هل المرأة أقوى إرادة من الرجل؟

هناك اليوم من الناس من يعتقد أن المرأة هي من سيقود الحضارات الإنسانية القادمة, فمن وجهة نظر هؤلاء أن قيادة الرجل للمسيرة الحضارية في كوكبنا هي التي أوصلتنا إلى هذا الكم الكبير من المشكلات والأزمات، فالحروب واختلاق الأزمات وهذا التعدي الصارخ على البيئة الطبيعية، الذي بات يهدد مستقبل هذا الكوكب هي كلها مأساة وكوارث يتحملها الرجل وحده, وهي دليل على فشل قيادته وسوء إدارته، فالأرض اليوم تختنق بفعل الغازات الكربونية التي تطلقها المصانع التي بناها الرجل, والعالم اليوم بمقدوره أن يدمر نفسه مئات المرات بفضل ما عنده من أسلحة تقليدية وغير تقليدية, وهناك اليوم ـ وحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية ـ مليار إنسان جائع وأكثرهم من الأطفال لا يجدون ما يسد جوعهم. وحتى الطبيعة اشتد غضبها علينا لما تمارسه هذه الحضارة التي يقودها الرجل من أنانية في ممارستها للحياة, فالأعاصير المدمرة ازداد عددها واشتدت قوتها وكثر ضحاياها, والبحار والمحيطات ازدادت سخونتها وارتفعت مناسيبها وهي على وشك أن تبتلع مدنا ومناطق كثيرة في العالم, وغلافنا الجوي لم يعد عنده صبر وتحمل لكثرة ما نطلقه من انبعاثات غازية ضارة وعدم مبالاتنا للدور الذي يقوم به بحفظنا مما يضرنا, ففتح علينا ثقبا صغيرا عنده، ولكنه بحجم قارة كاملة عندنا لتدخل علينا من الأشعة التي تحرقنا وتسبب الأمراض لنا. وحتى الميكروبات والفيروسات، التي ظننا ألا عقل لها وصرنا نتلاعب بها ونتمادى في استخدام الأدوية التي تعالج الأمراض التي تسببها، فها هي اليوم قد استقوت علينا وهي على وشك أن تهزم كل المضادات والأدوية التي صنعت للقضاء عليها. وحتى غذاؤنا وطعامنا صار وبالا علينا, فحضارة الرجل هي التي عملت واجتهدت حتى أخرجت المرأة من مطبخها لتعطينا من الوجبات السريعة والمعلبة والمحفوظة والمعالجة بالمواد الكيماوية التي نعلم يقينا ضررها على صحتنا, فبمثل هكذا طعام وفير ورخيص وفقير غذائيا انتفخت أجسامنا وتورمت بطوننا وتكلست مفاصلنا وصرنا نشيخ ونمرض بالضغط والسكري وغيرهما من الأمراض ونحن في ريعان شبابنا.
حتى المجتمع لم يسلم, فصرنا أكثر تفككا وأكثر انحلالا في أخلاقنا, فالطلاق في ازدياد مستمر والجريمة والعنف والإرهاب هي الأخرى في تصاعد, والممارسات المنحلة وغير الأخلاقية باتت عند بعض الشعوب والأمم صناعات وخدمات يروج لها وتسن القوانين لتنظيمها. ومع كل المظاهر الشكلية للرفاهية، إلا أن مؤشرات السعادة والراحة في تراجع في مقابل ازدياد كبير في الأمراض والمشكلات النفسية, فمرض الاكتئاب سيكون المرض رقم واحد الذي سيعانيه الإنسان في غضون الـ 50 سنة المقبلة. وفي كثير من البلدان صارت السجون لا تكفي لكثرة نزلائها من المجرمين مع أنها تبنى بمعدل يفوق بناء المدارس.
هذا هو الواقع, وهذه هي معالم حضارة الرجل, وليست هناك دلائل على أن الرجل سيغير من طبيعته وسيستفيد من تجربته ويعدل من طريقته لإدارة الحياة على هذا الكوكب، فالله سبحانه وتعالى قد حمل الإنسان, الرجل والمرأة, الأمانة لإعمار وحفظ هذه الأرض, "إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان", فعندما يفشل الرجل في تحمل هذه الأمانة، فهناك شريك له ولعل في تحمله المسؤولية إعادة الأمور إلى الطريق الصحيح.
بالتأكيد هناك أناس لهم رأي آخر ومخالف لوجهة النظر هذه, فعند هؤلاء الرجل هو السيد وهو المسؤول وهو المتصرف أما دور المرأة فلا يزاحم دور الرجل في تحمل مسؤوليته, وأن المرأة ليست عندها القدرة الطبيعية للقيام بما يقوم به الرجل, فهي مخلوق ضعيف وظيفته الرئيسية تقديم الخدمة والاستمتاع للرجل، بل إن بعضا من هؤلاء يتوجس من إعطاء أي حق للمرأة يخرجها من سلطة الرجل أو يمس سيادة الرجل عليها، لأنها مخلوق تنطوي فيه الفتنة والشر والعورة, وكل ما يجب أن يستر أو يحجر عليه, فمن وجهة نظر هؤلاء أن الحضارة هي شأن أو منتج ذكوري ولا دخل للمرأة من قريب ولا بعيد في البناء الحضاري، ولكن الذين يرون أن المستقبل للمرأة, يعتقدون أن قيادتها للمسيرة الإنسانية في الحضارات المقبلة هي قناعة لم تأت من فراغ، إنما جاءت وفق معطيات علمية وأخرى أفرزتها تجربة العيش في ظل قيادة الرجل وتصديه في إدارة المشاريع الحضارية السابقة, فمن هذه المعطيات وباختصار:
1. لقد ثبت علميا أن الإنسان لا ينجح فقط بذكائه وقدراته العقلية، بل هو بحاجة أكثر إلى الذكاء العاطفي, والمرأة، وإن لم تقل عن الرجل في الذكاء العقلي، إلا أنها تتفوق عليه في الذكاء العاطفي. ومعظم المشكلات والفتن والحروب والأزمات التي عاشتها الإنسانية كان بالإمكان تخفيفها أو حتى تجنبها لو كان للقلب والعواطف دور في تحليلها والتنظير لها، فإذا كان في العقل المنطق، فإن في القلب الرحمة, ولو استظل المنطق العقلي بالرحمة القلبية لكان الإنسان في مأمن من الوقوع في مثل ما نعيشه اليوم من مشكلات وأزمات.
2. المرأة بطبيعتها كائن يميل للمشاورة والمشاركة بالرأي, على غير الرجل الذي عنده رغبة قوية في التسلط وفرض آرائه وقناعاته بالقوة والإكراه، مع أن البعض يرى في هذا الميل الأنثوي للتشاور على أنه مظهر من مظاهر الضعف عند المرأة، وهذا يعطي الأفضلية لقيادة الرجل، فبعد هذه التجربة الطويلة في الحياة يرى هؤلاء ضرورة الأخذ بمبدأ المشورة، ليس بين الناس فقط, بل يجب تفعيل هذا المبدأ حتى مع الحيوان والجماد، لأن لهؤلاء حقوقا يجب فهمها والتعرف عليها ومن ثم العمل على تأديتها وإلا ستكون التنمية تنمية غير عادلة وناقصة وغير مستدامة، فالقيادة التشاورية التي تعطيها المرأة هي أكثر قدرة على الخروج لنا بصيغة تنموية عادلة للجميع.
3. أكثر ما يتسم به العالم في الوقت الحاضر هو هذا التطور السريع في الاتصال والتواصل بين الأفراد والشعوب والأمم, وصارت الإدارة الحديثة تنظر للقائد أو المدير أو المسؤول أو الرئيس الناجح على أنه ذلك الإنسان الذي يملك القدرة والمهارة الأكبر على التواصل مع الآخرين، فالتواصل صار اليوم من الضروريات للإدارة والقيادة الناجحة, والمرأة تمتلك قدرات طبيعية تجعلها أكثر قدرة في التعبير عما تريد إيصاله للآخر من أفكار ورؤى وقناعات.
صحيح أن وجهة النظر هذه فيها إثارة لما ألفنا عليه من أفكار وقناعات قد تمكنت منا فكريا وثقافيا, وإن كان الجزء الأكبر من نظرتنا وتصورنا للمرأة قد تشكل في إطار الثقافة الذكورية التي اختزلت كثيرا من دور المرأة في حياتنا, ولكننا نحس أننا لا نستطيع أن نصل إلى قناعة معتبرة بمثل هذا الطرح. صحيح أن تاريخ الإنسانية حافل بالظلم والعنف والحروب، وأن الرجل هو أكثر من يتحمل مسؤولية هذه المشكلات والفتن, ولكن هل العلة هي فقط في قيادة الرجل، وأن الحل هو في نزعها منه وتسليمها المرأة، أم أن السبب ربما هو في تفرد الرجل بقيادة الحياة وتهميش دور المرأة؟ فبالتالي يكون الحل هو في عودة الرجل والمرأة معا للمشاركة في قيادة الحياة, فكلاهما مكمل للآخر, وتعطيل أو غياب أحدهما هو الذي يؤدي في النهاية إلى النتائج غير المرغوبة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي