الرجل العوامة

عادت بي الذاكرة إلى الشخصيات الخيالية التي مرت بنا أيام الطفولة، من الرجل الوطواط إلى الرجل المطاط. تذكرتها وأنا أتابع حرص صديقي على خفض فاتورة المياه المرتفعة. ومع قولي له إن الرسوم ارتفعت، إلا أن لديه شكا في صحة قراءة العداد، لذا أصبح هو شخصيا من يدير التدفق بفتح المحبس لمدة يوم يمتلئ الخزان به ثم قفله، وهكذا جدول تذكيرات له على جواله، حتى إنني من فرط حرصه أطلقت عليه اسم الرجل العوامة، إذ أصبح يقوم بدورها دون أن يشعر. والعوامة - كما يعرف أغلبكم - من أدوات السباكة، عمود نحاسي “إذا كان أصلي” في طرفه كرة بلاستيكية وصمام في الطرف الآخر يقفل تدفق المياه حين ارتفاع الكرة البلاستيكية على سطح ماء الخزان.
ومشكلة الأغلبية منا أنهم لم يفتحوا خزاناتهم الأرضية منذ مدد طويلة، خاصة أن مياه الشرب يشترونها معبأة فلا يعلمون ما يحدث تحت الأرض، وتضاعف هذه المشكلة أدوات سباكة، خصوصا عوامات سيئة التصنيع لا تصمد مدة طويلة، فإذا تعطلت ارتفع منسوب المياه ليقع التسرب الخفي، وهو تسرب لا يعلم عنه صاحب المنزل، لأنه لا يفيض إلى خارج الخزان، بل يتسرب تحت سطح الأرض في مساحة رقبة الخزان غير المعزولة غالبا، ليستمر مضخما رقم الفاتورة.
في كل نقاش مع شركة المياه حول شكاوى المواطنين من الفواتير، تبدي اقتناعها التام والراسخ بدقة العدادات الرقمية التي توسعت في تركيبها بدلا من الميكانيكية السابقة، وأنها “ما تخر الهواء”، بمعنى أن العداد يحتسب الماء المتدفق فقط. لذا، يقترح عليها الإعلان عن تقديم جائزة معتبرة لمن يستطيع إثبات أن العداد فعلا غير دقيق.
فكرت في اقتراح يوم في الشهر يطل فيه الواحد منا على خزانه للتأكد من عدم شكواه من شروخ وخلل، ولا ينسى النظافة، لكن من الصعب على كثير منا الانتظام، مثله مثل عدم الصيانة الدورية. ربما هذا يخفض مبالغ مالية يدفعها لمياه الشرب المعبأة ولفلاتر في المطبخ، بل إنه لو تم سيكون أمرا مؤكدا.
أعود لصديقي الرجل العوامة، فهو يصر على أن الفاتورة انخفضت، وهذا أمر مؤكد، لأنه تابع التدفق ومنعه من التسرب بالسيطرة على المحبس، ولا بد أنه قنن الاستهلاك، فالهاجس النفسي يدفعه إلى ذلك، وربما التفت إلى تسربات صغيرة هنا وهناك داخل المنزل وقام بتركيب مرشدات. صديق آخر أكثر “ذهانة “، قال إنه يقوم بتغيير العوامة كل ستة أشهر حتى لو كانت صالحة للاستخدام، ويحرص على شراء الأصلي من محل محترم لا يبيع المقلد.
ولنترك الشكاوى من الفواتير جانبا.. مؤقتا. لنفكر في العمل على مكافحة التسربات الخفية للمياه، لأن الظاهر منها لا بد أن يدفع إلى الإصلاح الفوري، لهذا لا بد من أن يكون لك طلة شهرية “صيانية” على الخزان، فهو في شوق إليك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي