العالم والنمو السكاني والشيخوخة والهجرة «3 من 3»

يختلف العمر المتوقع اختلافا كبيرا من منطقة إلى أخرى، فيراوح من مستوى منخفض هو 61 عاما في إفريقيا إلى مستوى مرتفع يصل إلى 80 عاما في أمريكا الشمالية. ويتوقع أن تضيق هذه الفجوة البالغة نحو عقدين إلى حد ما في الأعوام المقبلة. ويتوقع أن تتفوق إفريقيا على كل المناطق الأخرى من حيث المكاسب على مستوى صحة السكان النسبية والمطلقة، انعكاسا لعوامل منها اللحاق بالركب الاقتصادي وانتشار التكنولوجيا.
يكمن أحد الدوافع الرئيسة وراء ارتفاع العمر المتوقع في تحسن معدل بقاء الأطفال. فقد تراجعت وفيات الأطفال في أعمار دون الخامسة على مستوى العالم بما يزيد على 50 في المائة من 1990 إلى 2015، مع التحسن في كل منطقة، وإن كان أقل نسبيا في إفريقيا جنوب الصحراء وأوقيانوسيا. وجاءت أعلى الأعداد المطلقة لوفيات الأطفال في الهند ونيجيريا، وبلغت نسبتهما معا 20 في المائة من سكان العالم و23 في المائة من المواليد - لكنها بلغت 33 في المائة من وفيات الأطفال. ومن الأسباب الرئيسة في وفيات الأطفال تعقيدات الولادة قبل الموعد، والالتهاب الرئوي، والتعقيدات المصاحبة لآلام الولادة والوضع، والإسهال والملاريا، بينما سوء التغذية أحد العوامل المساعدة الكبيرة.
ورغم التحسن الكبير في معدلات بقاء الأطفال، توفي ما يزيد على 16 ألف طفل دون سن الخامسة كل يوم في عام 2015 ونتج معظم هذه الوفيات عن أمراض وأسباب كان يمكن الوقاية منها أو علاجها من خلال عمليات تدخل موجودة وفي المتناول.

معدلات الخصوبة
تراجع معدلات الخصوبة هو أحد الأوجه الرئيسة الأخرى للمشهد الديمغرافي العالمي. في عام 1950، كان متوسط حمل المرأة خمسة أطفال، واليوم يبلغ معدل حملها 2.5 طفل، وتختلف معدلات الخصوبة اختلافا كبيرا من منطقة إلى أخرى - من 1.6 في أوروبا إلى 4.6 في إفريقيا. ويزداد اختلاف معدلات الخصوبة بين البلدان، حيث تصل إلى 7.6 في النيجر، و 6.4 في الصومال، و6.1 في مالي وتشاد، و6.0 في أنجولا، لكنها تبلغ 1.2 في سنغافورة و1.3 في مولدوفا والبوسنة والهرسك والبرتغال وكوريا الجنوبية واليونان وإسبانيا. ويعيش نحو نصف سكان العالم في بلدان ذات معدلات خصوبة أقل من معدل الإحلال على المدى الطويل البالغ نحو 2.1 طفل لكل امرأة.
وفي الاقتصادات النامية، يمثل تحسن معدل بقاء الأطفال دافعا رئيسا وراء تراجع الخصوبة الناتج عن إدراك الحاجة إلى خفض عدد الولادات للوصول إلى الهدف المحدد لحجم الأسرة. كذلك تنكمش الرغبة في الخصوبة مع التقدم في التعليم ونمو الدخل. وانخفاض الخصوبة بدوره يعزز التحسن في معدل بقاء الأطفال، عن طريق تحسين صحة الأمهات والسماح بتكريس قدر أكبر من موارد الأسرة لكل طفل.
كذلك تمثل إمكانية الحصول على وسائل منع الحمل أحد العوامل الرئيسة وراء تراجع الخصوبة. فعلى مستوى النساء اللائي تراوح أعمارهن بين 15 و49 عاما ويعشن مع شركاء من الذكور، بلغ المعدل الكلي لاستخدام وسائل منع حمل حديثة 57 في المائة مع الأساليب الرئيسة في تعقيم المرأة "وتستخدم هذه الوسيلة 19 في المائة من نساء هذه الفئة في أنحاء العالم"، والأدوات داخل الرحم "14 في المائة"، وتناول موانع الحمل عن طريق الفم "9 في المائة"، والواقي الذكري "8 في المائة"، والحقن "5 في المائة"، ومن بين النسبة المتبقية من النساء في هذه الفئة السكانية وهي 43 في المائة، لم يلب الخُمسان منها حاجتهن إلى تخطيط الأسرة - أي أنهن ولودات، ويرغبن في تأجيل أو الامتناع عن الحمل، لكنهن لا يستخدمن وسائل حديثة لمنع الحمل. وتهبط هذه النسبة إلى نحو الربع عند تضمين أساليب تقليدية، مثل التنظيم حسب مواعيد الدورة الشهرية أو الانسحاب. وفي إفريقيا تصل نسبة الحاجة غير الملباة إلى منع الحمل ومعدلات الخصوبة مستويات أعلى بكثير من المتوسط العالمي.
إلى جانب معدلات المواليد والوفيات، تمثل حركة الأشخاص عبر الحدود، القناة الأخيرة التي يتغير حجم السكان المواطنين من خلالها. ولا يتجاوز عدد سكان العالم الذين يعيشون في بلدان بخلاف تلك التي ولدوا فيها 3.3 في المائة من مجموع السكان، أو 244 مليون نسمة. وتضم أوروبا وأمريكا الشمالية 15 في المائة من سكان العالم، لكن يسكنها أكثر من نصف المهاجرين الدوليين في العالم. ويعيش في الولايات المتحدة نحو 20 في المائة من أولئك المهاجرين، تليها ألمانيا والاتحاد الروسي بنسبة 5 في المائة لكل منهما. والبلدان التي تسهم في أكبر أعداد من المهاجرين الدوليين هي الهند "16 مليونا"، والمكسيك "12 مليونا"، وروسيا "11 مليونا"، "والصين 10 ملايين"، ومعظم المهاجرين الدوليين في سن العمل وموزعين بالتساوي على أساس الجنس.
ورغم أن عام 2015 شهد واحدة من أكبر موجات الهجرة الجماعية عبر القارات في التاريخ الحديث - الهجرة الجماعية لما يزيد على مليون شخص سوري إلى أوروبا - لا تزال الحواجز الاقتصادية والمؤسسية أمام الهجرة كبيرة، وكذلك المعارضة الاجتماعية والسياسية القوية في كثير من الاقتصادات المتقدمة. ورغم ذلك، تتيح الهجرة إمكانات كبيرة لتحقيق منفعة لا تقتصر على أولئك الذين يتركون أوطانهم فحسب، لكنها تشمل كذلك الآخرين في بلدان المنشأ والمقصد على حد سواء. غير أن تحقيق هذه الإمكانات يعتمد على عوامل مختلفة، منها سياسات دعم اندماج المهاجرين في الاقتصادات المحلية. كذلك يعارض الهجرة كثير من البلدان التي يغادرها المهاجرون لأنها تستنزف مواردها البشرية بالغة الأهمية، مثل الأطباء والمهندسين والمعلمين. ومع هذا، فإن تحويلات العاملين في الخارج تمثل قوة توازن كبيرة؛ فتشير التقديرات إلى قيام المهاجرين بتحويل 441 مليار دولار إلى العالم النامي في عام 2015، وهو ما يزيد على المساعدة الإنمائية الرسمية بمقدار ثلاثة أضعاف، ويبلغ نحو ثلثي مستوى الاستثمار الأجنبي المباشر المتجه نحو البلدان النامية. ويمكن أن تسهم التحويلات مساهمة كبيرة في تخفيف الفقر وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية عن طريق تراكم رأس المال البشري والمادي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي