سباق عالمي محموم لاقتناص صفقات الأقنعة الواقية .. والدفع نقدا يصنع الفارق

سباق عالمي محموم لاقتناص صفقات الأقنعة الواقية .. والدفع نقدا يصنع الفارق
يعتبر البعض أن المزايدة على شحنة أقنعة واقية أمر بغيض لكنه لا يوازي أعمالا عدوانية. "الفرنسية"

بين أمريكيين يخطفون شحنة من الأقنعة الواقية موجهة إلى فرنسا، بالمزايدة على سعرها على مدرج مطار صيني، وفرنسيين أو تشيكيين يستولون على رزم من هذه المعدات الثمينة، يجري سباق لا يرحم للحصول على أقنعة، في ظل اشتداد الكفاح ضد فيروس كورونا في العالم.
وبحسب "الفرنسية"، باغت تفشي وباء كورونا دول العالم العاجزة عن إنتاج الأقنعة بنفسها بكميات كافية، ما دفعها إلى البحث عن مليارات الأقنعة، متوجهة بصورة رئيسة إلى آسيا، وسط منافسة شديدة سقطت معها قواعد النزاهة التي يفترض أن تحكم المبادلات الاقتصادية العالمية.
وأفاد رؤساء مناطق فرنسية بأن عملاء أمريكيين غير معروفي الهوية قاموا بشراء شحنة من الأقنعة الواقية طلبتها فرنسا من الصين مباشرة على مدرج مطارات صينية.
وقال دازور رونو موزولييه رئيس منطقة بروفانس آلب كوت "إن هناك دولة أجنبية دفعت ثلاث مرات ثمن الشحنة على مدرج المطار"، وأكدت فاليري بيكريس رئيسة منطقة إيل دو فرانس "انتزع منا أمريكيون شحنة أوصينا عليها بالمزايدة على سعرها".
ونفت الإدارة الأمريكية ذلك، لكن المزايدين قد يكونون جهات خاصة أو ولايات فيدرالية، وأكدت الحكومة الفرنسية أنها تقوم بضمان أمان إمداداتها، نافية أن تكون لديها تفاصيل حول مزايدة أمريكية.
وقال أندرياس جايزل وزير داخلية ولاية العاصمة الألمانية برلين أمس "إن 200 ألف كمامة وقناع وجه طبي تعاقدت عليها المدينة، تمت مصادرتها من جانب مسؤولين أمريكيين في العاصمة التايلاندية بانكوك"، متهما الولايات المتحدة بانتهاج "قرصنة عصرية".
وأضاف جايزل أن "كمامات وأقنعة الوجه، التي تحمي مستخدمها من الإصابة بالعدوى، كانت مخصصة لأن تستخدمها قوات شرطة برلين".
وأشار إلى أن ولاية برلين قد طلبت هذه الكمامات من شركة أمريكية وسددت قيمتها.
ووفقا لصحيفة "تاجس شبيجل" الألمانية، تم تصنيع الكمامات في الصين، وهاجم جايزل الولايات المتحدة في بيان، قائلا "إننا نعد هذا عملا من أعمال القرصنة العصرية".
منوها بأن "هذه ليست الطريقة التي يتم بها التعامل مع الشركاء عبر الأطلنطي. حتى في أوقات الأزمة العالمية، يجب ألا تحكمنا أساليب الغرب الأمريكى المتوحش"، داعيا الحكومة الاتحادية الألمانية إلى حض واشنطن على الالتزام بالقواعد الدولية.
إلى جانب ذلك، أجبرت واشنطن العملاق الأمريكي مجموعة "إم ثري" الصناعية، بموجب القانون بأن تورد للولايات المتحدة أكبر عدد ممكن من كمامات الوجه "إن95-" من تلك المستخدمة في المستشفيات، وتقوم الشركة أيضا بعمليات إنتاجية في الصين.
وتجري المنافسة على صعيد العالم أجمع، وأعرب جاستن ترودو رئيس الوزراء الكندي عن "قلقه الكبير" وطلب فتح تحقيق إثر معلومات أوردتها إذاعة "راديو كندا"، أفادت بأن شحنة من الأقنعة تم شراؤها من الصين لمنطقة كيبيك سلمت منها كمية أدنى من المتفق عليها، بعدما أعيد بيع قسم منها "للمزايد الأعلى" أي الولايات المتحدة.
ورأى البروفيسور كريستوفر يوكينز من جامعة واشنطن خلال مؤتمر عبر الفيديو أن "أسواق الإمدادات لكورونا تنهار، والضحيتان هما المنافسة والشفافية".
وأوضحت شركة "بولوريه لوجستيكس" للنقل واللوجستيات العاملة أيضا في الصين أن "هناك توترا شديدا حول هذه البضائع نتيجة حاجات آنية للدول لا تلقى استجابة سريعة".
ويعتقد الباحث جان سيلفيستر مونجرونييه من معهد "توماس مور" الفرنسي البلجيكي أن "الولايات في حالة تسابق لا بل تنافس فيما بينها، هذا ما يعرف في الفلسفة السياسية بالحالة الطبيعية"، ومن مواصفاتها "استشراء انعدام الأمان بين الأمم، وصولا إلى حالة فوضى، في حال تفكك النظام العام الدولي".
لكنه رأى رغم ذلك أن "المزايدة على شحنة أقنعة واقية تمتّ بالأحرى إلى المنافسة للوصول إلى الموارد. إنه أمر بغيض، لكنه لا يوازي أعمالا عدوانية".
وروى النائب الأوكراني أندريي موتوفيلوفيتس الذي توجه إلى الصين في مارس لمواكبة شحنة طبية، على صفحته على "فيسبوك" أنه شهد منافسة "مخيفة للحصول على معدات طبية" وكتب "قناصلنا الذين يتوجهون إلى مصانع صينية يلتقون هناك زملاء لهم من دول أخرى، روسيا والولايات المتحدة وفرنسا، يريدون الاستحصال على طلباتنا. دفعنا ثمن طلباتنا مسبقا عبر تحويل مالي ولدينا عقود موقعة. أما هم، فيملكون مزيدا من المال نقدا. إننا نتقاتل على كل شحنة".
وأضاف موزولييه أن "التوتر على أشده في المطارات الصينية وفي محيط المصانع والمواقع اللوجستية.. اللصوص كثيرون وبأشكال وأنواع مختلفة".
وفي الصين، لا يملك سوى قلة من المنتجين تراخيص للتصدير. والذين لا يملكون مثل هذه التراخيص يمرون عبر شركات تجارية لتصدير إنتاجهم، ما يؤدي إلى وجود كثير من الوسطاء.
ويتسابق عديد من الجهات من دول ومناطق وهيئات خاصة ووسطاء في كل أنحاء العالم، محاولا الالتفاف على بعضها بعضا لوضع اليد على هذه المعدات الثمينة، ويبرر هذا الهدف اللجوء أحيانا إلى أجهزة الاستخبارات.
وكتبت لورانس فوليو أستاذة القانون العام في مقالة نشرتها صحيفة "لوموند" الفرنسية أن "الظرف الحالي يملي التفاوض المباشر والصفقات الثنائية، وهي أدوات مفيدة في الأوضاع الصحية الطارئة، لكنها غالبا ما تقترن - كما يمكن توقعه - بالمحسوبية واختلاس الأموال والفواتير الملغومة".
وأوضحت شركة "بولوريه لوجستيكس"، "عمدنا منذ بدء الأزمة إلى تعزيز تدابير الأمن والمراقبة، واقترحنا حتى على زبائننا القيام بعمليات تسليم تحت مواكبة".
وفي هذا الإطار، فإن الدفع نقدا يمكن أن يحقق معجزات، وذكرت فاليري بيكريس "الأمريكيون يدفعون نقدا وبدون التدقيق، وهذا يمكن أن يكون أكثر إغراء لجهات كل ما تسعى إليه هو إتمام صفقات على حساب معاناة العالم أجمع".
وصرح بيتر بيليجريني رئيس الوزراء السلوفاكي السابق لشبكة "تي إيه 3" التلفزيونية في 15 مارس أن بلاده أوصت على ملايين الأقنعة الواقية من أوكرانيا كان من المقرر دفع ثمنها نقدا.
وتابع "كنا نعد حقيبة تحتوي على 1.2 مليون يورو. وكان من المفترض أن نستقل رحلة حكومية خاصة للذهاب وتسلم الأقنعة، لكن وسيطا ألمانيا وصل قبلنا وزايد على السعر واشتراها".
وتحصل مثل هذه الأحداث أحيانا داخل الاتحاد الأوروبي حيث حظرت عدة دول أعضاء تصدير معدات طبية أو قامت بعمليات مصادرة، مثل فرنسا.
وأوردت مجلة "ليكسبريس" أن فرنسا صادرت على أراضيها في 5 مارس أقنعة واقية لشركة "مولنليكي" السويدية للمعدات الطبية، كانت موجهة إلى إسبانيا وإيطاليا.
كما وضعت الجمهورية التشيكية يدها على شحنة أقنعة كان من المفترض أن يسلم قسم منها إلى إيطاليا. وأكدت سلطات براغ أن عملية المصادرة تقررت "بناء على شبهات حول عمليات غير قانونية وأنشطة إجرامية"، لكنها تعهدت بإرسال "كمية موازية من المعدات بأسرع ما يمكن" إلى إيطاليا، وفق ما أكدت السفارة التشيكية في باريس.
ورأت مجموعة مولنليكي أن "العودة إلى شروط توزيع وإنتاج للمعدات الطبية مجدية في أوروبا تزداد صعوبة، في حين يبدو لنا ذلك ضروريا بشكل عاجل".
وأعلنت وزارة الخارجية السويدية أن "السويد رفعت الأمر إلى المفوضية الأوروبية" عادّة أنه "تنبغي إزالة كل القيود المفروضة على التصدير داخل الاتحاد الأوروبي".

الأكثر قراءة