FINANCIAL TIMES

الأسواق .. «خروج بريطانيا» ترك تشوهات تصعب إزالتها

الأسواق .. «خروج بريطانيا» ترك تشوهات تصعب إزالتها

في كل شهر يجري "بانك أوف أمريكا" دراسة استقصائية يستطلع فيها آراء مديري الصناديق حول مجموعة من فئات الأصول. وإلى حد ما، تفضيلات المستثمرين ومخاوفهم مثل المواسم، تأتي وتذهب، لكن ثمة رأي واحد يسيطر على أمناء المال المهنيين منذ بعض الوقت: الابتعاد عن المملكة المتحدة.
بالنظر إلى المدى البعيد، يمكن بالتأكيد تقديم حجة بأن الأسهم البريطانية والجنيه الاسترليني يبدوان منخفضين. لكن يجب أن يقاس ذلك مقابل القول المأثور في الاستثمار: الأصول الرخيصة يمكن أن تظل رخيصة. في حالة المملكة المتحدة، ذلك مناسب بشكل خاص إذا كنا سنرى خروجا صعبا لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أو خروجا غير منظم.
الكثير من التقلبات ستظهر- ربما استفتاء آخر أو حتى انتخابات عامة - قبل احتمال أن يكون هناك أي وضوح. على الرغم من ومضات التفاؤل التي تشير إلى احتمال تمديد الموعد النهائي المحدد في آذار (مارس)، لا يمكن رفض إمكانية خروج بريطانيا من دون التوصل إلى اتفاق. لكن تأجيل اتخاذ القرار لن يؤدي بالضرورة إلى تعزيز ثقة المستثمرين بالأصول البريطانية. في الواقع، من السهل التغاضي عن العواقب على المدى الطويل، الناتجة عن الضرر الذي لحق بالاقتصاد بسبب ملحمة لا تُظهر إلا القليل من المؤشرات على الانتهاء بسرعة. الخلل الوظيفي المصاحب لذلك شوه أحد أكثر مزايا المملكة المتحدة أهمية: استقرارها السياسي.
في الوقت الذي يحلل فيه المستثمرون الأرقام المتعلقة بمزايا شراء أو بيع فئات أصول أخرى، تظل المملكة المتحدة تحتل مكانة ضعيفة للغاية في محافظ الأوراق المالية، وفقا لما تظهره بيانات بانك أوف أمريكا بشكل مستمر. مؤشر فاينانشيال تايمز 100 للأسهم الممتازة يتخلف الآن عن الأسهم العالمية ـ التي ارتدت وصعدت في العام الجديد ـ إذ ارتفع 3.6 في المائة في عام 2019، وراء فاينانشيال تايمز للأسهم العالمية، باستثناء المملكة المتحدة، الذي كسب 6.1 في المائة. متانة الجنيه الاسترليني أثرت في الحصص من الأسهم الممتازة التي تحقق إيرادات ضخمة بالعملات الأجنبية.
في المقابل، مؤشر فاينانشيال تايمز 250 الذي يعتبر أعضاؤه من الشركات متوسطة المستوى أكثر تمثيلا لاقتصاد المملكة المتحدة، ارتفع 7.2 في المائة على أمل أن طلاقا أكثر نعومة سيتحقق. بفضل الارتفاع المتواضع للجنيه هذا العام، سيستمتع المستثمر المرتكز على الدولار في مؤشر فاينانشيال تايمز 250 بربح 8.4 في المائة، في حين تبلغ العوائد المقومة باليورو 9.4 في المائة للمؤشر المرجعي.
وفقا لريتشارد كولويل، رئيس الأسهم البريطانية في شركة كولومبيا تراينيدل إنفستمنتس "المستثمرون العالميون قلصوا مقتنياتهم من الأسهم البريطانية على نحو جعلها تقريبا مثلما كانت خلال الأزمة المالية في 2009/2008، عندما كانت المصارف معسرة فنيا".
إذن، هل تعني السلبية أن المستثمرين العالميين يخاطرون بفقدان الأرباح في الأيام الأولى من الانتعاش الحقيقي في الأسهم البريطانية المتراجعة؟ حدث ذلك قبل الانتخابات الرئاسية الفرنسية في عام 2017 عندما كانت المخاطر السياسية تُقلق المستثمرين، لكن بعض صناديق التحوط اشترت الأسهم المحلية وكوفئت على جسارتها.
منذ استفتاء عام 2016، كانت حظوظ العملة تشكل قمة "تداولات بريكست"، مع خطر حدوث انخفاض حاد في الجنيه، حتى من المستويات الرخيصة تاريخيا، ما جعل المستثمرين الكبار قلقين.
خلال عصر ما بعد نظام بريتون وودز وفترة أسعار الصرف العائمة، لم يضعف الجنيه الاسترليني لفترة طويلة. فقط خلال منتصف الثمانينيات كان الجنيه الاسترليني عالقا تحت مستوى 1.40 دولار، وهو ما أظهر ارتفاع الدولار الأمريكي خلال الطفرة التي حدثت في عهد ريجان. بالنظر إلى أن مستويات التضخم والبطالة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة متشابهة إلى حد ما، فإن الضعف الذي طال أمده في الجنيه الاسترليني يبرز مدى تكلفة المخاطرة التي جلبها "خروج بريطانيا". لا تزال أسعار الفائدة على السندات لأجل عامين في المملكة المتحدة أقل كثيرا من أسعار الفائدة على سندات الخزانة الأمريكية قصيرة الأجل، لأن سيطرة بنك إنجلترا تبقى مُقيّدة فيما يتعلق بأسعار الفائدة.
بالنسبة إلى أولئك الذين يقيّمون التعرض لعملة المملكة المتحدة، نتيجة "خروج بريطانيا" تظل ثنائية بالنسبة إلى الجنيه الاسترليني وحتى بالنسبة إلى المتداولين الذين يتوقعون حدوث ارتفاع في حالة تمديد المادة 50، وثمة سبب وجيه للحذر. أما بالنسبة إلى كل القائلين بمتانة الجنيه الاسترليني، فلم يكن قادرا على الإغلاق فوق 1.30 دولار خلال شهرين ماضيين. خروج بريطاني صعب من الاتحاد الأوروبي سيجعل الجنيه الاسترليني يتجه نحو 1.20 دولار وإلى مستوى التعادل مقابل اليورو. على النقيض من ذلك، تمديد المادة 50، مصحوبا بدفعة في البرلمان نحو خروج أكثر نعومة، أو حتى استفتاء ثان، قد يجعل سوق العملات المهيأة للارتفاع تعود إلى 1.40 دولار.
"الاستراتيجية الاستثمارية هي شراء الجنيه الاسترليني حالما تتشكل في البرلمان البريطاني الأغلبية حول خطة عمل لمواجهة خروج بريطانيا بدون اتفاق"، بحسب دوفال جوشي، من شركة بي سي أي ريسيرش.
السؤال الكبير هو ما إذا كان هذا يكفي لجذب جدار من المال العالمي إلى المملكة المتحدة مرة أخرى. من المؤكد أن هناك شركات بريطانية جيدة تم تشويه أسعار أسهمها بسبب حالة "خروج بريطانيا" الدرامية. مع ذلك، الحقيقة القاسية هي أن العملية المطولة تركت تأثيرا سلبيا في سمعة المملكة المتحدة.
هذه الدراما الفوضوية تأتي في الوقت الذي تؤثر فيه منطقة اليورو المتباطئة في الاقتصاد العالمي. في حين أن المملكة المتحدة وبقية دول الاتحاد الأوروبي منقسمة حول "خروج بريطانيا"، إلا أن ما يشتركان فيه هو أسواق الأسهم الرخيصة. ما لم ينحسر عدم اليقين الاقتصادي والسياسي، فإن المستثمرين سيتساءلون، محقين، عن مزايا زيادة تعرضهم لمخاطر كل من أوروبا والمملكة المتحدة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES