن لا تزال مرتفعة؟
بالنسبة لارتفاع الإيجارات فإن الحكومة تقوم بما تقدر عليه في هذا الصدد، أما فيما يتعلق بالعقارات وعمليات التصحيح التي تكلمت عنها سابقاً، وهل هو انهيار أم تصحيح؟ بصراحة أقول لك هناك آراء وكتابات متعددة ومتنوعة في هذا المجال، لكن لا تنس أن هناك درجات في أنواع السكن وأسعارها، وهذه قابلة للزيادة أو النقصان، مثلاً يمكن أن نصدق ذلك، لكن أن يتم الحديث عن نزول وانخفاض في جميع أنواع وأنماط السكن فهذا غير موجود، وأؤكد لك أن كثيرا من أنواع السكن لن تتأثر وما زالت كما هي، لأنها مطلوبة فهذا هو قانون السوق، ولا صحة لما يقال إن بعض الوحدات السكنية انخفضت إلى ما نسبته 50 في المائة، وإن وجدت، فهذه حالات خاصة ونادرة وقد ترتبط بحالة معينة مثل فرد له علاقة بالبنوك والقروض المتعثرة، ولكن رداً على سؤالك أتوقع تراجعاً في أسعار الشقق بنحو 20 في المائة، وقد أكون مخطئاً.

لكن التقارير تتحدث عن غير ذلك ونسب كبيرة؟

لا أقول لك إن تلك التقارير خاطئة، لكن الأمر يراوح بين 10 في المائة وأكثر من ذلك وبين منطقة وأخرى، لكني أعطيها كمعدل عام، بحيث لا يتجاوز 20 في المائة، وفي المحصلة السوق هي الحكم أصلاً.

2009 سنة ربط الأحزمة

هل تعتقد أن الأزمة المالية يمكن أن تطول أكثر من سنتين إلى ثلاث سنوات؟
بصراحة هذه الأزمة تختلف إلى حد ما من بلد إلى بلد، لكن العالم كله في الورطة نفسها، أمريكا طبعاً في ورطة كبيرة وكذلك هو الحل في بريطانيا وأوروبا عموماً، ولكن في المقابل نحن في وضع أفضل، خصوصاً أن اقتصادنا ما زال ينمو، فإذا كان معدل نمونا في السنوات السابقة مثلاً 14 في المائة يمكن أن يتراجع إلى 6 في المائة، لكنه ما زال ينمو على العموم، وميزانيات البنوك جيدة مقارنة ببنوك أغلقت في الدول الغربية، وكذلك الحال بالنسبة لميزانيات حكوماتنا التي لا تعاني قروضا، كذلك دخول العاملين بخير وجيدة بينما في أمريكا الوضع مختلف، فالميزانيات في مشكلة والقروض والبنوك في مشكلة، وكل هذه المشكلات تخلق ظرفاً ووضعاً مختلفاً عما هو واقع الحال عندنا.
أعتقد أن كل رجال الأعمال سيغيرون من سياساتهم في النظر إلى النمو المستقبلي، فالبنوك ستكون حريصة على سياستها على ضوء ما جرى في العالم، ونحن بدورنا يجب أن نتعلم الدرس جيداً، لكن لا ننسى أن سنين من الخير مرت علينا، واليوم مطلوب شد الأحزمة، لكن بعد ذلك يجب علينا أن نقوم بعملية التغيير، لكنني لا أستطيع أن أحدد كم سنة ستمر علينا في شد الأحزمة، لكن يمكن أن أؤكد لك أن عام 2009 هو عام ربط الحزام "(بصراحة أنا شايل عام 2009 من حساباتي" وهو سنة الرجال والشدائد، وأتمنى أن يكون عام 2010 هو عام بداية الاستقرار، أتمنى ذلك، وأقول بداية الاستقرار وليس النمو من جديد.

على المستوى الخليجي، ما الآليات التي تتوقعون أنها قادرة على استعادة النمو وتطلبون من الحكومات القيام بها؟
لا أعتقد أن الحكومات قادرة على استرجاع النمو، فالنمو القوي أسهم في رفع الأسعار والتضخم، فقد كنا نفكر في البناء من أجل ذوي الدخل المحدود، لكن كانت تواجهنا مشكلة كبيرة، فعندما ندخل في تسعير المواد الأساسية كالأسمنت أو الحديد لا نتمكن من تأمين إمكانية بناء بيت لذوي الدخل المحدود، فهذه المشكلة، ولا ننسى أن الناس كانت تسير في مظاهرات ومسيرات في الهند أو في مصر من أجل أسعار الخبز والأرز، وبالتالي يمكن القول إن للحكومات دور ومسؤولية اجتماعية مهمة، ويمكن من خلال تلك المسؤولية وذلك الدور أن يتحقق شيء من التوازن والمعقولية.
ففي ظل ارتفاع الأسعار في كل الأشياء أصبح من الصعوبة بمكان أن يستطيع الشاب الخليجي بناء بيت كما كان في السابق، لكنه اليوم لا يستطيع جراء حالة الغلاء في كل الأشياء القيام بأي مشروع فردي مستقبلي، لدرجة أن الناس أخذت تشتكي من الأسعار في المواد التموينية اليومية في محال "البقالة" و"السوبر ماركت". ومع ذلك لا ننسى أن الخير لدينا وفير، لكننا في النهاية نحن بشر ونتأثر بما يجري في العالم كله، وأعتقد أن الحكومات مطلوب منها أن تهدئ الأجواء قليلاً، وأن تحافظ على الوضع وليس كما يتوهم البعض أن المطلوب من الحكومات أن تعيد النمو إلى سابق مستواه بسرعة وسهولة.
فقد كان لدينا نمو مر عليه ما يزيد على 20 سنة، وبالتالي لا داعي أن نضحك على أنفسنا بهذا الخصوص، والقرآن أشار إلى "السبع سنين العجاف" وهناك "أيام الكر وأيام الفر"، فلذلك أعتقد أن الحكومات عينها على البلد وعلى الاستقرار، ولو أننا نختلف هنا وهناك معهم في هذا الرأي أو ذاك، لكنني متأكد أن الحكومات غيورة على البلد.
وفي تقديري أن المشكلة الرئيسة في الأزمة تتعلق بأهمية وضرورة وجود قرار في مجال المصارف، لأنه حلقة الوصل الرئيسة، فشح الموارد المالية هو الذي يخلق مشكلات عديدة، ولا يعني هذا تشجيع البنوك على المزيد من القروض كيفما اتفق، بل التركيز على أهمية التدبير ومحاولات إبعاد الناس عن الذعر، فالناس أصلاً مصابون بحالة من الذعر جراء نزول الأسهم، وهذا يكفي لهم ولا داع لمزيد من الذعر لهم. ونتمنى أن تتيسر الأمور مستقبلاً، فمن المهم أن يكون لدى الشركات سيولة مالية تضمن نوعاً من الاستقرار وليس بالضرورة النمو في الوقت الحالي، فما هو مطلوب في هذه السنين العجاف بعض السيولة ونوع من الطمأنينة من قبل الحكومات للناس، وقرارات تعمل على طمأنة الناس فقط.

لا فائدة من القمم العربية

هل أنت راض عن قرارات القمة العربية الاقتصادية الأخيرة في الكويت؟
بصراحة أنا لا أتابع مثل هذه القمم حتى متابعة، أنا لا أعتقد أنهم دخلوا في لب الموضوع، وأتمنى أن أكون مخطئاً، فلم يطلب أحد مشاركتنا، وأنا أعرف الاقتصاديين في السعودية ومصر وجميع الدول العربية، لكن لم يشاركوا في هذه العملية، فإذا كان صاحب العلاقة ليس طرفاً في العملية، فكيف تدخل الحكومات العربية في نقاشات وحوارات في الاقتصاد، ونحن أصحاب العلاقة لم نشارك في الرأي والكلام، وأعتقد أن نواياهم طيبة وجيدة، لكن بشكل عام كل ما كان لا يتعدى كونه محاولات شخصية، سواء كان من قبل الشيوخ أو الرؤساء أو الملوك، أو التجار، أو تدخلات في مشكلة ما تطلبت متابعات معينة، وتدخلنا هنا وهناك، لمتابعة مشكلة ما وقمنا بحلها، سواء في الكويت أو في غيرها، ولكن في الحقيقة وللأسف هذه القمم لم تقدم لنا فائدة في أي شيء، ولا يمكن أن ينتج عنها أي فائدة، ولا أتوقع منها شيئاً.

عربيا .. هل تمكنت الحكومات العربية من التعامل مع الأزمة؟
أعتقد أن العالم ككل لم يستطع أو يتمكن من التعامل مع الأزمة بشكل جيد، لكن هذا لا ينفي تحركات بعض الدول الأخرى في أوروبا والصين وغيرها، حيث تحركت حكومات تلك الدول، ولو أن تحركهم كان متخبطاً، لأننا لم نمر بمثل هذه الأزمة ولم تشهد الحكومات عموماً مثل هذه الأزمة، ما يعني أنه لا يوجد حكومة على المستوى العالمي يمكنها القول إن لديها خبرة في التعامل مع هذه الأزمة.
حتى مشكلة الكساد الكبير العالمي عام 1930 فإن تلك الأزمة كانت مختلفة تماماً عن هذه الأزمة، لكن كل هذا لا ينفي أنه كانت هناك محاولات، وفي الحقيقة على مستوى منطقتنا العربية يمكن القول إنه لم يكن هناك تحرك أو معرفة بحجم التغير الكبير الناجم عن هذه الأزمة على المستوى العالمي، وأن هذه المشكلة عالمية في كل مكان على وجه الأرض، وليس كما يظن البعض أن هذه مشكلة في بعض البنوك مثلاً في الإمارات أو في المملكة أو في دولة أخرى، دون أن يدركوا أن هذه المشكلة موجودة في كل مكان على وجه الأرض.
لذلك لم نتحرك كعرب تجاه هذه المشكلة. ودعني هنا أضرب لك مثالاً، فأنا اليوم عندي أعمال في أماكن عديدة على مستوى العالم، وبالتالي يكون عندي مجلس إدارة في كاليفورنيا وآخر في جدة وثالث في نيودلهي ورابع في دبي وخامس في الفلبين، وآخر في مكان آخر، فما واجهنا من مشكلة هنا لا تختلف عن المشكلات في الأماكن الأخرى في الهند والمملكة والفلبين وغيرها، فالمشكلات نفسها سواء فيما تعلق منها بالبنوك أو قلة المبيعات أو غير ذلك، فالمشكلة حاضرة في جميع بقاع الأرض، وهي المشكلة نفسها، لكن أستطيع القول إن لدينا في المنطقة العربية قلة فهم لعمق المشكلة.

هل لعدم وجود عزيمة للمواجهة؟
لا أعتقد أن الحكومات عندها نية سيئة أو توجه سلبي وغير جيد بهذا الخصوص، بل لديها نية صادقة، لكنها لم توفق في التعامل مع المشكلة، وأتمنى تحركا هذه الأيام، وإن كنت لا أتوقع تحسناً في الأوضاع، فالمشكلة كبيرة وعالمية، وبالتالي هي ليست ذنب المملكة أو الكويت أو الإمارات، بل هي ذنب الولايات المتحدة، والتخبط الذي حدث في الإقراض والعادات السيئة التي تعلمتها بعض المؤسسات وبعض رجال الأعمال، ولكن قد يجوز أننا تعودنا على الخير والنمو والنجاح في كل صباح منذ فترة ليست قصيرة، ومن هنا يمكن القول إن النجاح السابق الذي تحقق لدينا طيلة الفترة الماضية جعلنا نأخذ الأمور بسهولة، وتعلمنا عادات سيئة والبنوك تعلمت أسوأ العادات، ولكن نحن كمقترضين تعلمنا عادات سيئة مثلهم، وبالتالي فاللوم ليس على أحد محدد، لكن سنوات الرخاء والخير الطويلة التي مرت وهذه الأزمة قد تفرض علينا أن نشد الأحزمة، في سنتين مثلاً.

الأكثر قراءة