لماذا تتفق واشنطن والقاعدة حول رواية هجمات سبتمبر؟

drashwan59@yahoo .com

أعوام سبعة مرت على الهجمات المفاجئة التي استهدفت برج التجارة العالمي في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية في واشنطن، تغير فيها وجه العالم وبخاصة ما يقع منه في الجزء الإسلامي والعربي. تغير العالم وصارت بلداننا العربية والإسلامية غير تلك التي كنا نعرف قبل الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، ومع ذلك فالشيء الوحيد الذي لم يتغير خلال تلك الفترة هو تلك الرواية المتعلقة بطريقة وقوع هذه الهجمات والجهة المسؤولة عنها. فبعد ساعات قليلة من انهيار البرجين في نيويورك وتحطم أحد أجنحة البنتاجون وحتى اليوم اعتمدت الإدارة الأمريكية، وتبعها في ذلك معظم حكومات العالم وأجهزة إعلامه، رواية واحدة بسيطة وواضحة لما جرى مفادها أن 19 شاباً عربياً منتمين لتنظيم القاعدة قاموا باختطاف أربع طائرات ركاب مدنية وفجروها في البرجين والبنتاجون. وبعد أسابيع قليلة من نفي قادة القاعدة وعلى رأسهم أسامة بن لادن على الاتهام الأمريكي للتنظيم بالمسؤولية عن الهجمات، توالت طوال الأعوام السبعة تصريحات وشرائط مرئية وصوتية وكتابات من جانب نفس هؤلاء القادة وغيرهم، تؤكد مسؤولية تنظيمهم عن الهجمات التي صارت تعرف في قاموسهم بغزوة أيلول (سبتمبر).
طوال تلك السنوات السبع بدا واضحاً أن الطرفين الرئيسيين للصراع الأكبر الدائر على المستوى العالمي، أي الإدارة الأمريكية وتنظيم القاعدة، يختلفان بل ويتناقضان في كل شيء عدا اتفاقهما على روايتهما الرسمية المعتمدة لما جرى يوم الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 بنفس التفاصيل التي كان للطرف الأمريكي السبق الزمني في الإعلان عنها. وبدا هذا الموقف غريباً ولافتاً حتى اللحظة، فكافة التفاصيل التي يذيعها أحد الطرفين حول ما جرى في هذا اليوم وتلك الساعات القليلة التي غيرت وجه العالم، يسارع الطرف الثاني لكي يؤكدها وقد يزيد عليها تفاصيل أخرى تزيد من وضوحها وتؤكد نفس المعاني التي أراد الطرف الأول توصيلها من خلالها. وما بدا أكثر غرابة ولفتاً للنظر فيما يخص تلك التفاصيل أن مصدرها جميعها ومصدر تلك الرواية الوحيدة المعتمدة عالمياً لما جرى يوم الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، ظل دوماً هو الطرفين المتصارعين وحدهما دون وجود أي مصادر أخرى من أي دولة أو جهة أمنية غير أمريكية أو جماعة أخرى غير القاعدة، على الرغم من تداخل معظم دول العالم وأجهزته الأمنية وعديد من الجماعات والحركات الإسلامية في هذا الملف خلال السنوات السبع المنصرمة، وهو ما أعطى تلك الرواية سمة "احتكارية" دفعت الكثير من المراقبين والمتابعين إلى طرح تساؤلات وشكوك كثيرة وجادة حول صدقها ودقتها.
والحقيقة أن تزايد هذه التساؤلات والشكوك حول حقيقة ما جرى في ذلك اليوم خلال السنوات السبع التي مضت نبع أساساًَ من الملاحظات السابقة، التي بدت غير طبيعية في ظل ما هو معروف من وجود اختلافات كبيرة أو صغيرة بين الفرقاء والمتصارعين على مستوى العالم وخلال تاريخه الحديث حول حقيقة الأحداث الرئيسية التي فجرت صراعاته وأزماته الكبرى، سواء كانت الحرب العالمية الأولى أو الثانية أو أزمة الصواريخ الكوبية أو العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 أو العدوان الإسرائيلي في حزيران (يونيو) 1967 أو الغزو العراقي للكويت عام 1990 أو الحروب الهندية - الباكستانية أو حتى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وغيرها من صراعات وأزمات دولية كبرى. كذلك، فإن إصرار الإدارة الأمريكية - حتى اليوم - على عدم السير في التحقيق حول حقيقة ما جرى في ذلك اليوم في المسارات والقنوات القضائية والقانونية الطبيعية المعتمدة في النظام القضائي الأمريكي لمحاكمة المتهمين في مثل تلك الجرائم الكبرى، والاكتفاء بإجراء تحقيقات وبعض المحاكمات الجزئية السرية في قاعدة جوانتانامو العسكرية بعيداً عن رقابة الرأي العام وأهالي الضحايا وهيئات الدفاع، أكد لكثير من الناس أن ثمة "أسرار" و"فجوات" كبرى في الرواية الرسمية لا تريد الإدارة الأمريكية - والقاعدة معها - أن تظهر فتحطم هذه الرواية المعتمدة. فقد تحولت هجمات سبتمبر على يد الإدارة الأمريكية بالتشارك مع القاعدة من "حادثة جنائية" كبيرة أدت إلى قتل نحو ثلاثة آلاف شخص وتدمير ممتلكات خاصة وعامة كان من الطبيعي أن يكون القضاء هو المكان الأول الذي يحاكم المسؤولون عنها فيه، إلى "واقعة سياسية" سعى الطرفان إلى استغلالها كل بطريقته من أجل تعظيم مكاسبه ومصالحه السياسية والعسكرية على حساب الطرف الآخر.
وهنا بالضبط يظهر المنطق الذي كمن طوال السنوات السبع الماضية وراء التوافق الغريب والاستثنائي بين طرفي الصراع حول الرواية الرسمية لما جرى يوم الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). فهذه الرواية تحقق للإدارة الأمريكية مصلحة مباشرة في تقديم العدو الجديد بصورة ضخمة تبرر حشدها للرأي العام الداخلي والعالمي وراء قراراتها وسياساتها الكبرى التي اقتحمت بها العالم كله، كما تبرر لها تعبئة الموارد المالية الهائلة التي استخدمتها في تنفيذها. وعلى الجانب الآخر، كان - وما زال - من مصلحة تنظيم القاعدة أن يقدم نفسه لأعضائه ومناصريه باعتباره قوياً وقادراً على مواجهة عدوه - الدولة الأقوى في العالم - وإصابته بضربات موجعة في عقر داره، وهو ما تمثله له هجمات أيلول (سبتمبر) 2001. أما غير ذلك من أسباب وعوامل وراء ذلك التوافق الغريب والاستثنائي بين الإدارة الأمريكية والقاعدة حول حقيقة ما جرى منذ سبع سنوات، فسيظل على الأرجح في طي الكتمان لسنوات وربما لعقود لن تكون بالقطع قصيرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي