تهاوي النفط يدفع دول الخليج إلى ميزانيات "متحفظة جدا" في 2009
رجح اقتصاديون متخصصون في أسواق النفط أن يسهم التراجع السريع لأسعار برميل النفط مع أواخر عام 2008 إلى اعتماد دول الخليج على تقديرات متحفظة جدا لميزانياتها للعام المقبل.
وقال الاقتصاديون لـ"الاقتصادية" إن امتداد أزمة الائتمان إلى الاقتصاد الحقيقي وتقليص استهلاك الوقود في الدول الكبرى المستهلكة للنفط مثل الولايات المتحدة واليابان، وأجزاء من أوروبا تراجعا بالطلب على النفط بشكل أسرع من المتوقع وهبطا بأسعاره ما يشكل عائقا لميزانيات دول الخليج في 2009 .
واقتربت أسعار النفط من تقديرات الدول الخليجية المصدرة للنفط لأسعاره في ميزانياتها العمومية، بعد أن هبط وفق تعاملات الأمس إلى مستويات 50 دولارا للبرميل،
في مايلي مزيداً من التفاصيل:
اقتربت أسعار النفط من تقديرات الدول الخليجية المصدرة للنفط لأسعاره في ميزانياتها العمومية، بعد أن هبط وفق تعاملات أمس إلى مستويات الـ50 دولارا للبرميل، خاسرا بذلك60 في المائة من قيمته القياسية التي سجلها في تموز (يوليو) الماضي عند مستوى 147 دولارا للبرميل.
وتبعا لبيانات منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) فقد تراجع أمس سعر سلة خاماتها الـ2 بمقدار دولار و13 سنتا يوم أمس الأول الإثنين واستقر عند 47.96 دولار للبرميل بعد أن كان 49.09 دولار للبرميل يوم الجمعة الماضي.
وانخفض سعر النفط مقتربا من 54 دولارا للبرميل أمس الثلاثاء ليصل إلى مستوى جديد لم يبلغه منذ 22 شهرا بعد أن ساعدت التوقعات المتشائمة للاقتصاد العالمي على إخماد موجة قصيرة الأمد من الصعود.
وهنا ذكرت " روتيرز" " أن سعر الخام الأمريكي الخفيف للتسليم في كانون الأول (ديسمبر) انخفض 55 سنتا إلى 54.40 دولار للبرميل، وكان قد وصل في وقت سابق إلى 54.13 دولار للبرميل مسجلا أدنى مستوى منذ كانون الثاني (يناير) عام 2007، هبط مزيج برنت 55 سنتا إلى 51.76 دولار للبرميل".
يأتي هذا التراجع قبل أقل من أسبوعين من الاجتماع التشاوري للمنظمة المقرر عقده في القاهرة في 29 من الشهر الجاري، الذي سيخصص لمناقشة جملة من المسائل أبرزها التطورات الراهنة في أسواق النفط العالمية، خاصة التراجع الحاد في أسعار الخام خلال الفترة الماضية.
ووفق اقتصاديين تحدثوا لـ"الاقتصادية" فإن امتداد أزمة الائتمان إلى الاقتصاد الحقيقي وتقليص استهلاك الوقود في الدول الكبرى المستهلكة للنفط مثل الولايات المتحدة واليابان، وأجزاء من أوروبا تراجع بالطلب على النفط بشكل أسرع من المتوقع.
#3#
يقول الدكتور وليد كردي، محلل اقتصادي متخصص في أسواق النفط من لندن، إن كل المؤشرات الحالية تشير إلى أن أسعار النفط في مسار هبوط، وتعززها التقارير الاقتصادية السلبية حيال الاقتصادات المتقدمة المتأثرة بالأزمة المالية، التي ستنعكس على الاقتصادات الناشئة، وزاد" شكل ذلك تفوقا في الكمية المعروضة على الطلب في الأسواق وبالتالي تراجع الأسعار".
ولفت كردي إلى أن اجتماع أوبك المقبل في القاهرة سيعمد إلى خفض الإنتاج كحل وحيد لوقف تدهور الأسعار، وهي محاولة من المنظمة لإحداث توازن في سوق النفط، والبقاء بأسعاره عند الحدود المقبولة.
وقال" لكن على الدول الأعضاء في "أوبك" طلب المساندة من الدول المصدرة للنفط من خارج أوبك كالنرويج وروسيا التي أبدت تعاونا، وذلك بحثهم على خفض حصصهم في الأسواق".
وفي هذا الإطار يتوقع المراقبون أن يقوم اجتماع "أوبك" المقبل آخر تطورات السوق العالمية للنفط وحالة العرض والطلب ومستويات المخزونات العالمية ومدى الحاجة إلى أي إجراءات جديدة تتطلبها أوضاع السوق للمرحلة المقبلة، خصوصا في ظل التراجع المستمر لأسعار الخام على الرغم من قيام المنظمة بتخفيض إنتاجها في اجتماعها الطارئ الأخير في فينا.
وحول الظروف غير المتوقعة التي يمكن أن ترفع أسعار النفط يعود الدكتور كردي ليشير إلى أن هناك ثلاث مسائل يمكنها أن تستقر بأسعار النفط وهي المسألة الإيرانية وأي تطور عليها والقرصنة البحرية أو الكوارث الطبيعية في مناطق إنتاج النفط، ويتابع" وإلا فكل المؤشرات الاقتصادية تقول إنه في مسار هبوط".
وفيما يتعلق بمدى تأثير هبوط أسعار النفط في ميزانيات الخليج قال كردي" هناك تأثيران أحدهما على المدى القريب وهو طفيف إذ إن معدل سعر البرميل السنوي لهذا العام حتى مع بلوغه مستوى 55 دولار فإنه عند مستوى 102 دولار قياسا بمستوى 140 دولارا في يوليو (تموز) وهي ضعف تقديرات الخليجيين لأسعاره في الميزانية، البالغة في المتوسط 50 دولارا".
وأضاف" لذا فإن الخطر على المدى القصير لا يزال بعيدا، إلا أن استمرار هذا الوضع لشهور أو سنوات أكثر قد يضر بخطط التنمية التي انطلقت في تلك المنطقة حتى إنه قد يدفع الخليجيين إلى ميزانيات متحفظة جدا".
وعن توقعه لأسعار النفط قال كردي" لا أحد يستطيع في الظرف الاقتصادي العالمي الراهن التكهن بأسعار النفط أو المدى الذي سيصل إليه الهبوط، خصوصا في ظل تنامي خطر ركود اقتصادي طويل".
#2#
من ناحيته يؤكد يوسف بن عبد الستار الميمني عضو لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة في مجلس الشورى، أن تراجع أسعار النفط إلى مستوى 50 دولارا لا يزال في المستويات غير المرعبة للميزانيات الخليجية، مشيرا إلى أن تقديرات دول الخليج لأسعار النفط متحفظة للغاية وأي زيادة مبالغ فيها على الأسعار تعدها دول الخليج طارئة ولا تدرجها في تقديرات للمداخيل أو حتى حجم الإنفاق".
وأضاف" توجيهات الملك عبد الله أن تبنى الميزانية بتقديرات واقعية وعلى هذا الأساس فإن المملكة تبني ميزانيتها وبرامجها الاتفاقية على تقديرات متحفظة وتتواءم مع أي تغير يمكن أن يحدث للأسعار".
وأوضح عضو مجلس الشورى، أن الاقتصاد العالمي يمر في مرحلة تباطؤ ولكن قد يكون للإجراءات التي اتخذتها الدول المتقدمة لمعالجة الأزمة المالية سواء بشكل فردي أو بتنسيق جماعي كما حدث في قمة العشرين أثر في إعادة النمو للاقتصاد وبالتالي إعادة الاستقرار لأسعار النفط".
وحول الأدوات التي يمكن أن تستخدمها أوبك ودول الخليج لمواجهة التراجع في أسعار النفط، أوضح الميمني أن خفض الإنتاج هو الحل الوحيد الآن، وزاد" أيضا يجب أن يكون هناك جهود مشتركة بين المنتجين من أوبك وخارجها وبالتعاون مع المستهلكين لوقف تدهور الأسعار الذي أعتقد أنه عادل بين الـ 80 والـ 100 دولار".
ولفت الميمني إلى أن ظهور عوامل جديدة مثل القرصنة البحرية قد يفاقم من المشكلة، إذ إن أسوأ شيء يمكن توقعه هو الإضرار بمستوى الإمدادات في أسواق النفط جراء تنامي هذه العمليات.
ويذكر تقرير منظمة "أوبك" الدوري الصادر أمس، لشهر تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، أن المعدل السنوي لسعر السلة للعام الماضي بلغ 69.10 دولار للبرميل.
وتضم سلة أوبك التي تعد مرجعا لأوبك في مستوى سياسة الإنتاج 12 نوعا وهي خام صحارى الجزائري، الإيراني الثقيل، البصارة العراقي، خام التصدير الكويتي، خام السدر الليبي، خام بوني النيجيري، الخام البحري القطري، الخام العربي الخفيف السعودي، خام مريات، الخام الفنزويلي، جيراسول الأنجولي، واورينت الإكوادوري.
وكان وزراء نفط المنظمة نهاية الشهر الماضي قد خفض معدلات الإنتاج الفعلية بمقدار 1.5مليون برميل في اليوم اعتبارا من الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري في محاولة لمنع مزيد من تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية.
وأصبح السقف الكلي للإنتاج بموجب هذا الخفض الجديد 27.300 مليون برميل في اليوم على الرغم من قرار المنظمة خفض إنتاجها إلا أنها لا تزال تواجه صعوبة في الوقت الراهن لضبط أسعار الخام عند مستويات معقولة والحد من تراجعها في السوق بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية.
وتخشى "أوبك" من تدهور الأسعار نظرا لاحتمالات تدني الطلب العالمي خلال العام المقبل، حيث تشير تقارير وبيانات المنظمة إلى أن الطلب على الخام سيشهد مزيدا من التراجع .
وفي هذا الخصوص عزت سكرتارية منظمة أوبك أسباب التراجع الحاد في أسعار سلة خاماتها خلال الفترة الماضية إلى جملة من الأسباب من أبرزها المضاربات في السوق، وارتفاع قيمة الدولار مقابل اليورو، فضلا عما خلفته الأزمة المالية العالمية من تباطؤ في أداء الاقتصاد العالمي،
مشيرة إلى أن تقارير وبيانات المنظمة تتوقع استمرار هذا الكساد الاقتصادي خلال العام المقبل بنسب مختلفة.
وقالت سكرتارية منظمة أوبك في النشرة إن نمو الاقتصاد العالمي سيسجل تراجعا خلال العام المقبل، يصل إلى 2.9 في المائة، لافتة إلى أن الطلب على الخام تراجع خلال الربع الأخير من العام الجاري بواقع 400 ألف برميل في اليوم.
وفيما يتعلق بإنتاج الدول من خارج المنظمة خلال العام الجاري لوحظ أن إنتاج الدول من خارج "أوبك" زاد خلال العام الجاري بواقع 200 ألف برميل في اليوم مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
واستقر إنتاج الدول من خارج "أوبك" عند معدل 49.7 مليون برميل في اليوم خلال العام الجاري، متوقعا في الوقت ذاته أن يصل هذا الارتفاع خلال العام المقبل إلى 50.4 مليون برميل في اليوم، أي بواقع 700 مليون برميل في اليوم.
وحول إنتاج الدول الأعضاء في "أوبك" ذكر التقرير أن إنتاج المنظمة الحالي بلغ خلال تشرين الأول (أكتوبر) الماضي 32 مليون برميل في اليوم أي بانخفاض قدره 130 ألف برميل في اليوم عن الشهر الذي سبقه.
وفيما يتعلق بالطلب على سلة خامات أوبك الـ 12 باستثناء إندونيسيا التي انسحبت أخيرا من المنظمة أوضح التقرير أن الطلب على سلة أوبك الـ 12 وصل إلى معدل 31.8 مليون برميل في اليوم خلال عام 2008، مسجلا انخفاضا في حدود 430 ألف برميل في اليوم عن العام الماضي.
وتوقع التقرير ذاته أن يصل الطلب على خامات المنظمة إلى معدل 30.9 مليون برميل في اليوم أي بتراجع قدره 910 آلاف برميل في اليوم.
وانتهى تقرير المنظمة إلى القول إنه لا يستبعد أن تساهم التدابير الوقائية،التي اتخذتها الدول العشرون في واشنطن نهاية الأسبوع الماضي، في تحسين معدلات النمو الاقتصادي على الصعيد العالي خلال العام المقبل.