النفط في طريقه للتراجع خلال الأعوام الخمسة المقبلة
توقع اقتصاديون وخبراء في مجال النفط عرب أن تشهد السنوات الخمس المقبلة تراجعا في أسعار النفط بصورة كبيرة عن 70 إلى 60 دولارا وهو ما سيؤثر في سوق المال في المنطقة العربية وحركة الاستثمارات فيها، وبوجه خاص في التنمية في الدول المصدرة للنفط.
داعين في هذا السياق إلى أن تستفيد الدول العربية مما لديها من إمكانات في مجال الطاقة لتحقيق التنمية بمفهومها الشامل, بيد أنهم أوضحوا أن هذه الاستفادة تتوقف على مدى التعاون والتكامل بين هذه الدول مع بعضها. وأشاروا كذلك إلى ضرورة السعي في طريق توفير بدائل جديدة للطاقة والإسراع في الربط الكهربائي ومشاريع الغاز بين الدول العربية. جاء ذلك خلال الجلسة الرابعة من المنتدى الاقتصادي والاجتماعي الذي يسبق القمة الاقتصادية والتنموية والاجتماعية التي تنطلق اليوم في الكويت.
وأشار علي عيسوي الخبير في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" إلى أن انخفاض أسعار النفط عالميا سيؤثر بشكل بالغ في التنمية في الدول المصدرة للنفط, لافتا إلى أن السعودية أكدت أن السعر النفطي ينبغي أن يكون 75 دولارا للبرميل، وبالتالي إذا انخفض سعر البرميل عن هذا الحد فإن الحكومات في الدول المصدرة للنفط ستواجه معضلة تتمثل في عدم وجود موارد رئيسة للتمويل اللازم للبنية الأساسية.
وأفاد عيسوي أن تقديرات صندوق النقد الدولي لفتت إلى تفاقم الأزمة مع بداية تشرين الأول (أكتوبر) 2008، مبينا أن آثارها ظهرت واضحة في المنطقة العربية حيث واكبت أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة.
وأوضح أن ارتفاع أسعار النفط في الصيف الماضي عجل بزيادة الطفرات المالية والوفرة لدى حكومات الدول المصدرة للنفط وهو ما أثر إيجابا في عملية التنمية وقيام عدد كبير من المشاريع الاستثمارية الكبرى بمشاركة حكومية والقطاع الخاص في عمليات تكرير النفط وتوليد الطاقة والكهرباء. وأضاف أن تلك الأوضاع ما لبثت أن تغيرت بشكل ملحوظ خلال الأشهر الأربعة الماضية مع ارتفاع ثلاثة عناصر رئيسية في الصناعة وهي الحديد والصلب والأسمنت, التي أثرت في المشاريع الخاصة بشكل كبير.
وشدد الخبير في "أوبك" على ضرورة وضع سياسات حكيمة للحد من المخاطر الاستثمارية في العالم العربي ومشاركة القطاع الخاص بشكل أكبر في مشاريع التنمية، والاعتماد على الأنظمة الاستثمارية المباشرة من خلال بعض الصناديق السيادية وتخفيض تكلفة التمويل الحكومي، والتركيز على الاستثمار في مجال الطاقة وتخفيض حجم المخاطر التي يتعرض لها الاستثمار في الدول العربية.
الأزمة المالية والنفط
من جانبه، قال عدنان شهاب الدين الأمين العام السابق لمنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" إنه كان معروفا على نطاق واسع قبل الأزمة المالية العالمية أن الطلب على الطاقة سيواصل نموه بمعدل 1.5 في المائة سنويا وكانت التوقعات تشير إلى ازدياد الطلب على الطاقة بنسبة 50 في المائة من الوضع الحالي في عام 2030. وتابع: إن التوقعات كانت تدل أيضا على أن الطاقة الأحفورية ستبقى هي الأساس وبنسبة 80 في المائة من الطلب الكلي، كما سيظل النفط هو المصدر الأساسي للطاقة.
وأوضح أنه وطبقا للدراسات نفسها فإن معظم النمو في الطلب سيكون في الدول النامية, خصوصا الآسيوية وبشكل خاص في قطاع المواصلات، معتبرا أن هذا أمر بديهي لأن استمرار النمو في هذه الدول يعني استمرار الطلب على النفط. وأشار إلى أنه وفي ضوء الأزمة المالية العالمية بدأ يتنامى شعور عام بتباطؤ الاستثمارات العالمية وهو ما يقود إلى الضغط على أسعار النفط باتجاه الهبوط.
وبين شهاب الدين، أن المنظمات الدولية وخصوصا وكالة الطاقة الدولية كانت تشير إلى ارتفاع مستمر لأسعار النفط في توقعاتها بهدف تشجيع الاستثمارات في المجال النفطي، وأيضا تشجيع البحث في البدائل الأخرى بعكس "أوبك", التي كانت تقديراتها متحفظة دائما. لافتا إلى أن عام 2008 هو أول عام يتراجع فيه الطلب على النفط حيث تراجع بمقدار 200 ألف برميل يوميا، متوقعا أن يستمر الانخفاض طوال عام 2009 وقد يصل الانخفاض إلى 400 ألف يوميا.
وتوقع شهاب الدين أن تتم مراجعة تقديرات نمو الطلب مستقبلا مع اتضاح ملامح الأزمة العالمية، فكلما ازداد عمق الأزمة زادت التقديرات انخفاضا. وأوضح أن هناك توازنا ديناميكيا بين العرض والطلب، لكن هذا التوازن يخفي وراءه أن الطلب لا ينمو بشكل مستمر في الوقت الحالي وإنما قد ينخفض في بعض الأحيان، مؤكدا ضرورة قيام "أوبك" بالتدخل فورا لإحداث توازن جديد وامتصاص الفائض في السوق الذي تولد في عام 2008. وقال إن المخزون النفطي في الدول المستهلكة وصل إلى معدل 57 يوما وهو معدل كبير للغاية وقد كان في السابق 54 يوما فقط، مشيرا إلى أن أحد المشاهد المستقبلية هو تعافي الاقتصاد العالمي نسبيا في الربع الأخير من 2009 وهذا من شأنه أن يعزز النمو على طلب النفط.
وأضاف الأمين العام السابق لـ "أوبك" أن المشهد المتشائم هو حدوث كساد عالمي وهذا يعني تفاقم أوضاع النفط وازدياد تدهورها، مضيفا أنه على المدى القصير إذا التزمت دول "أوبك" بالتخفيضات التي أقرتها وخصوصا التخفيضات الأخيرة يمكن أن تستمر الأسعار في حدود 50 دولارا للبرميل في الربع الثالث من العام الجاري. وألمح إلى أنه في المدى المتوسط قد تتجه أسعار النفط إلى مستوى 74 دولارا للبرميل، بينما في المدى البعيد قد يحدث تفاوت كبير في الأسعار، داعيا إلى تغيير المعادلة السعرية لكن في وقت آخر مناسب غير الوقت الحالي.
توليد الكهرباء والربط
بدوره قال الدكتور هاني النقراشي مدير المركز المصري لأبحاث الطاقة الشمسية، إن الدراسات تشير إلى أن تكلفة توليد الكهرباء في البلدان العربية تتناقص في أسعارها إذا كانت من الطاقات المتجددة، بينما أسعار النفط والغاز في ارتفاع مستمر.
وبين أن الاستثمارات الضرورية لمنطقة البحر المتوسط وإفريقيا وأوروبا حتى عام 2020 هي 75 مليار دولار، وإذا تم إنفاق هذا المبلغ فعلا على الاستثمارات فستكون هناك وفرة بمقدار 250 مليار دولار حتى عام 2050، مؤكدا أن الصحراء يمكن أن تتحول إلى مصدر متجدد للطاقة في المستقبل.
أما الدكتور هشام الخطيب وزير الطاقة والثروة المعدنية سابقا في الأردن فتحدث عن الربط الكهربائي العربي وآثاره الاقتصادية، مشيرا إلى أن هذا الربط موجود بين معظم الدول العربية، لكنه متواضع بالنسبة لحجم الاستطاعة الكهربائية العربية المتاحة، لافتا إلى أن الاستطاعة المركبة في الوطن العربي حتى نهاية 2008 تقدر بنحو 160 ألف ميغا واط.
وقال إن استطاعة التبادل الحالية بين الدول العربية المرتبطة حاليا تقدر بنحو 1430 ميغاواط أي 1 في المائة فقط من الاستطاعة المركبة في الوطن العربي، مشيرا إلى أنه وفي نهاية عام 2010 عندما يتم الربط الخليجي الموحد فإن استطاعة التبادل بين دول الخليج سترتفع إلى 5000 ميغاواط, أي ما يقدر بنحو 5 في المائة من الاستطاعة الخليجية المتاحة. كما لفت إلى أن الربط العربي العامل حاليا هو بين ثماني دول هي ليبيا, مصر, الأردن, سورية, لبنان, العراق, فلسطين، ثم الربط مع تركيا عام 2010، بينما سيتم الربط مستقبلا بين مصر والسعودية من جهة وبين ليبيا وتونس من جهة ثانية وبين السعودية واليمن ومصر والسودان من جهة ثالثة.
وأكد وزير الطاقة والثروة المعدنية سابقا في الأردن، أن الربط العربي مفيد للدول وخاصة الدول الصغيرة فهي المستفيدة الأكبر، مبينا أن مساهمة هذا الربط ما زالت متواضعة مقارنة بالدول الأوروبية التي تتبادل الكهرباء على مدار الساعة, مرجعا أسباب محدودية الربط الكهربائي في العالم العربي إلى المسافات البعيدة جدا بين المراكز السكانية مما يرفع التكلفة، وكذلك محدودية الاستطاعة العربية باستثناء مصر والخليج، إضافة إلى أن الفلولتات المستعملة هي 220 و 400 و500 وهي فولتات منخفظة بالنسبة للاستطاعة والطاقة التي يجب تبادلها علاوة على التكاليف الاستثمارية العالية.
وشدد الخطيب على ضرورة استكمال الربط العربي وتقويته في المستقبل لأنه ضرورة اقتصادية وفنية عربية ملحة، داعيا إلى ضرورة استكمال دراسات الجدوى لمشاريع الربط الكهربائي والبدء بسوق عربية للكهرباء ومتابعة إمكانية إدخال فولتات عالية جدا للشبكات العربية. كما أوضح أهمية ربط الدول العربية أيضا بشبكات الغاز بمستوى الربط الكهربائي نفسة حيث إن خط الغاز العربي في شرق البحر المتوسط بين مصر والأردن وسورية ولبنان والعراق يعمل لمصلحة الدول العربية المشاركة، وكذلك خط الغاز بين قطر والإمارات, مؤكدا في هذا الصدد أنه من الضروري التوسع في هذا المجال، إذ إنه سيحقق فوائد اقتصادية مماثلة للربط الكهربائي وبتكلفة أقل ويعزز العلاقات الاقتصادية والتكامل العربي.