هنري فورد.. من الزراعة إلى إمبراطورية السيارات
يصلح (هنري فورد) مؤسس شركة (فورد) الشهيرة لإنتاج السيارات لأن يكون مثالا ممتازا للعصامية والإرادة التي تحقق في النهاية نجاحا مبهرا ليس على مستوى مدينة أو دولة فحسب وإنما على مستوى العالم بأجمعه، فمن منا لم يسمع بشركة فورد ومن منا لم يستمتع بقيادة أو ركوب إحدى سيارات فورد التي أنتجتها عبقرية شاب تحدى كل الصعاب ليحقق أحلامه وطموحاته.
هنري فورد الذي ولد في الولايات المتحدة عام 1863 لأبوين مهاجرين من أصول إيرلندية، لم يكن من أسرة تعمل في الصناعة وإنما على العكس من ذلك كانت بعيدة كل البعد عن القطاع الصناعي ككل، حيث كان والده يعملان في مزرعة صغيرة يمتلكانها في القرية، وحاولا أن يجذبا الصغير هنري لكي يعمل فيها بيد أنه كان كثير الكسل ولا يطيق العمل في المزرعة، وكان نظره يرنو دائما إلى العمل في الآليات الصغيرة من الساعات والتراكتورات وكل ما يتصل بالميكانيكا التي اكتشف شغفه بها، ولاحظت الأم أن ابنها لن ينجح في الأعمال الزراعية، ولذلك صرفت النظر عن تعنيفه كلما أبدى تذمرا في العمل في المزرعة وبدأت تسمح له بممارسة هواياته في تصليح الساعات وغيرها من الآليات الصغيرة، وكل أملها أن ينجح في هذا الجانب ويعوضها عن عدم اهتمامه بأمور المزرعة، والتقط هنري هذا الخيط من أمه وبدأ يهتم أكثر وأكثر بهوايته وبعد ثلاث سنوات من الكر والفر مع العائلة وجد هنري عملا في محل ميكانيكي في القرية الواقعة في ولاية ديترويت، وهناك كان الصبي مع موعد مع القدر حيث تعلق عقله وقلبه بالآلة البخارية (المحرك البخاري) وكان يجلس بالساعات وهو ينتظر مرور القطار البخاري ليسأل سائقه الأسئلة تلو الأخرى حول طريقة عمله، ولذا صمم الفتى هنري أن ينضم لورشة أكبر حجما يكون في استطاعتها الإشراف على إصلاح أعطال المحركات البخارية، ومع مرور الأيام بدأ هنري يعرف الكثير عن المحركات البخارية، وتصادف يوما أن التقى زميلاً قديماً له، وأدت هذه الصدفة لاحقا إلى أن يتوظف كمهندس في شركة للكهرباء وهناك سرعان ما بزغت موهبة هنري في الفهم السريع لكل ما يتعلق بالميكانيكا والكهرباء فأصبح خلال سنوات قليلة رئيسا للمهندسين في الشركة، وكان يمضي أوقات فراغه في الشركة في محاولة تصنيع محرك صغير وبعد مجموعة كبيرة من المحاولات نجح هنري في محاولته بمعاونة أحد زملائه، وطورا الأمر بعد ذلك لسيارة متكاملة، وفي صباح أحد أيام حزيران (يونيو) 1896 كانت سيارة هنري تسير في شوارع ديترويت، لافتةً الأنظار بحجمها الضخم وغرابة شكلها وتصميمها، واستخدم هنري تلك السيارة لفترة من الزمن قبل أن يبيعها لكي يصنع سيارة أخرى أقل منها حجما، لكنه واجه هنا وضعا حرجا إذ كانت الشركة التي يعمل فيها في الصباح غير مرتاحة لنشاطاته في صناعة السيارات وحاولت أن تصرفه عن هذا التفكير بترقيته إلى منصب المدير العام شريطة أن يترك عمله في السيارات، لكن هنري وبعد تفكير طويل رأى أن الأنسب له أن يستقيل ويبدأ في تأسيس مصنع خاص به، لكن من أين له بالأموال وهو في بدايات الثلاثينيات من عمره؟ وأخذ يجول على أصدقائه ومعارفه باحثا عن دعم أو سند حتى وجد ضالته أخيرا عند أحد تجار الخشب الذي استمع إليه ووافق على تمويله، فشرع هنري فورد من فوره في العمل في الشركة الجديدة وأصبح كبير المهندسين فيها، لكن لم تسر الأمور كما ينبغي لها في الشركة الجديدة حيث فشلت الشركة في تعويض خسائرها الكبيرة في شراء المعدات وبقية مستلزمات التأسيس خاصة أن الشركة لم تتمكن خلال عام ونصف العام سوى من تصنيع سيارات قليلة العدد، فاجتمع الشركاء وقرروا تصفية الشركة ومرة أخرى وقع هنري في مأزق صعب حيث انقطع مصدر الراتب والدعم وبدأ يحاول إقناع مجموعة من شركائه القدامى لتأسيس شركة تعمل في تصنيع سيارات السباق، وبعد لأي وافق عدد منهم وأنتجت الشركة مجموعة من سيارات السباق كان يقود هنري إحداها ويشارك في السباقات بنفسه، ونجح فورد نجاحا منقطع النظير وأصبحت شهرته واسعة في مدينة ديترويت، وبدأ يفكر في الدخول في مشروعات جديدة، وابتكر فكرة تسويق سياراته في صالات مخصصة للعرض وكان أهالي ديترويت موعودين بأول صالة عرض في العالم، وبالتوازي مع ذلك بدأ هنري فورد مستفيدا من أخطائه السابقة في زيادة أعداد السيارات التي يصنعها في الشركة سنة بعد أخرى حتى وصلت في إحدى السنوات إلى 600 سيارة كما أنه بدأ يخفض في أسعار هذه السيارات حتى تكون في متناول يد أكبر عدد ممكن من الناس، وفي سنة 1905 قفز عدد السيارات التي صنعها هنري فورد إلى أكثر من عشرة آلاف سيارة باع الواحدة منها بسعر 400 دولار فقط، مما جعل الناس (يتهافتون) عليها، ولم يكن الشركاء راضين بهذه الأسعار المخفضة للسيارات ورأوا أنها تقلل من أرباحهم، فعرض عليهم هنري أن يشتري 85 في المائة من أسهم الشركة، حتى يكون في منأى من أية انتقادات أو وصاية ومنذ ذلك التاريخ انطلق فورد في تحقيق أحلامه بالطريقة التي يريدها، وفي ظرف سنوات قليلة أصبح إنتاج شركة فورد عن السيارات يصل إلى الملايين في العام الواحد، وعندما توفي فورد في عام 1959 أنتجت شركته السيارة رقم 50 مليون وكان الملايين من الناس يستقلون سياراته في جميع دول العالم.