حماية الشريعة الإسلامية للصحافيين أثناء النزاعات المسلحة

لقد سبقت الشريعة الإسلامية قواعد القانون الدولي الإنساني في مجال حماية المدنيين وضحايا الحروب؛ حيث أقرت عدداً من المبادئ العامة يُمكن اعتبارها مرتكزاً لحماية الصحافيين والإعلاميين من الاعتداءات التي يُمكن أن تقع عليهم أثناء النزاعات المسلحة، منها: مبدأ التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين؛ مبدأ المعاملة بالمثل مع التمسك بالرحمة والفضيلة؛ مبدأ حُسن معاملة أسرى الحرب؛ ومبدأ احترام الأعراض وعدم انتهاكها.
فإذا اقتصرنا على مبدأ التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين فقط فيمكن القول إن هذا المبدأ يُقدم حماية فاعلة للصحافيين والإعلاميين أثناء النزاعات المسلحة؛ إذ إن الشريعة الإسلامية لا تُجيز أن توجه الأعمال القتالية إلا إلى الأشخاص القادرين على حمل السلاح والقتال أو الذين تم إعدادهم لهذا الغرض؛ أما المدنيون الذين لم يتم إعدادهم للقتال بالفعل أو لم تؤهلهم طبيعتهم لذلك، ولم يكونوا من المدبرين أو المخططين للقتال فإنهم يخرجون من دائرة المقاتلين فلا يجوز قتالهم وتوجيه الأعمال العسكرية إليهم، وهذا يسري على الصحافيين والإعلاميين بصفة عامة، لأنهم في الأصل لا يُشاركون في الأعمال القتالية، ولم يتم إعدادهم للقتال، وليسوا من المدبرين والمخططين له. وبذلك تنحصر إباحة القتل في رجال العدو القادرين الذين يدخلون بالفعل في ميدان القتال فالمحارب في الإسلام هو من كان صالحاً للقتال، سواء اشترك فيه أو لم يشترك.
ويُستفاد هذا الحكم من قوله تعالى في كتابه الكريم:" وقاتلوا في سبيل الله الذين يُقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يُحب المعتدين", حيث بينت الآية الكريمة المُراد بالحرب المشروعة في الإسلام، ثم أفادت أيضاً أن أعمال القتال يجب ألا توجه إلا للمقاتلين، أي يجب ألا تتجاوز أهدافها التي تتمثل في دفع العدوان؛ كما أفادت أن مجاوزة هذه الأهداف تُعد عدواناً في ذاته لا يُحبه الله تعالى ولا يرضاه فأعمال القتال يجب أن تكون ضد المُعتدين الذين يُقاتلون ويُباشرون القتال مُباشرة فعلية، ومن ثم فإن تعدى القتال غير هؤلاء من المدنيين غير المقاتلين عُد ذلك عدواناً منهياً عنه بصريح نص الآية الكريمة.
كما فرقت الشريعة الإسلامية بين الأهداف العسكرية والأهداف المدنية، وأوجبت حماية الأهداف المدنية، حيث يبدو هذا جلياً في وصايا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لجيش أرسله؛ قال لجنوده: "انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى بركة رسول الله، لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً، ولا صغيراً ولا امرأة، ولا تغلوا، وضعوا غنائمكم، وأصلحوا، وأحسنوا إن الله يُحب المحسنين"؛ وقوله: "سيروا باسم الله في سبيل الله، وقاتلوا أعداء الله، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تنفروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً"؛ وقال صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد: "لا تقتلوا ذرية ولا عسيفاً" والعسيف: العامل المنصرف للزراعة أو نحوها.
ومن وصاياه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأسامة بن زيد وهو على رأس جيش: "سيروا باسم الله في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليداً أو امرأة، ولا تمنوا لقاء العدو، فإنكم لا تدرون لعلكم تُبتلون بهم، ولكن قولوا اللهم أكفناهم وأكفف بأسهم عنا، فإن لقوكم قد أجلبوا وصيحوا فعليكم بالسكينة والصمت، ولا تنازعوا فتفشلوا فتذهب ريحكم، وقولوا: اللهم إنا عبادك نواصينا ونواصيهم بيدك إنما تغلبهم أنت، واعلموا أن الجنة تحت البارقة". ويقول ـ صلى الله عليه وسلم: "تآلفوا الناس وتأنوا بهم، ولا تغيروا عليهم حتى تدعوهم، فما على الأرض من أهل مدر ووبر، لأن تأتوني بهم مسلمين أحب إلي أن تأتوني بأبنائهم وتقتلوا رجالهم".
وهذا يتضح كذلك من وصايا الخليفة أبي بكر الصديق ـ رضي الله تعالى عنه ـ ليزيد بن أبي سفيان عندما أرسله على رأس جيش على الشام حيث قال له: "وإني لموصيك بعشر، لا تقتلن امرأة، ولا صبياً، ولا كبيراً هرماً، ولا تقطعن شجراً أو ثمراً ولا نخلاً ولا حرثاًً، ولا تحرقها، ولا تخربن عامراً، ولا تعقرن شاة ولا بقرة إلا لمأكلها، ولا تجبن ولا تغلل". ومن وصاياه ـ رضي الله تعالى عنه ـ لأحد قادة جيوشه أيضاً قوله: "لا تخونوا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجراً بثمره ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكله، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له".
وجاء في كتاب لسيدنا عمر بن الخطاب ـ رضي الله تعالى عنه: "لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا وليدا، واتقوا الله في الفلاحين"؛ ومن وصاياه لأمراء الجنود:" ولا تقتلوا هرماً، ولا امرأة ولا وليداً، وتوقوا قتلهم إذا التقى الزحفان عند شن الغارات".
وعلى ذلك فالإسلام يُفرق بين المقاتلين وغير المقاتلين؛ فيُجيز قتل المُقاتلين المُعتدين، ولا يُجيز قتل غير المُقاتلين كالشيوخ والنساء والأطفال من الأعداء، حتى ولو كان جيش الأعداء يقتل الشيوخ والنساء والأطفال من المسلمين. ولما كان الصحافيون من غير المقاتلين فإنه لا يجوز ـ طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية ـ قتلهم.
ونخلص من هذا إلى القول إنه إذا كانت قواعد القانون الدولي الإنساني تسعى إلى تقرير قواعد حماية للمدنيين وتمييزهم عن العسكريين وحث الدول الأعضاء في اتفاقيات جنيف على ضرورة احترام تلك القواعد أثناء العمليات الحربية، فإن الشريعة الإسلامية قد سبقت في تقرير تلك الحماية سواء من حيث الزمن أو من حيث المدى. ولهذا فنحن نرى أهمية حث الباحثين القانونيين على البحث في أحكام الشريعة الإسلامية وتوضيحها ومقارنتها بأحكام القوانين الوضعية والاتفاقيات الدولية، وإظهار مدى تفوقها عليها.

المزيد من الرأي