محللون: "الصخري الأمريكي" لن ينتعش بأسعار أقل من 40 دولارا للبرميل

محللون: "الصخري الأمريكي" لن ينتعش بأسعار أقل من 40 دولارا للبرميل
الطلب يتحسن بوتيرة بطيئة بسبب المخاوف المتزايدة من موجة جديدة من الوباء."رويترز"

سجلت أسعار النفط الخام أمس، تراجعا ملحوظا في إطار سلسلة من التقلبات السعرية، سببتها حالة عدم اليقين في الأسواق، على أثر تداعيات جائحة كورونا، وأثرها الواسع المتوقع في نمو الاقتصاد العالمي، خلال العام الجاري والأعوام التالية.
وتراجعت الأسعار تحت ضغط ارتفاع مفاجئ في مستوى المخزونات النفطية، إضافة إلى زيادة المخاوف بسبب صعوبة تعافي الطلب على النفط الخام، رغم تخفيف قيود الإغلاق في عديد من اقتصادات العالم، بينما تتلقى الأسعار دعما من التزام المنتجين في "أوبك+" بخفض الإنتاج بمستوى قياسي، إضافة إلى إجراء تخفيضات واسعة غير طوعية في إنتاج كل من الولايات المتحدة وكندا والبرازيل.
ويقول لـ"الاقتصادية"، مختصون ومحللون نفطيون إن الجائحة أدت إلى تهاو واسع في إنتاج كبار المنتجين، حيث أكدت كندا تراجع إنتاج النفط في البرتا بنحو مليون برميل يوميا، بحسب ما أعلنته "أوبك" ووزيرة الطاقة الكندية أول أمس، كما يواجه الإنتاج الأمريكي حالة من الانكماش الواسع بأكثر من مليون برميل يوميا أخرى، علاوة على تزايد إفلاس الشركات، وامتد الأمر إلى البرازيل، التي كانت تقود طفرة سابقة في الإمدادات العالمية وتضغط عليها الآن حدة الإصابات المرتفعة بفيروس كورونا، وتعطل عجلة الإنتاج.
وأشار المختصون إلى أن المنتجين في "أوبك" وخارجها على أعتاب اجتماع مهم في تسعة وعشرة يونيو المقبل لتدارس مستجدات السوق وبحث إمكانية إجراء تخفيضات أعمق لدعم الأسعار في ظل الجائحة الراهنة، التي أضعفت الطلب إلى مستويات قياسية، بينما ما زالت الشكوك محيطة بإمكانية التعافي السريع في ظل الضغوط الراهنة وأبرزها استمرار تنامي المخزونات النفطية.
ولفت المختصون إلى التفاهمات الجيدة الحالية بين السعودية وروسيا، وهو ما سيسهل تحليل وضع سوق النفط العالمية قبل اتخاذ قرار بشأن أي تغييرات محتملة في اتفاقية "أوبك+" خلال اجتماع يونيو المرتقب.
وفي هذا الإطار، يقول مفيد ماندرا نائب رئيس شركة "إل إم إف" النمسوية للطاقة، أن انتعاش الأسعار سيستمر، ولكن الأغلب سيكون محدودا بسبب ضعف الطلب وضغوط المخزونات المتخمة، مشيرا إلى أن مستوى الأسعار الحالي أقل بكثير من أن يدفع في اتجاه إنعاش الإنتاج من النفط الصخري الأمريكي مرة أخرى، معتبرا أن إمدادات خام غرب تكساس الوسيط من الصعب لها العودة إلى النمو ما دامت الأسعار أقل من 40 دولارا للبرميل، حيث من المرجح أن يبقى أدنى هذه العلامة الحاسمة لفترة من الوقت.
وأوضح أن الطلب يتحسن بوتيرة بطيئة وأقل من طموحات السوق، حيث ما زالت الشكوك والمخاوف متزايدة بشأن حدوث موجات جديدة من الوباء، وبالتالي إمكانية العودة إلى حالة الإغلاق مرة أخرى، مشيرا إلى أن صناعة الطاقة الأمريكية تعاني بشدة، وحالات إفلاس الشركات تتزايد مع احتمال حدوث مزيد في المستقبل، لافتا إلى أن تقارير "ريستاد إنرجي" تشير إلى أن حالات الإفلاس قد تصل إلى 250 شركة من شركات النفط الصخري الزيتي الأمريكي ما لم تتحسن الأسعار بشكل ملحوظ وسريع.
ومن جانبه، يوضح ديفيد لديسما المحلل في شركة "ساوث كورت" الدولية، أن السعودية تقود تخفيضات طوعية بنحو مليون برميل يوميا بدءا من يونيو المقبل، وتتكامل مع تخفيضات أخرى اضطرارية في الولايات المتحدة والبرازيل وكندا، وهو ما يبشر بإمكانية استعادة التوازن في السوق على نحو جيد في النصف الثاني من العام الجاري.
وأشار إلى أن الدول المنتجة تواجه ظروفا صعبة ومعقدة، حيث تحارب على عدة جبهات وتكثف الجهود لتحقيق الصمود الاقتصادي أمام ضربات قوية ممثلة في انخفاض أسعار النفط وضعف الطلب العالمي والفاتورة الاقتصادية الباهظة لانتشار وباء كورونا.
ويضيف، فيتوريو موسازي مدير العلاقات الدولية في شركة "سنام" الإيطالية، أن انتشار الجائحة أدى إلى تغيير جذري في واقع اقتصاديات العالم، بخاصة الدول الكبرى، مشيرا إلى امتناع الصين لأول مرة عن تحديد هدف سنوي لمعدل النمو الاقتصادي بسبب ضبابية وضع الاقتصاد العالمي، وعدم معرفة المدى الزمني للجائحة، ولا حجم الخسائر الناجمة عنها بدقة، كما أعلنت روسيا من جانبها انخفاض الناتج المحلي الإجمالي 5 في المائة هذا العام بسبب التطورات السلبية لأسعار النفط والانتشار السريع للوباء.
وأضاف أن الأمر لا يختلف بالنسبة لوضع أكبر اقتصاديات العالم وهو الاقتصاد الأمريكي، الذي تسيطر عليه توقعات مستقبلية قاتمة وتفوق بقية الدول الكبرى الأخرى، حيث يرى بعضهم أن الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني سيشهد انخفاضا حادا ويصل الانكماش إلى 40 في المائة في صناعة النفط الأمريكية، لافتا إلى استبعاد معهد البترول الأمريكي تقديم مساعدات حكومية لهذا القطاع.
بدورها، تقول ويني أكيلو المحللة الأمريكية في شركة "أفريكان إنجنيرينج" الدولية، إن متابعي السوق يلحظون وجود تنسيق وثيق بين السعودية وروسيا قبل أسبوعين من الاجتماع الوزاري في يونيو المقبل لتقييم اتفاق "أوبك+" لخفض الإنتاج لتحديد خطوات العمل المشترك في سياسات الإنتاج لـ"أوبك+" في النصف الثاني من العام الجاري.
وأشارت إلى أن توازن السوق واستمرار تعافي الأسعار يحتاجان إلى آليات وجهود مشتركة أكثر فاعلية من قبل المنتجين، خاصة مع استمرار ارتفاع المخزونات وضغوطها الهبوطية الحادة على الأسعار، مشيرة إلى أن المنتجين قد يعدلوا عن خطط سابقة لتخفيف خفض الإنتاج، بدءا من يوليو المقبل إذا استمر تراجع الأسعار وتوالى بناء المخزونات.
ومن ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار، هبطت أسعار النفط أمس، بعد أن أظهرت بيانات لقطاع الطاقة الأمريكي ارتفاعا مفاجئا كبيرا في مخزونات الخام، ما بدد آمال التعافي السلس للطلب مع بدء بعض الدول في تخفيف إجراءات العزل العام، التي فرضت لاحتواء فيروس كورونا المستجد.
وجاء ذلك الانخفاض استمرارا للتراجع من جلسة الأربعاء بسبب الضبابية، التي تكتنف التزام روسيا بتخفيضات كبيرة للإنتاج قبل اجتماع يعقد في التاسع من حزيران (يونيو) لمنظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وحلفائها، وهي المجموعة المعروفة بـ"أوبك+".
وبحلول الساعة 0709 بتوقيت جرينتش، هبطت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي أمس، 3 في المائة، أو98 سنتا مسجلة 31.83 دولار للبرميل، بينما تراجعت العقود الأمريكية الآجلة في وقت سابق 5 في المائة، مسجلة مستوى منخفضا عند 31.14 دولار للبرميل.
كما تراجعت العقود الآجلة لخام برنت 2 في المائة، أو 71 سنتا إلى 34.03 دولار للبرميل بعد أن كانت قد انخفضت إلى 33.63 دولار للبرميل.
وقال جيفري هالي كبير محللي السوق لدى أواندا "الارتفاع في المخزونات (بحسب معهد البترول الأمريكي)، لم يكن متوقعا، ويعني أن بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ستكون منتظرة بترقب هذا المساء، وذلك من شأنه أن يضغط على المعنويات في آسيا".
وأظهرت بيانات المعهد أن مخزونات الخام زادت 8.7 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في الـ22 من أيار (مايو) بينما كانت توقعات المحللين تشير إلى انخفاض قدره 1.9 مليون برميل.
وقال ستيفن إينز كبير محللي الأسواق لدى شركة أكسي كورب "مع افتراض أن سوق النفط تعود للتوازن بوتيرة أسرع من توقع أي طرف، إذ يحاول المستثمرون الآن استيعاب ما سيسفر عنه اجتماع أوبك+ المقبل".
وتابع: "كما جرت العادة في الفترة، التي تسبق أي اجتماع لـ"أوبك+"، ينصب التركيز على التزام روسيا وهو أمر مفهوم بالنظر لسوابقهم في التعثر في الأداء داخل أوبك+".
إلى ذلك تراجعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 29.03، دولار للبرميل الأربعاء، مقابل 29.75 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس، إن سعر السلة، التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء، سجل أول انخفاض عقب ارتفاع سابقا، حيث كسبت السلة نحو دولار واحد، مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي والذي سجلت فيه 28.68 دولار للبرميل.

الأكثر قراءة