دعوني و إياها ؟!

بقلم: محمد بن علي البيشي

هي محبوبة لا يمل الولهان انتظارَها، فإذا تلاقيا مرت الأوقات أسرع ، يتودد أحدهما للآخر بما استطاع ، إن تكلمت أصغى ، وإن مالت هالت ، ليس بحرامٍ على العاشق يترنم لسانــُهُ بوصفِ كوامِنِها. محبوبتي ( اللغة العربية ) لغةٌ تشرَّفتْ بتردُّدِ القرآنِ على حروفِـها ، وبـِالتفافِ معانيــِه حولَ أساليبِ بلاغتــِها ، ومن هنا سعى العربُ قديماً وبلغوا في تحقيقِ مُرادِهم من صَونِ هذه اللغةِ بجميعِ فُروعِها وأخصِّها النحو من خلالِ ما ابتدَعَهُ أبو الأسودِ الدُّؤَليُ من تقعيدِ أصولــِها وشواهِدِها ، وبما تابَعَهُ عليهُ المتأخرون من تَسْمِـيْكِ سِياجـِها ، وتعظيم شأنـها.و تتجلى مُهمَّتُنا اليوم في تجديد الميثاقِ الـمُـلقى علينا تجاهَ بنت العروبة ؛ رعايةً وتعليماً تحدُّثاً بها واعتزازاً ، لأنها ( لغتــُنا التي حفظَتْ علينا شخصيتَنا عبَر التاريخ، وربطت شعوبَ أمتِنا برِباطِها الوثيقِ، وقرَّبتْ بين أمزجةِ مواطنِينا ومشاعِرِهم ، وواءمتْ بين تقاليدِهم وأفكارِهم. وهي الحصنُ الحصينُ الذي لاذَ به العربُ طوالَ خمسةَ عشرَ قرناً ، فصان كيانـَـهُم من أن يتمزَّقَ، وحفظَ شملَهُم مِن أن يتفرَّق .. و وحَّد كلمتَهُم على دفعِ العُدوانِ كُلَّما تعرَّضُوا للعدوان. وهي مُهمَّةٌ قرآنيةٌ أَوْكَلَهَا اللهُ إلينا ؛ لأنَه باستجلابــِها والمنافحةِ عنها نَمْلِك مفتاحاً نَعِيْ بهِ التكاليفَ إذ هي : مِن الدِّينِ ، ومعرفتُها فرضٌ واجبٌ ، فإن فَهمَ الكتابِ والسنةِ فرضٌ ، ولا يُفهمُ إلا بفهمِ اللغةِ العربيةِ ، وما لا يتمُّ الواجبُ إلا بهِ فهو واجبٌ. وقد ذكر الثعالبُّي رحمه الله ما نصُّهُ ( من أحبَّ الَله تعالى أحبَّ رسولَه محمداً ، ومن أحب الرسولَ العربيَ أحبَّ العربَ ، ومن أحب العرب أحب العربيةَ التي نزل بها أفضلُ الكتبِ على أفضلِ العربِ والعجم.... والعربيةُ خيرُ اللغاتِ والألْسِنَةِ ، والإقبالُ على تفهُّمِها من الدِّيانةِ ؛ إذ هي أداةُ العلمِ ، ومفتاحُ التفقُّه في الدينِ ). أما النحوَ فهو يصونُ اللسانَ عن اللحنِ ؛ إذ غالباً ما يَصرِفُ المعنى المبتغى وينحرُ بلاغَتَه ، ويذهبُ بجمال المبنى ، فيُهان بذلك " عنترةُ وطَرَفةُ ، وابنُ آكلِ المَرارِ والحجاجُ ، والمتنبئُ والعشماوي " وقد يَعترِضُ اللحنُ الكلامَ بعذرٍ ــ وهو كثيرٌ ــ ولكن إياك وأن تجعلَه دَيْدَنــَكَ ، وعلامةً فارقةً لك ، فقد بيَّن الجاحظُ أن اللحنَ قد يكون مُحتاجاً إليه ، ولكن مِمَّن ؟؟
قال ( واللحن من الجواري الظِّرافِ ومن الكَواعبِ النَّواهدِ ومِن الشَّوابِّ الِملاحِ ومن ذواتِ الخُدورِ الغرائِرِ ، أيسرُ . ورُبَّما اِستَملَحَ الرجلُ ذلك منهن ، ما لم تكن الجاريةُ صاحبةَ تكلُّفٍ ..) .
ورغم هذه المكانة انبرى للغةِ العربية أعداءٌ هَمْهَمُوا حولَ تركيبــِها بتعقيدِهِ ، فقذفوها بالرجوع ؛ شريفةً مِنهُ جُملُها ومفردُاتها ، وحكموا عليها بالشـَّنقِ بريئةً من تُهمِهِم قواعدُ نحوِها وصرفِها ، قُضاة محكمتها "وَيْلَمُور، وليم وِلكوكس، سلامة موسى " وغيرهم ، فشدُّوا الوَثاق فلا مَنَّ ولا فِداء ، و رغمَ هذا كُلِّه تصدَّى المصلحونَ لردِّ الكيدِ الأحمرِ" الإنجليزي ، والفرنسي " وغيرهما ؛ ليحفظوا البقيةَ الباقيةَ من تراثـِـنا .
ولكن عزاءنا : أن العربية من القرآن ؛ وقال الله : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) ، ومن أبرز سبل التمسك باللغة العربية:
1. إدامة النظر في القرآن الكريم وحفظه .
2. مدارسة قواعدها وبلاغتها مع شعراء الجاهلية وصدر الإسلام .
3. اهتبال الفرص للتحدث بها ، والحديث عنها .
حفظ الله علينا ديننا ولغتنا .

العضو بالجمعية الفقهية السعودية بكلية الشريعة

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي