السياسية

مكافحة الإرهاب .. 10 اعتبارات رئيسة

مكافحة الإرهاب .. 10 اعتبارات رئيسة

"في 8 تشرين الثاني (نوفمبر)، خاطب راسل ترافرز، القائم بأعمال "مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب"، منتدى سياسيا في معهد واشنطن. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاته. الذي أعدته سامانثا ستيرن.
في الوقت الذي تدرس فيه السلطات الأمريكية أفضل السبل لمكافحة الإرهاب وسط ضروريات السياسة الأخرى، يتعين عليها الإجابة عن عديد من الأسئلة: كيف تبدو معادلة الخطر في بلد يتسم بمثل هذه البيئة الأمنية الوطنية المعقدة؟ كيف ينبغي للحكومة الأمريكية تحسين تخصيص موارد مكافحة الإرهاب بما يحقق أفضل مصلحة للولايات المتحدة عندما تكون هناك أولويات مختلفة للإدارات والوكالات؟ وكيف يمكن لأمريكا أن تواصل نجاحاتها في موقفها لمكافحة الإرهاب دون عكس المكاسب التي تحققت منذ هجمات 11 أيلول (سبتمبر)؟
على الجانب الإيجابي من السجل، لم يقم تنظيم داعش ولا تنظيم القاعدة بهجوم ناجح واسع النطاق في الغرب منذ بعض الوقت، وكان آخر هجوم كبير لتنظيم القاعدة في دولة غربية هو ذلك الذي وقع ضد مقر صحيفة "شارلي إيبدو" في باريس في كانون الثاني (يناير) 2015؛ كما كان آخر هجوم كبير قام به تنظيم داعش هو ذلك الذي وقع ضد ملهى "رينا" الليلي في إسطنبول في كانون الثاني (يناير) 2017. وقد أدت هزيمة خلافة تنظيم داعش والقبض على قادتها وقتلهم إلى الحد من احتمال وقوع هجمات واسعة النطاق، موجهة من الخارج، ومن تأثيرها في المدى القريب، وهو الأمر بالنسبة إلى جهود بناء القدرات التي أجرتها الدول المتحالفة والتحسينات التي أُدخِلت على تبادل المعلومات العالمية وأمن الحدود. على سبيل المثال، كان رد كينيا على هجوم حركة "الشباب" الصومالية المتطرفة في كانون الثاني (يناير) 2019 على فندق ومجمع شقق في نيروبي أفضل بكثير من الطريقة التي تعاملت بها مع عملية إطلاق النار في "المركز التجاري ويستجيت" في أيلول (سبتمبر) 2013.
مع ذلك، على الولايات المتحدة تجنب الشعور بالرضا من الوضع القائم؛ فلا تزال أمريكا تواجه تهديدا منتشرا ومتعدد الأشكال، يضم متطرفين عنيفين محليين، وفروع تنظيم داعش، والجماعات التي تدور في فلك تنظيم القاعدة، وإيران ووكلاءها، "من بينهم "حزب الله" والميليشيات في العراق"، وراديكاليين من اليمين المتطرف. هذه الشبكات الإرهابية ماهرة بشكل خاص في استغلال التكنولوجيا، فهي تستخدم الاتصالات المشفرة للتخطيط العملياتي؛ وتنشر الدعاية وتنقل المعرفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ وتعتمد على الطائرات من دون طيار لهجمات السرب، وتسليم المتفجرات، والاغتيالات؛ وتستخدم وثائق احتيالية عالية الجودة للتهرب من أمن الحدود؛ وتمول العمليات عن طريق العملة الرقمية "الكريبتو كرنسي"؛ ومن المرجح أنها تجري تجارب على استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية. وهي أيضا شبكات مبدعة في مجال التجنيد، تستهدف السكان والشباب المستضعفين.
اليوم، ما زال هناك مزيج من العوامل الشخصية، والجماعية، والمجتمعية، والاجتماعية السياسية، والأيديولوجية المستمرة في توليد التطرف وحشد الناس للعنف، وهناك اليوم ما يقرب من أربعة أضعاف عدد الأفراد المتطرفين الذي كان في 11 أيلول (سبتمبر)، كما أن قاعدة البيانات الأمريكية للإرهابيين المعروفين أو المشتبه فيهم قد نمت بمعدل 20 مرة منذ ذلك الحين، ومع ازدياد عدد السكان المتطرفين، ستنخفض قدرة الولايات المتحدة على تحديد الإرهابيين والقبض عليهم وقتلهم، إضافة إلى ذلك، فإن الهجرة من إفريقيا، التي تعود جزئيا إلى الاحتباس الحراري، تولد التطرف في صفوف العناصر من أقصى اليمين ضد اللاجئين وطالبي اللجوء في أوروبا، ويتطلب ازدهار المجتمع الراديكالي بذل جهود قوية لمنع الإرهاب.
ونظرا إلى أن التهديدات تدور حول الأشخاص والشبكات، فقد أنفق مجتمع الأمن القومي الأمريكي قدرا هائلا من الطاقة في بناء مقاربة متعددة الجوانب للتدقيق في الوافدين إلى الولايات المتحدة على مدار الـ18 عاما الماضية، بحيث يخضع 3.2 مليون شخص للفحص يوميا، وينتج مجتمع مكافحة الإرهاب حاليا ملفات أكثر ثراء، ويستخدم التكنولوجيا بشكل أفضل، ويقوم بإجراء فحص سري في الوقت الفعلي لدعم قوائم المراقبة غير المصنفة، وعند الإمكان، يستند إلى المقاييس الحيوية للتأكد من نية المشتبه فيهم الذين يعتزمون الدخول إلى أمريكا، ولا يوجد ما يشير إلى أن الجماعات الإرهابية الأجنبية حاولت استغلال برنامج قبول اللاجئين في الولايات المتحدة للدخول على مدار العقد الماضي. وحتى الآن، تمكن شخصان فقط من دخول أمريكا كلاجئين ونفذا لاحقا هجمات على أراضيها، وكلاهما تطرفا بعد الدخول. وحتى الآن، كان أداء نظام الفحص والتدقيق جيدا للغاية.
مع ذلك، يتضح كل يوم أن ما يقرب من ثلاثة أفراد يستوفون معايير "المركز الوطني لمكافحة الإرهاب" للإرهابيين المعروفين أو المشتبه فيهم الذين يسعون للدخول إلى الولايات المتحدة. وهناك سبعة أفراد آخرين في اليوم لديهم روابط محتملة بإرهابيين معروفين أو مشتبه فيهم، على الرغم من أن الحكومة الأمريكية تفتقر إلى المعلومات السلبية الكافية لتصنيفهم إرهابيين. وبالتالي، لا يمكن للسلطات أن تكتفي بما أنجزته. وكما أوضح المهاجمون السابقون في باريس وبروكسل، فحتى أولئك المعروفين لدى وكالات الأمن يمكنهم تجنب الكشف عن طريق تعريف احتيالي عالي الجودة، ما يبرز الحاجة إلى جمع، ودمج، وتبادل المعلومات البيومترية "معلومات القياس الحيوي". هذه الجهود، إلى جانب تحسين سيرورة الأعمال وتكنولوجيا المعلومات، تصب في مصلحة مكافحة الإرهاب ومجتمعات الأمن القومي.
إضافة إلى ذلك، يشكل جمع المعلومات الاستخبارية الشاملة أمرا ضروريا لرصد التهديدات المحلية التي قد تتحول إلى تهديدات ضد الوطن. وهذا يعني التركيز على كل شيء بدءا من الجماعات المتطرفة الهامشية غير المنتسبة، مثل "جماعة التوحيد الوطنية" في سريلانكا "التي نفذت هجمات عيد الفصح هذا العام" وحركات التمرد الأصلية المحلية والفروع الإرهابية الرسمية. ونظرا إلى أن الولايات المتحدة تحد من انتشار قواتها والعناصر التابعة لها في الخارج، ولا سيما في العراق وسورية، فسيكون لديها عدد أقل من مصادر الذكاء الإنساني وستتضاءل اتصالاتها مع الشركاء على الأرض ووتيرة التنسيق معهم، لذلك يجب على المسؤولين الأمريكيين إجراء تحليل التكلفة والفائدة للمخاطر الناجمة عن هذا الانخفاض في الأصول.
وتشكل البيانات قوام مكافحة الإرهاب، لكن البيانات غير الكاملة، والغامضة أحيانا، وغير الدقيقة في كثير من الأحيان تشكل تحديا هائلا لمحللي "المركز الوطني لمكافحة الإرهاب". ولدى "عمليات" مكافحة الإرهاب نسبة إشارة إلى شوشرة "تشويش" سيئة للغاية. على سبيل المثال، تتلقى السفارات والقنصليات نحو 300 تهديد سنويا، في حين يتلقى مركز عمليات "المركز الوطني لمكافحة الإرهاب" نحو عشرة آلاف تقرير مرتبط بالإرهاب يوميا، تحتوي على نحو 16 ألف اسم. وعلى الرغم من أن معظم هذه التهديدات ليس موثوقا أو قابلا للتنفيذ، إلا أنه لا يمكن تجاهله.
من بين التحديات الأخرى، تعارض السلامة العامة أحيانا مع اعتبارات الخصوصية بحكم الضرورة. ما المعلومات التي يجب أن تكون متاحة لأي منظمات، ولأي سبب، ومتى؟ ما مستوى ونوع خطر مكافحة الإرهاب الذي سيكون الأمريكيون مستعدين للقبول به من أجل الحفاظ على الحريات الأساسية؟ كيف ينبغي أن يتعامل مجتمع الأمن القومي مع استغلال الإنترنت؟
إن التكامل بين الحكومة بأكملها يكتسي أهمية متزايدة في ظل بيئة التهديدات الراهنة، ويعد دمج الجهود بنجاح أمرا صعبا لكنه غير مستحيل، كما تبين خلال التدقيق وإعداد هيكلية قائمة التعقب لما بعد هجمات 9 أيلول (سبتمبر). وقد عقد النواب والمديرون اجتماعات لجان دورية خلال الأعوام التي تلت تلك الهجمات، لكن الميل نحو اتخاذ القرارات اللامركزية كان ملحوظا منذ عهد الإدارة الأمريكية السابقة، وتتم حاليا إعادة إرسال القرارات التي اتخذها "مجلس الأمن القومي" سابقا وفق الهرمية التنازلية إلى الأقسام المنفردة والوكالات، ومع ذلك، لا بد من نشر مبدأ "الذاكرة العضلية" المشتركة بين الوكالات -القائم على التكرار لتعزيز الكفاءة- بغية ضمان الرد السريع في حال اندلاع أزمة.
إضافة إلى التعاون في الداخل، يتعين على الوكالات الأمريكية التعاون خارجيا؛ فالشراكات بين القطاعين العام والخاص أساسية لعرقلة جهود تجنيد الإرهابيين، والترويج للدعاية، وتبادل المعلومات لدعم الهجمات. وقطعت الصناعات خطوات هائلة في جعل الفضاء الإلكتروني "المعلوماتي" أقل ترحيبا بالإرهابيين، خاصة من خلال "منتدى الإنترنت العالمي لمكافحة الإرهاب"، وهو اتحاد يضم كبرى شركات الإعلام الاجتماعي. وقد أفادت خدمات الشبكات الاجتماعية "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب" أنها تكتشف تلقائيا أكثر من 90 في المائة من محتوى الإرهاب قبل نشره.
مع ذلك، فإن زيادة الشفافية في جهود إزالة المحتوى قد تحقق مكاسب أكبر على صعيد مكافحة الإرهاب، لكن التقارير الصادرة عن شركات مواقع التواصل الاجتماعي تفتقر حاليا إلى التفاصيل حول نوع المحتوى الذي تمت إزالته وأساليب إزالته، ومن شأن تزويد الحكومة بمحتوى المنشورات، وتحديد مواقعها الجغرافية، والإسنادات التي تعتمد عليها المرتبطة بالإرهاب أن يكون مفيدا من حيث التقييم الفعال لاتجاهات الدعاية، والجماعات الجديدة / الناشئة، والداعين الرئيسين إلى التطرف، ومصداقية المؤامرات المحتملة، ويمكن بعد ذلك إعادة نقل المعلومات المعمقة إلى الشركات من أجل تحسين حلولها الحسابية. ويعد "التحالف الوطني للطب الشرعي والتدريب"، الذي يعمل في ساحة جرائم الفضاء الإلكتروني، نموذجا مثاليا لهذا النوع من العلاقات التآزرية.
أخيرا وليس آخرا، يتعين على الولايات المتحدة معالجة البعد العالمي للإرهاب، المعروف على نطاق واسع باسم "التطرف العنيف بدوافع عنصرية وعرقية". وكان عديد من الإرهابيين اليمينيين المتطرفين قد اكتسبوا طاعة دولية وكانوا مصدر إلهام لمهاجمين مقلدين. على سبيل المثال، تمت الإشادة بأندرس بريفيك الإرهابي النرويجي أو البحث عنه من جانب خمسة مهاجمين آخرين على الأقل منذ عام 2014؛ وكان ديلان روف الإرهابي الأمريكي مصدر إلهام لاثنين على الأقل منذ عام 2015؛ كما ألهم الإرهابي النيوزيلندي برينتون تارانت ثلاثة أشخاص على الأقل هذا العام وحده. ونظرا إلى أن "التطرف العنيف بدوافع عنصرية وعرقية" غير منسق من قبل منظمات هرمية ذات أيديولوجيات متجانسة، فإن تحديد المهاجمين المحتملين أمر صعب للغاية، ويتفاقم التحدي بسبب عدم وجود قانون إرهاب محلي اتحادي وما يرتبط به من تُهم الدعم المادي، فضلا عن تعقيد حرية التعبير المحمية دستوريا.
وقد أشارت الولايات المتحدة إلى بلدان أخرى كمصدرة للأيديولوجية المتطرفة منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، لكن في غياب أي مقاربة أكثر فاعلية لـ"التطرف العنيف بدوافع عنصرية وعرقية"، قد يُنظر إلى أمريكا نفسها قريبا كمصدِّر للتطرف، لذلك يجب على الحكومة الأمريكية بذل مزيد من الجهود لفهم نطاق وحجم الروابط الدولية بـ"التطرف العنيف بدوافع عنصرية وعرقية"، بما في ذلك بين الجماعات شبه العسكرية النشطة، والمنظمات الأيديولوجية، والأفراد المتطرفين، بهدف تطوير أدوات فاعلة لمواجهة هذا التهديد المتزايد، غير أنه عند صياغة تشريعات أو إصلاحات لتقديم المشتبه فيهم في إطار "التطرف العنيف بدوافع عنصرية وعرقية" إلى العدالة، يجب أن يحرص المشرعون على عدم اعتبار جميع أيديولوجيي اليمين المتطرف إرهابيين.
وعلى الرغم من الخطوات الكبيرة التي تحققت في الجهود الأمريكية لمكافحة الإرهاب على مدار الأعوام الـ18 الماضية، إلا أن البنية الأمنية الأمريكية لن تكون أبدا خالية من المخاطر. وفي ظل وجود تهديدات متنافسة من جانب الدول وغير الدول التي تتطلب اهتماما وموارد، من الضروري على القادة داخل الحكومة وخارجها أن يفكروا بترو في كيفية تحديد أولوياتهم، لتحسين مصادر مكافحة الإرهاب وتجنب عكس مكاسب مكافحة الإرهاب عن غير قصد.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من السياسية