السياسية

«الملالي» .. اختلاق الأزمات لضمان البقاء

«الملالي» .. اختلاق الأزمات لضمان البقاء

«الملالي» .. اختلاق الأزمات لضمان البقاء

صرحت السلطة الأعلى في إيران "الملالي" أخيرا - من خلال الموقع الإلكتروني الرسمي للمرشد الإيراني علي خامنئي - بخفض التزامات البلاد بالاتفاق النووي المبرم في 2015، حتى يصل الاتفاق إلى ما وصفه بـ"النتيجة المرغوبة"، مضيفا خلال اجتماع مع قادة الحرس الثوري "سنواصل خفض التزاماتنا"، عادًّا "المسؤولية تتحملها منظمة الطاقة الذرية، وعليها أن تنفذ التقليص على نحو دقيق وكامل وشامل، وأن تستمر إلى أن نصل إلى نتيجة مرغوبة"، جاء ذلك بالتزامن مع نشر الحرس الثوري أول لقاء إعلامي مصور ومطول لقاسم سليماني قائد فيلق القدس عبر قناة الميادين.
وكشف سليماني كثيرا من تفاصيل مشاركته المباشرة في حرب 2006 في لبنان، كما حض كبار قادة الحرس الثوري، على الجاهزية لمواجهة الأحداث الكبرى وعدم الخوف من "الأعداء"، والتمسك بالنظرة الواسعة العابرة لحدود إيران وتوسيع جبهاتها.
يسعى مرشد الملالي إلى تلميع سليماني في ظل تهميش واضح وملموس لمؤسسة الرئاسة، إذ صرح حسين طائب مدير جهاز مخابرات الحرس الثوري، بإفشال مخطط لاغتيال قاسم سليماني، وزعم إلقاء القبض على فريق الاغتيال الذي جهز بين 305 إلى 500 كيلو جرام من المواد المتفجرة ووضعها في نفق تحت الحسينية لاغتيال سليماني.
يحظى سليماني بثقة المرشد خامنئي، الذي يعده المخلص لأزمات النظام، فالبلاد لا تكاد تغادر أزمة حتى تواجه حربا، فإن خمدت نيران المدافع، اشتعلت الاضطرابات الداخلية، أو عمت الاحتجاجات، والمظاهرات، أو أطبق الحصار، أو فرضت العقوبات، وعلى الرغم من كل الأزمات التي يمر بها نظام الملالي، والاحتجاجات المتتالية التي شهدها، فإن سليماني ورفاقه يختلقون الأزمات لضمان القدرة على البقاء، والتحايل على تلك الأزمات.
عانت إيران طوال أربعة عقود من عمر الثورة الإسلامية عدة أزمات مركبة ومتداخلة ومتناسلة، على مختلف المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، بل لقد بات اسمها مقترنا في الأذهان دائما بالأزمات والصراعات والاحتجاجات والحروب، ولم يعد بالإمكان التوصل إلى فهم دقيق للحالة الإيرانية دون تفكيك هذه الأزمات البنيوية التي حكمت نظرة الإيرانيين إلى أنفسهم، وإلى العالم الخارجي.
لعل أحد أبرز مظاهر الأزمة السياسية الهيكلية في إيران، هي حالة الصراع بين مراكز القوى السياسية والاجتماعية والإثنية، وتضارب المصالح بين أركانها، في ظل التعريف المغلق للهوية الذي يتبناه النظام، علاوة على التنافس داخل النظام بين مؤسسات الثورة، ومؤسسات الدولة، ثم جاء دخول ظاهرة "الشبكات السياسية-الاقتصادية" إلى المشهد الداخلي ليزيده تعقيدا، وتأزما؛ فبعد أحداث عام 2009، بدأت تتضح مؤشرات لمغادرة النظام السياسي الإيراني مرحلة التباينات بين القوى المشكِّلة للنظام على أساس المنظومات الفكرية، والاتجاهات السياسية، والبرامج الحزبية، لمصلحة ظهور "شبكات" تقوم على خليط من الروابط العائلية، والمصالح الاقتصادية، والتقارب الثقافي-الاجتماعي.
يعكس آخر تصريح للمرشد الإيراني، علي خامنئي، بشأن مواصلة بلاده تقليص التزاماتها بالاتفاق النووي، حالة التناقض التي تطبع مواقف الساسة الإيرانيين؛ فقبل خامنئي، أعلن الرئيس حسن روحاني قبول إيران خطة باريس للمصالحة مع واشنطن، وهو ما يبرز حالة التناقض التي تلازم ساسة طهران في علاقاتهم بدول العالم، بينما تقول إيران "إنها منفتحة على الحوار مع الولايات المتحدة"، يرى خامنئي غير ذلك، إذ يعد واشنطن تحاول إذلال طهران من خلال إجبارها على الجلوس إلى طاولة التفاوض، كما ناقض الرئيس روحاني وزير خارجيته جواد ظريف، الذي هدد بأن التدخل الأجنبي في المنطقة سيتسبب في وقوع صدام عسكري، مقدما - أي روحاني - إلى الأمم المتحدة خطة للتعاون الإقليمي لضمان أمن الخليج، معلنا رغبته في التهدئة في المنطقة. تظهر المواقف المتناقضة لمسؤولي السياسة الإيرانية اللعب بأوراق متعددة في إطار مساعيها إلى التحرر من الضغوط الممارسة عليها منذ فترة، إذ إن التناقض والتخبط في المواقف ليس جديدا في السياسة الإيرانية، إلا أنها تعكس محاولة لبعثرة الأوراق، أو اللعب بها في مسعى إلى التحرر من الضغط الممارس على البلاد، اقتصاديا وسياسيا.
وتأكيدا على أن مؤسسة الرئاسة تغرد وحدها في حين يخطط المرشد خامنئي واللواء سليماني لبسط مزيد من النفوذ، تبين مضامين المبادرة ملائكية منقطعة النظير في الموقف السياسي إلايراني تجاه المنطقة، إذ تنص مبادرة "تحالف الأمل" الإيرانية، التي تسميها إيران "مبادرة هرمز للسلام"، على الدعوة إلى تشكيل تحالف إقليمي يضم: إيران، ودول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، بوصفها دولا تأثرت بالتطورات في الخليج، لضمان الأمن في المنطقة وبحر عمان، ومضيق هرمز.
قدّم روحاني تفصيلات حول المبادرة "هذه المبادرة تشمل مجالات التعاون المختلفة؛ كالعمل الجماعي لتحقيق أمن الطاقة وحرية الملاحة وتدفقها من مضيق هرمز وإليه، وأبعد منها"، مضيفا "يقوم التحالف على أسس مهمة، أبرزها: مبدأ عدم الاعتداء، وعدم التدخل في شؤون بعضنا بعضا"، مشددا "المظلة الأممية مهمة لإضفاء شرعية على التحالف، وتشكيل دولة أجنبية لمثل ذلك التحالف يعد تدخلا في شؤون المنطقة".
إلى ذلك، تعد دعوة الرئيس روحاني "إلى عدم التدخل في شؤون بعضنا بعضا"، محض هراء وكذب، إذ يدير اللواء سليماني من السفارة الإيرانية في العاصمة بغداد عمليات قمع المتظاهرين التي تشهدها مدن كثيرة في العراق في الآونة الأخيرة، إذ يُستعان بخلايا خاصة تابعة لميليشيات عراقية هي جزء من الحرس الثوري الإيراني، حيث رفع المتظاهرون في بغداد والمحافظات الجنوبية شعارات تطالب إيران وميليشياتها بالخروج من العراق، وبينها "إيران برا برا.. بغداد تبقى حرة".
يتعامل الملالي حتى يومنا هذا من منطلق "لابس ثوب الحمل"، حيث تبني فرضياتها على أن هناك "طرفا مجهولا" يهدد أمن الملاحة، ويخطف الناقلات، ويحول دون تأمين السلامة البحرية، في حين إن الحقائق تؤكد أن التصعيد في الخليج لا يخرج عن كونه ردود فعل إيرانية على العقوبات الأمريكية، وأن إيران مسؤولة عن العمليات التي استهدفت ناقلات النفط في الخليج كافة، بشكل مباشر أو عبر وكلائها، بدءا من العملية التي استهدفت ناقلة نفط في موانئ الفجيرة الإماراتية، وصولا إلى عملية "أرامكو" التي استهدفت "بقيق وخريص".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من السياسية