"والله جعل لكم من بيوتكم سكناً"(سورة النحل الآية رقم 80 )

[email protected]

في جزء الآية الكريمة المتصدرة لهذا المقال يذكر الله سبحانه وتعالى في معرض الامتنان على عباده ما جعل لهم من سكن في البيوت التي يأوون إليها، ويعيشون فيها، وينتفعون بها بسائر وجوه الانتفاع. فالمسكن دنيا الإنسان يقضي فيه معظم حياته، حيث يقضي الإنسان العامل داخل مسكنه ما بين 12 إلى 16 ساعة كل يوم، وتزداد هذه الساعات بالنسبة لربَّة البيت والأطفال وكبار السن، وهو ما يدل على أهمية العناية بتصميم المساكن، وتمكين الأسر من الحصول عليها ليس فقط للسكن ولكن لحصولها على السكينة والاستقرار النفسي والاجتماعي.
إن المسكن يتميز عن كثير من السلع بخصائصه الاجتماعية والاقتصادية ومعانيه الرمزية، وتأثيره القوي في مستوى الجودة المعيشية؛ فحصول الأسرة على المسكن الملائم الذي يوفر لها الراحة النفسية، ويحقق احتياجاتها الاجتماعية، ويوفر متطلباتها المعيشية، ويمنحها الحماية من العوامل المناخية؛ يعد من المتطلبات الرئيسية في الحياة المعاصرة؛ خصوصاً إذا تم الحصول عليه ضمن إمكانيات الأسرة ومقدرتها المالية.
إن المسكن لم يعد مأوى للحماية فقط من العوامل الطبيعية والمؤثرات المناخية والمخاطر الطبيعية (مثل: الكهوف السكنية أو الخيام أو عشش وأكواخ القبائل البدائية في الغابات). فالمسكن المعاصر، إضافة إلى وظيفته في توفير الحماية من الحر والبرد والرياح والأمطار؛ يجب أن يوفر كذلك متطلبات ثقافية واجتماعية ذات أبعاد نفسية تشتمل على الإحساس بالأمان والاستقرار والمكانة الاجتماعية للأسرة، كما يجب أن يوفر المسكن المتطلبات المعيشية اليومية لأفراد الأسرة؛ من أماكن للجلوس أو الاسترخاء، واستقبال الضيوف، والعناية بالأطفال، والنوم، والدراسة، والطبخ، والأكل، والنظافة الشخصية، وقد يحوي في بعض الحالات أماكن للعمل. وبهذا يصبح المبنى مسكناً له معانٍ تزيد في قيمته وجوهره عن كونه مأوى للحماية من العوامل الطبيعية، من خلال مجموعة من عمليات التشكيل والتحول المستمر التي يقوم بها السكان؛ ابتداء من مراجعة الرسومات وتعديل التصميم مع المهندس المعماري، مروراً باختيار الألوان ومواد الإنهاء وتوزيع الأثاث وما يعقبها من طريقة استخدام العناصر والفراغات، وانتهاء بمجموعة من الأحداث والذكريات الخاصة بكل فرد من أفراد الأسرة.
ويجب أن لا نغفل عن أن امتلاك المسكن هو الهاجس الذي يسيطر غالباً على أحلام الأسرة، كما أنه الرباط الاجتماعي الذي يوثق علاقة الأسرة بالحي وبكامل المجتمع، ويساهم – من ثم - في رفع مستوى الحي؛ نظراً لبقاء السكان فيه لفترة طويلة. وينتج أيضاً عن امتلاك المسكن منفعة ومردودا اقتصاديا على الأسرة؛ خصوصاً إذا تمت الاستفادة من المسكن بوصفه عنصراً استثمارياً مربحاً يمكن أن ينتج دخلاً إضافياً للأسرة.
لذا يتعين على جميع المعنيين بتوفير المساكن من مهندسين معماريين ومستثمرين في التطوير الإسكاني وغيرهم؛ العناية بتصميم المساكن التي تحقق جميع المتطلبات النفسية والاجتماعية والاقتصادية للأسر المستهدفة، والعمل على تلمس احتياجاتهم ورغباتهم وطموحاتهم الآنية والمستقبلية في جميع مراحل التصميم المعماري للوحدات السكنية والتصميم العمراني للمشاريع الإسكانية، بل إن دعوة السكان المستهدفين بتلك المشاريع للمشاركة في طرح الأفكار التصميمية ومناقشتها وتطويرها؛ يعد من الأساليب الإيجابية لضمان تقديم مشاريع إسكانية ناجحة.

أستاذ العمارة والإسكان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي