التعذيب بالمشي

نحب الرياضة ونحلم بالانتظام عليها، وفي لحظات صدق مع الذات نقرر أن نمارسها، فنشترك في النوادي الرياضية، ونتحمس أول فترة، ثم يخبو الحماس حتى يختفي، لنعاود الكرة بشراء آلات رياضية منزلية معتقدين أن ذلك كاف، لإجبارنا على ممارسة الرياضة، خصوصا المشي أو الجري بعيدا عن أجوائنا الحارة وهروبا من معاناة الذهاب إلى النادي، لا يكاد يخلو بيت الحالمين بالنحافة أو بتغيير نمط حياتهم إلى نظام صحي من السير الكهربائي أو "تريد ميل" دون أن يعلموا كيف بدأ هذا الجهاز ولماذا اخترع أساسا!
بدأت فكرة جهاز المشي خلال القرن الأول الميلادي في عهد الإمبراطورية الرومانية، عندما وجد الرومان أنفسهم في حاجة إلى رفع أوزان ثقيلة جدا، فابتكروا عجلة دائرية عند المشي داخلها تعمل كرافعة.
ومع تطور الحياة كانت الحاجة ملحة إلى تحريك طواحين الهواء في غياب الرياح أو ضعف المياه، لذا ابتكروا جهاز سير للحيوانات لتحرك الطواحين، ومن هنا خرج علينا المهندس الإنجليزي السير ويليام كوبيت عام 1816 الذي كان أبوه صاحب مطحنة، باختراعه لأول سير مشي بشري مستمدا فكرته من سير مشي الحيوانات في الطواحين!
ولكن لم تكن نية ويليام تسهيل ممارسة الرياضة، بل اخترعه وسيلة عقاب للسجناء، فقد كان يشعر بالاستياء من كسل السجناء وتأثير ذلك في سلوكهم العام، فقد عاش ويليام في العصر الفكتوري، عصر الثورة الصناعية الأولى في العالم التي امتدت لـ 64 عاما، حيث كانوا يربطون بين اللياقة البدنية والأخلاق، وكان مقتنعا أن التمارين القاسية ستساعد على تأديب وتهذيب سلوك المساجين!
كان جهازه عبارة عن عجلة مكونة من 24 درجة تدور حول محور أفقي يجبر السجين على الصعود فوقها وتحريك العجلة لمدة تتجاوز الست ساعات في اليوم، أي ما يعادل تسلق ارتفاع عشرة آلاف قدم، وكانت هذه العجلات تضخ المياه أو تطحن الحبوب خارج السجون، وعلى مرأى عامة الناس. استخدم سير التعذيب داخل 44 سجنا في جميع أنحاء إنجلترا، وعوقب به الروائي الإنجليزي الشهير أوسكار وايلد خلال فترة سجنه.
وبدل أن يحسن لياقة السجناء تسبب في إصابتهم بالأمراض والآلام في أسفل الظهر والساقين، ويقول أحد حراس السجن إن المرعب في الجهاز ثباته وليس شدته!
وفي عام 1898 ألغي استخدام الدواليب في السجون، ليظهر سير المشي من جديد، لكن هذه المرة في المستشفيات بغرض تشخيص أمراض القلب والرئتين. ليحوله الدكتور كينيث كوبر عام 1968 لجهاز رياضي لتحسين اللياقة البدنية!

المزيد من الرأي