أخبار اقتصادية- عالمية

صراع مكتوم بين واشنطن وبكين على قيادة الاقتصاد العالمي في مرحلة ما بعد "كورونا"

صراع مكتوم بين واشنطن وبكين على قيادة الاقتصاد العالمي في مرحلة ما بعد "كورونا"

القطبين الكبيرين يتصارعان على قيادة المسيرة الكونية في القرن الحادي والعشرين.

خلال العقدين الماضيين احتدم الصراع بين الولايات المتحدة والصين، وإلى حد ما الاتحاد الأوروبي لقيادة الدفة الاقتصادية لكوكب الأرض، ومع جائحة فيروس كورونا، فإن السؤال بات يطرح نفسه بقوة من سيخرج من غمار تلك المعركة منتصرا قادرا على الادعاء بالأدلة والبراهين أنه تغلب على أزمة الفيروس بشكل أفضل من الآخرين، وأن له حق الادعاء بأن نموذجه الاقتصادي أكثر كفاءة، وقدراته الإدارية أعلى مهارة من منافسيه، وأن إمكاناته العلمية والمالية تفوق ما لدى خصومه، وأنه بذلك بات مؤهلا لريادة الاقتصاد العالمي بلا منازع وقيادة المسيرة الكونية في القرن الـ21 بلا منافس.
إحدى نقاط القوة، التي تمتعت بها بلدان جنوب شرق آسيا وتحديدا الصين في هذا الصراع، أن لها تجارب طويلة ومريرة مع الأوبئة تفوق ما لدى خصومها ومنافسيها، ففي 2003 ضرب وباء سارس أجزاء كبيرة من آسيا، ومكن ذلك حكومات تلك الدول وتحديدا الصين من امتلاك خبرات إدارية وتنظيمية للتعامل مع انتشار الأوبئة على نطاق جماهيري واسع.
وتشير الدكتورة آنا آستون أستاذة الاقتصاد الصيني في جامعة أكسفورد، إلى أهمية التجارب المكتسبة لدى الصين في التعامل مع الأوبئة، وتضيف لـ"الاقتصادية"، أن الوضع المالي للصين أفضل من الاتحاد الأوروبي وفي كثير من المؤشرات أفضل من الولايات المتحدة ذاتها، كما أن عديدا من الشركات الصينية تمتلك فوائض مالية أعلى من منافسيها الدوليين، ما يسمح لها بتفادي الاقتراض من البنوك وتمويل أنشطتها ذاتيا، معتبرة أن هذا الوضع يؤهل الصين لهزيمة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في معركة فيروس كورونا.
إلا أن مارك براون الباحث الاقتصادي يعتقد أن الصراع لا يزال في مراحله الأولى، ويصعب في الوقت الراهن الجزم بأن الاقتصاد الصيني قد خرج رافعا رايات النصر في صراعه مع فيروس كورونا.
ويضيف براون لـ"الاقتصادية"، أن "بكين تبنت سياسة احتواء الفيروس ثم تحفيز الاقتصاد، وهو ذات النهج المستخدم في البلدان الأوروبية والولايات المتحدة، كما أنه من الواضح أن حزمة التحفيز الأمريكية المقدرة بتريليوني دولار تقبلتها الأسواق بكل ترحاب، وهو ما انعكس على الانتعاش، الذي شهدته البورصات العالمية بعد موجات متتالية من الخسائر منذ انتشار الفيروس، وهذا الآمر يبشر بأن الأسواق الأوروبية والأمريكية في طريقها أيضا للانتعاش".
إلا أن بعضا يعتقد بأن وجهة نظر براون لا تأخذ في الحسبان أن السياسات، التي تبناها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا بخفض أسعار الفائدة، تعني أن الإدارة الامريكية والحكومة البريطانية قد استخدمتا بذلك إحدى أهم آليات التحفيز الاقتصادي لديهما، بينما لا يزال لدى البنوك المركزية في الصين والبلدان الآسيوية الأخرى مجال واسع لاستخدام أسعار الفائدة في التحفيز الاقتصادي في مراحل لاحقة، وهو ما يعني أن لدى الاقتصادات الآسيوية ذخيرة أكبر لخفض تكاليف الإنتاج، مقارنة بنظرائها في أوروبا والولايات المتحدة.
ومن المتوقع الآن أن تلجأ الصين في الأشهر المقبلة لاستخدام السياسة النقدية لتعزيز اقتصادها الوطني، عبر خفض أسعار الفائدة بقوة لضمان رفع معدلات الإنفاق الأسري وتشجيع الطلب المحلي لتحفيز النشاط التجاري.
بعض الخبراء الاقتصاديين يعتقدون أن الصين وعددا من الاقتصادات الآسيوية الحليفة لها تدخل معركتها مع تفشي فيروس كورونا، وهي مصابة بعديد من الجروح والندبات نتيجة الحرب التجارية، التي شنها عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب منذ وصوله إلى سدة السلطة 2016.
ويقول لـ"الاقتصادية"، دي.ك. صامويل الخبير الاستثماري إن "الحرب التجارية، التي شنتها الولايات المتحدة على الصين أسفرت عن عدد من الخسائر، التي مني بها الاقتصاد الصيني، من أبرزها استنزاف جزء ملموس من رؤوس أموال الشركات الصينية، بعد انسحاب عديد من الشركات الأمريكية من الأسواق الصينية، وهذا الأمر سيضعف إلى حد كبير من قدرة الصينيين على المنافسة مع الولايات المتحدة بعد إحكام جميع الدول السيطرة على الوباء".
حتى وإن خرجت الصين وقد أفلحت في تحقيق بعض التقدم على منافسيها الأمريكيين والأوروبيين في معركة كورونا، فإن أفضل توقعات لمعدلات النمو الممكنة هذا العام لن تتجاوز 3 في المائة، مقارنة بأكثر من 6 في المائة العام الماضي.
ويتوقع الخبراء أن يكون لتباطؤ النمو الصيني تأثير سلبي في مبادرة الحزام والطريق، فالتداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا، وإنهاكه للاقتصاد الصيني ستدفع بالحكومة إلى إعادة ترتيب سلم الأولويات في المرحلة المقبلة، وعديد من المخصصات المالية، التي كانت ستذهب للاستثمارات الخارجية لدعم مبادرة الحزام والطريق، سيتم إعادة توجيهها للاستثمار المحلي، كما يتوقع أن يتردد عديد من البلدان المشاركة في تلك المبادرة في استقبال العمال أو الفنيين الصينيين لفترة طويلة مقبلة.
إلا أن أونيل ريتشارد الخبير في الاقتصاد الصيني يرى أنه "قبل تفشي الفيروس كانت مبادرة الحزام والطريق تواجه بعض الصعوبات في بعض البلدان الآسيوية، وقد زاد انتشار الفيروس في الصين وتلك البلدان من تعقيدات المشهد، إلا أن تعافي بكين تدريجيا من فيروس كورونا سيجعلها حريصة على أن تبعث برسالة إلى حلفائها، خصومها في آن واحد بأنها ملتزمة بتعهداتها في إكمال ما عليها من التزامات، مهما كانت التكلفة المالية، بل وستكون الصين أكثر مرونة واستعدادا لأن تقدم مزيدا من التنازلات لبعض الدول الآسيوية، التي اعترض السكان المحليون فيها على المشروع".
ويضيف لـ"الاقتصادية"، أن الصين من خلال هذا الإصرار تبعث برسالة للجميع، جوهرها أن هزة "كورونا" لم تنل منها وأن الاقتصاد الصيني قوي وقادر على الإيفاء بتعهداته، وأنها الأقدر بقيادة الاقتصاد العالمي في القرن الـ21.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية