أخبار اقتصادية- عالمية

بعد 116 عاما على تأسيسها .. هل تفاقم عاصفة قطاع الطيران أزمة «رولز رويس»؟

بعد 116 عاما على تأسيسها .. هل تفاقم عاصفة قطاع الطيران أزمة «رولز رويس»؟

تخفيض التصنيف الائتماني للشركة أدى إلى انخفاض قيمة سهمها بنحو 15 في المائة.

لم يرتبط اسم سيارة بالفخامة مثلما ارتبطت سيارة رولز رويس البريطانية، فالسيارة التي أكملت عامها الـ116 قبل أسابيع، كانت دائما رمزا للثراء الارستقراطي، لكن شركة رولز رويس لم تقف عند حدود كونها شركة لإنتاج السيارات الفاخرة، أو واحدة من العلامات التجارية التي تفتخر بها المملكة المتحدة، إنما عززت موقعها في الهيكل الاقتصادي البريطاني عبر مساهمة مميزة في مجال التوظيف والعوائد والتنوع الإنتاجي.
تجاوزت الشركة المنتجة دورها التقليدي كشركة لإنتاج السيارات الفاخرة، إلى القيام بدور رائد ومميز في مجال الأبحاث والتطوير وعديد من المجالات الأخرى من أبرزها الطيران والفضاء والصناعات الدفاعية والنووية.
وكعديد من المشاريع المميزة كانت بداية الشركة محض لقاء بين شخصيين جمع بينهما الشغف بعالم السيارات، الأول هو تشارلز ستيوارت رولز الابن الثالث لأحد اللوردات البريطانيين والمولود في أواخر القرن الـ19 خريج الهندسة الميكانيكية في جامعة كامبريدج، وأول طالب بريطاني جامعي يمتلك سيارة، ونظرا لشغفه بعالم المحركات اشتهر باسم "رولز القذر" نتيجة الأوساخ التي تغطي وجهه ويديه وملابسه نتيجة العبث بمحركات السيارات.
والشريك الثاني هو فريدريك هنري رويس، الذي كان على النقيض من "رولز القذر" إذ كان ابن أسرة إنجليزية متواضعة بدأ العمل في التاسعة من عمره وعمل في مجال بيع الصحف وغيرها من الأعمال المؤقتة، لكن مع مرور الوقت اكتشف هنري رويس في نفسه مهارات فطرية في دراسة الجبر والهندسة الكهربائية، وحصل على وظيفة في شركة للكهرباء، وبينما كان طموحه أن يحصل على وظيفة بدوام كامل، بدأ في تصنيع بعض المكونات الكهربائية البسيطة مثل أجراس الباب والدينامو، وحصل على براءة اختراع لنوع من لمبات الإضاءة لا يزال موجودا في الأسواق حتى الآن.
لم يكن هناك من رابط بين الرجلين، حتى قدر لهما أن يلتقيا مصادفة عن طريق صديق مشترك، لمناقشة قضية تتعلق بتطوير سيارة فرنسية، اللقاء الذي تم في أيار (مايو) 1904 كان بداية لشركة "رولز ورويس" وبفضل حملة دعائية مميزة والسعي الدائم من قبل الشريكين إلى الكمال في مجال إنتاج السيارات، خرجت سيارة رولز رويس إلى العالم باعتبارها "ليست واحدة من أفضل السيارات بل أفضل سيارة في العالم" وذلك كما جاء في أول إعلان للشركة.
ويقول لـ"الاقتصادية" أرثر راسل الصحافي من مجلة عالم السيارات: "شركة رولز رويس وعبر 116 عاما من إنتاج السيارات، كان من الطبيعي أن تمر بمراحل ازدهار وأخرى تقف فيها على حافة الانهيار، لكن حتى في أسوأ اللحظات كانت علامة مميزة لصناعة السيارات البريطانية الفاخرة".
وأضاف: "في خمسينيات القرن الماضي يمكن اعتبارها لحظة فارقة في تاريخ رولز رويس إذ مثلت بداية علاقة طويلة الأمد بين السيارة والعائلة الملكية البريطانية، وتسلمت الملكة أول سيارة من طراز فانتوم 4 عام 1950، وهي مصممة حصريا للملوك ورؤساء الدول، وهي واحدة من أندر سيارات رولز رويس حيث يوجد منها 18 سيارة فقط، وقد أضفى ذلك طابعا مميزا على السيارة، وجعلها رمزا حقيقيا للكمال والفخر والفخامة، على الرغم من أن الشركة سعت في الستينيات إلى استقطاب فئات جديدة من العملاء مثل نجوم السينما وكبار الفنانين.
وأشار إلى أن السبعينيات كانت فترة عصيبة للغاية لها، إذا واجهت عثرات مالية عنيفة، وأصبحت مشلولة بشكل يائس، وقسمت إلى شركتين، وبحلول 1980 اشترت شركة الدفاع البريطانية فيكرز شركة رولز رويس المحدودة للسيارات، وإلى جانب سيارة رولز رويس بدأ إنتاج سيارة فاخرة أخرى وهي بانتلي، وفي 1985 طرحت أسهم الشركة في بورصة لندن".
وأكد أن تلك اللمحة التاريخية تكشف مدى العراقة التي تمتعت بها شركة رولز رويس، ومع مطلع تسعينيات القرن الماضي ومزيد من العولمة والتداخل الاقتصادي الدولي، دخلت الشركة مرحلة جديدة عندما اشترت مجموعة بي إم دبليو حقوق إنتاج سيارات رولز رويس.
بدورها، لا تنكر الدكتورة أماندا سميث أستاذة الاقتصاد الأوروبي في جامعة لندن، الأهمية التاريخية لسيارة رولز رويس، وذلك ضمن الرغبة الدائمة لصناعة السيارات البريطانية أن يرتبط اسمها بالطرز الفاخرة من السيارات، أكثر من ارتباطها بالسيارات الشعبية، لكنها تشير إلى أن المساهمة المميزة للشركة في الاقتصاد البريطاني هي ما تجعلها تحتل مكانة خاصة.
وأضافت: "شركة رولز رويس مساهم رئيس في الاقتصاد الوطني من خلال التوظيف والاستثمار في البحث والتطوير، وعبر سلسلة التوريد، وقدرت قيمتها السوقية منتصف العام الماضي بنحو 17 مليار جنيه استرليني، وتحتل المرتبة الـ31 بين الشركات المدرجة في بورصة لندن، فالشركة تقوم بتوظيف نحو 52 ألف شخص حول العالم من بينهم 18 ألف مهندس، وأكثر من 80 في المائة من إنتاجها في المملكة المتحدة موجه للتصدير، ومنتجات الشركة تمثل 2 في المائة من جميع السلع البريطانية المصدرة، وبلغت عائداتها العام الماضي 17 مليار جنيه استرليني".
وقالت: "على الرغم من أهمية تلك المعطيات فإن الشركة في الحقيقة تتجاوز كونها شركة لإنتاج السيارات، وتعد أحد أحجار الزاوية في الصناعات العسكرية والجوية والبحرية والنووية البريطانية حتى في صناعة السكك الحديدية، وفي 2018 احتلت المرتبة الـ16 كمقاول دفاعي، فالشركة تلعب دورا مهما لجعل بريطانيا دولة رائدة في سوق التقنيات النووية الذي يقدر على المستوى العالمي بين 250 و400 مليار جنيه استرليني بحلول 2035، كما أنها تتعاون مع 19 جامعة بريطانية في مجال التكنولوجيا، ما يسهم في بقاء التميز البريطاني في مجال الصناعات التكنولوجية.
وتقول أماندا: "الشركة تواجه تحديات كبيرة يمكن أن تؤثر في مسارها، لكن أيا كان حجم تلك التحديات فالمؤكد أن بريطانيا لا تمتلك ترف أن تجعل شركة بهذه القيمة والأهمية أن تنهار أيا كانت تكلفة إنقاذها".
وأوضحت أن حصر أهمية شركة رولز رويس في كونها شركة لصناعة السيارات يقلص إلى حد كبير من الطريقة التي تنظر بها الصفوة البريطانية وصانعو القرار إلى الشركة ودورها المحوري في الصناعة البريطانية إلا أن القوة الاقتصادية والمكانة التكنولوجية اللتين تتمتع بهما شركة رولز رويس لا تنفيان أنها تواجه مصاعب دفعتها إلى الإعلان عن إلغاء تسعة آلاف وظيفة من بينها ثمانية آلاف وظيفة في قسم الطيران المدني، على أمل أن يسهم ذلك في توفير 1.3 مليار جنيه استرليني، ويأتي هذا القرار نتيجة جائحة كورونا التي انعكست سلبا على صناعة الطيران، وتحديدا محركات الطائرات الكبيرة التي يمكنها السفر لمسافات طويلة والتي تعد شركة رولز رويس متخصصة في إنتاج محركاتها.
لكن السؤال لماذا يشعر الخبراء هذه المرة بأن الشركة تواجه تحديا أكبر من المعتاد، رغم أن تصفح الأرشيف الإخباري لها يكشف أن التخفيضات الوظيفية كانت دائما سمة مميزة إلى حد ما في تاريخ شركة رولز رويس، يجيب الدكتور جورج جاك أستاذ أسواق العمل في جامعة ليدز عن هذا الطرح قائلا: "هناك علامات استفهام كبيرة بشأن مستقبل صناعة الطيران حتى 2023، وحيث إن جزءا كبيرا من عملية التصنيع في الشركة يتم لمصلحة محركات الطائرات، فإن الطلب على إنتاجها سيتراجع.
وأضاف: "الاحتمال الأكبر أن يتم إنهاء خدمات عشرات الآلاف من الوظائف عالية القيمة، ما سيترك أضرارا طويلة الأمد للقاعدة التصنيعية الحيوية في بريطانيا، وقد يؤثر ذلك في مكانة القطاع الهندسي البريطاني".
وحول إمكانية أن تواجه الشركة وضعا بصعوبة ما واجهته في سبعينيات القرن الماضي عندما تم تقسيمها إلى شركتين وأممتها الحكومة لفترة من الزمن، يقول: الأصوات تتصاعد داخل بريطانيا بأن يتم دعم الشركة عبر أموال دافعي الضرائب، ما يعني تدخلا حكوميا على غرار ما حدث مع البنوك البريطانية التي تعرضت لهزة ضخمة خلال الأزمة المالية 2008، ويعني ذلك عمليا تأميم الحكومة للشركة ولو مؤقتا.
مشيرا إلى أن نحو نصف العائدات تأتي من بيع وخدمة الطائرات النفاثة، وقد تراجعت ساعات الطيران التي تعتمد على محركات رولز رويس 40 في المائة في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، و90 في المائة في نيسان (أبريل) وحده.
ويعلق وارن مات مهندس الطيران في شركة جيت إير وايز قائلا: "الاضطرابات التي سببها انتشار فيروس كورونا ستؤدي في الأغلب إلى سوق أقل حجما وأضعف لشركات الطيران، وتعافيها سيتطلب أعواما، ومن ثم سينخفض الطلب على منتجات وخدمات شركة رولز رويس، وسيؤدي ذلك إلى التضحية بـ15 في المائة من قوتها العاملة".
وتشير بعض التقديرات إلى أن شركة رولز رويس في حاجة إلى ستة مليارات جنيه استرليني لتحمل الخسائر الناجمة عن فيروس كورونا، وربما تدفعها الحاجة إلى السيولة المالية لطلب تدخل الحكومة، خاصة أنه يستبعد أن تسمح بريطانيا لقوة أجنبية بالسيطرة على أعمال الشركة ذات الطبيعة الحساسة في إنتاج المحركات النفاثة للطائرات العسكرية ومحطات الطاقة النووية للغواصات.
وخفضت شركة (S-P) للتصنيف الائتماني تصنيف الشركة من BBB إلى BB مع التحذير من ضعف الربحية لفترة طويلة، وأسفر تخفيض التصنيف الائتماني للشركة إلى انخفاض قيمة السهم بنحو 15 في المائة، وبذلك فقدت الشركة 915 مليون جنيه استرليني من قيمتها، ما جعل البعض يصفها بأنها باتت "خردة".
وتشير الأخبار إلى أن قطب صندوق التحوط النرويجي نيكولاي تانجين باع حصته البالغة 5.2 في المائة، بينما أشارت تقديرات أخرى إلى أنه منذ بداية العام تم محو ثمانية مليارات جنيه استرليني من القيمة السوقية للشركة بانخفاض قدر بنحو 60 في المائة، مع ذلك تراهن الشركة على قسم المنتجات العسكرية لديها إذا يعمل على إنتاج مقاتلة بريطانية جديدة، لا تزال في مرحلة التصميم.
ويحتمل أن تنضم إلى سلاح الجو الملكي البريطاني بحلول 2035، كما تتنافس رولز رويس على عقدين ضخمين في سوق الدفاع الأمريكي، وبعيدا عن الشق العسكري فإنها تقود مجموعة من الشركات لبناء مفاعلات نووية صغيرة الحجم، لتكون طريقة أسرع وأرخص لإنشاء مشاريع نووية جديدة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية