صناعة السيارات البريطانية مهددة بالانهيار .. تراجع حاد للإنتاج والاستثمارات وتسريح آلاف العمال

صناعة السيارات البريطانية مهددة بالانهيار .. تراجع حاد للإنتاج والاستثمارات وتسريح آلاف العمال

فيما تعد صناعة السيارات البريطانية واحدة من الركائز الاقتصادية التاريخية في البلاد، يواجه القطاع تراجعا حاد في الإنتاج والاستثمارات، فضلا عن تسريح آلاف العمال، ما يهدد الصناعة بالانهيار.
وشهدت شوارع العاصمة لندن السيارات لأول مرة في تسعينيات القرن التاسع عشر، إلا أنها كانت سيارات مستوردة.
واعتمدت أول سيارة بريطانية الصنع على محرك مستورد من ألمانيا عام 1895، لتقوم بريطانيا لاحقا بتصنيع محركات السيارات وتشتهر بتصنيع مجموعة من أكثر السيارات شهرة في التاريخ مثل رولز رويس وبنتلي وأستون مارتن وجاكور ولندروفر وغيرها.
وفي عام 1958 احتلت المملكة المتحدة المركز الثاني في إنتاج السيارات عالميا بعد الولايات المتحدة الأمريكية، لكن بحلول عام 2008 كان ترتيب بريطانيا الثاني عشر على مستوى العالم في إنتاج السيارات، حيث بلغ إجمالي عائد صناعة السيارات البريطانية في ذلك التاريخ 52.5 مليار جنيه استرليني، من بينها 26.6 مليار دولار من عمليات التصدير.
وضمنت الصناعة 180 ألف فرصة عمل مباشر، بينما يعمل 640 ألف عامل بشكل غير مباشر للإمداد باحتياجاتها المختلفة، لكن التراجع كان السمة التي أصابت تلك الصناعة في مراحل لاحقة. 
ففي شهر يوليو الماضي تراجع الإنتاج البريطاني من السيارات بنحو 11 في المائة، وانخفض المتاح للسوق المحلية بنحو 35 في المائة.
ويقول لـ "الاقتصادية" ديفيد سيمز نائب رئيس قسم المتابعة في اتحاد منتجي السيارات البريطانية "التراجع الراهن تحكمه مجموعة من العوامل، أبرزها التغيرات التي تجريها الصناعة على التصاميم الجديدة، وكذلك على عمليات التحديث المتعلقة بالغازات المنبعثة من المحركات، وربما كان ذلك السبب في إنتاج بريطانيا 955500 سيارة فقط خلال الأشهر السبعة الأولى من هذا العام، بتراجع بلغ 16 في المائة، وبانخفاض في مجال التصدير بنحو 1.2 في المائة، وفي شهر يوليو الماضي - لم تصدر بيانات شهر أغسطس بعد - كانت الهزة ملموسة بشكل واضح، إذ لم تنتج بريطانيا غير 121051 سيارة وتراجعت السيارات المتاحة للتصدير بنسبة 4.2 في المائة".
ويضيف" الخروج من الاتحاد الأوروبي ستكون له تداعيات متعددة على الاقتصاد البريطاني ككل وعلى صناعة السيارات على وجه التحديد، ولضمان النمو المستقبلي فالصناعة في حاجة إلى مزيد من الشفافية والوضوح السياسي والاقتصادي وتوسيع الأسواق المستهلكة للسيارات البريطانية". 
ويعد البحث عن أسواق جديدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أحد المحاور الرئيسية التي يبذل منتجو السيارات البريطانية، جهودا حثيثة لاكتشافها وتوسيعها. 
وتعتمد صناعة السيارات في المملكة المتحدة بشكل كبير على الأسواق الأوروبية، التي تعد أكبر أسواق الصادرات البريطانية في هذا المجال، فبريطانيا تصدر بصفة عامة معظم إنتاجها من السيارات، لكنها في الوقت ذاته مستهلك رئيسي للسيارات الأجنبية، حيث إن 86 في المائة من السيارات الجديدة في بريطانيا سيارات مستوردة، 69 في المائة منها من الاتحاد الأوروبي.
يعتقد الباحث الاقتصادي ستيفن براين أن صناعة السيارات البريطانية ستشهد تراجعا قد يعرضها للانهيار، إذا ما خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون التوصل إلى اتفاق واضح بينها وبين الأوروبيين حول الرسوم الجمركية.
ويشير براين إلى أن تراجع صناعة السيارات البريطانية سواء تمثل في تسريح آلاف العمال، أو انخفاض حاد في الصادرات، أو تقلص العائدات والأرباح سيؤدي حتما إلى هجرة عديد من المصانع المنتجة من بريطانيا إلى أماكن أخرى في أوروبا أو القارة الآسيوية وبدرجة أقل إفريقيا. 
ويقول "إنتاج السيارات البريطانية يمثل تقريبا 10 في المائة من إجمالي الناتج الصناعي البريطاني، وهو ما يجعلها واحدة من الساحات الرئيسية للصراع الدائر بخصوص خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وإذا ما خرجت بريطانيا من النادي الأوروبي دون اتفاق، فإن الضرائب المفروضة على صادرات بريطانيا من السيارات إلى الاتحاد ستبلغ 10 في المائة، وهذا يعني عمليا افتقادها القدرة على المنافسة مع نظيرتها الألمانية أو الإيطالية أو الفرنسية". 
ويضيف "الشركات الكبيرة في مجال تصنيع السيارات تمتلك قدرة لا بأس بها من التعامل مع قضايا التجارة الدولية المعقدة، لكن الشركات البريطانية الصغيرة التي يعتمد نشاطها الاقتصادي على كونها سلسلة التوريد لتلك الصناعة، ستكون معرضة لخطر كبير وخسائر ضخمة".
ويشير بعض المختصين إلى أن أحد الملامح الرئيسية لصناعة السيارات البريطانية في الوقت الراهن، أن ملكيتها تعود الآن إلى رؤوس الأموال الأجنبية، فشركة BMW تمتلك كلا من شركة ميني ورولزرويس، بينما تمتلك شركة تاتا الهندية كلا من جاكور ولند روفر. 
ويعد هذا بلا شك دليلا على جاذبية صناعة السيارات البريطانية رؤوس الأموال الأجنبية، إلا أن البيانات المتاحة عن العامين الماضيين تشير بشكل واضح إلى أن الموقف الايجابي التقليدي لرؤوس الأموال الأجنبية تجاه تلك الصناعة آخذ في التغيير، وربما يزداد ذلك بوتيرة متسارعة في أعقاب الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي.
ألين روس نائبة المدير التنفيذي لاتحاد الصناعات البريطانية تقول لـ "الاقتصادية"، "إنه في العامين الماضيين تراجعت الاستثمارات الأجنبية في صناعة السيارات بمقدار النصف تقريبا، ما أدى إلى انخفاض الإنتاج لأول مرة منذ ثماني سنوات، حيث إنه خلال العام الماضي بلغت الاستثمارات 1.1 مليار جنيه استرليني، مقابل 1.7 مليار عام 2016 و2.5 مليار عام 2015".
وتوقعت أن تنخفض الاستثمارات أكثر هذا العام، ما انعكس ذلك على الإنتاج بشكل ملحوظ، ففي عام 2017 انخفض الإنتاج بنسبة 3 في المائة، وهو أول تراجع منذ الأزمة الاقتصادية عام 2008، وسبب التراجع يعود إلى انخفاض الطلب المحلي وتقلص الصادرات، حيث انخفضت المبيعات بما يقارب 5.7 في المائة أي ما يعادل 2.5 مليون سيارة.
في ضوء تلك التحديات يخطط بعض منتجي السيارات وفي مقدمتهم شركة Aston Martin إلى زيادة معارضها في الصين خلال خمس سنوات إلى 20 ضعفا، حيث تعد الصين حاليا أكبر سوق لاستهلاك السيارات في العالم، والأسرع نموا فيما يتعلق باستهلاك السيارات الفاخرة في شرق آسيا. 
ويراهن البعض على أن التوسع البريطاني في الأسواق الصينية ربما يكون الطريقة الوحيدة التي تسمح للمملكة المتحدة بمواجهة التحديات الناجمة عن تراجع حصتها في الأسواق الأوروبية، والوصول بإجمالي الإنتاج إلى مليوني سيارة بحلول عام 2020، لتتجاوز بذلك أعلى إنتاج حققته في تاريخها، عندما أنتجت 1.92 مليون سيارة عام 1974.

الأكثر قراءة