الترفيه السعودي .. بهجة وتأثير

 الترفيه السعودي .. بهجة وتأثير

لم يكن مستغربا وإن كان مبهجا جدا الحضور الطاغي لافتتاح فعاليات موسم الرياض، فالحضور الذي فاق كل التوقعات في هذه المناسبة وغيرها من المناسبات والفعاليات السابقة التي تقيمها "الترفيه" بالشراكة مع عديد من الجهات يؤكد نجاح المنظمين في استقطاب المواطن والمقيم لفعاليات ومناسبات مهجورة سابقا. ما يبشر ببداية تقليص الإنفاق الخارجي على قطاع اقتصادي مهم. كما أنه في السياق ذاته يعد بابا مهما لتعظيم ثقافة الانتماء الوطني محليا وتعزيز القوة الناعمة خارجيا بكثير من السبل الإبداعية والفنية.
صناعة الترفيه والبهجة أمر مستحق ولا يتعارض بالضرورة مع احتياجات البلد وأولوياته، والدليل الأكبر على ذلك حجم الإنفاق الهائل الذي يبذله السائح السعودي خارج وطنه، تجاه منتجات مادية وثقافية قد لا يكون لبعضها علاقة برغباته واحتياجاته ولكنه يستهلكها في المقابل لجودة تسويقها فقط، ما يستدعي وجود بدائل بدأنا نقطف ثمار العمل عليها مع الوعد بأن يكون القادم أجمل طالما يقف ولي العهد محمد بن سلمان صانع البهجة وعراب الرؤية خلف هذا العمل الحثيث بإصرار واضح وتوجيه ودعم لامحدودين.
القطاعان الخاص والعام باتا معنيين، بسد جزئي للفجوة الطاردة في دورة الاقتصاد السعودي، التي عملت لسنوات مضت على تسرب المال المحلي عبر "منافذ خارجية"، لطالما كان الجمهور السعودي بعائلاته وشبابه هو الرقم الأصعب في تعزيز أرباحها المادية ومكاسبها الفنية والثقافية.
فالقوة الشرائية للفرد السعودي مطمع مستمر لدى كثير من الدول المجاورة والبعيدة، فيما الذائقة الفنية والسياحية المحافظة والهادفة تجعله الأقل مطلبا مقارنة ببقية الزوار والسياح من دول العالم المختلفة.
ولأن السوق الترفيهية السعودية غابت مطولا عن المناشط والفعاليات الثقافية والفنية، متأخرة في الإفادة من مواطنها السعودي، كان لا بد من وقفة صادقة وحازمة تلتفت إلى هذه الحاجات ولتفاوتها أيضا باختلاف متطلبات وقدرات الشرائح الاجتماعية السعودية. ما دعا "رؤية 2030" إلى أخذ هذا الأمر في الحسبان وتخصيص هيئة تعنى بهذا الجانب، إلى جانب تحفيز المؤسسات غير الربحية للأخذ بزمام المبادرة. فالدورة الاقتصادية لكل بلد ليست مختصة بالمال فقط كما يتصور البعض. بل بكل جوانب حياته. وهنا تبرز المقولة الأشهر: "الاقتصاد عصب الحياة". لذلك الاقتصاد معني أيضا باهتمامات المواطن الأخرى وجلبها في أطر فنية تراعي خصوصيته الثقافية من جانب، وتحافظ على تدوير العملة داخل أطرها الوطنية لتعظيم الفائدة الاقتصادية من جانب آخر.
حيث القيام على هذه الفعاليات وتطويرها مستقبلا يعني بالضرورة مزيدا من العقود المحلية التشغيلية وبالتالي مزيدا من الخبرات الوطنية البشرية على جميع المستويات الإدارية والإبداعية، فيما هذا التدوير الاقتصادي والاستقطاب السياحي هو ما يعود بالنفع العظيم على فنون البلد ومقدراته الشابة والثقافية، في ظل وجود بنية تحتية مهيأة لما هو أكثر وأجود على امتداد رقعة الوطن الجغرافية، شمالا وجنوبا، شرقا وغربا؛ والغنية دائما بمواردها الحضارية وبشعبها الذواق المحب لمختلف الفنون الإنسانية.
يبقى أن إخراج الفنون من أطرها التقليدية بل الاستغلالية الضيقة، محليا وخارجيا، إلى مساحات أوسع تحتضنها الشوارع المضيئة، والمتاحف المخصصة، فضلا عن المسارح والمراكز الثقافية النابضة بالحياة. هو ما يجعل اقتصاد الوطن بمفهوميه الثقافي والمادي، قوة تضاف إلى إمكاناته الأخرى، وهما أقل ما يستحقه الوطن وزواره ومواطنوه، خاصة شبابه الموهوبين التواقين دوما إلى التعبير بأرقى السبل وأصدقها.
 

سمات

الأكثر قراءة