مؤتمر الحوار العالمي بين قناتي العربية والجزيرة

[email protected]

فندق مقر انعقاد مؤتمر الحوار العالمي للأديان في مدينة مدريد غيب قناة "العربية" وجعل بدلا منها قناة الجزيرة التي لم تعترف بعقد المؤتمر ولم تنقل عنه أي خبر قبل الانعقاد وأثناء الانعقاد وإنما كان تركيزها من صباح يوم انعقاد المؤتمر على أحداث تبادل جثث القتلى بين الإسرائيليين وحزب الله, حيث بدأت من ساعات الصباح الأولى في نقل الأحداث ونشر المراسلين في عديد من المواقع لمتابعة الحدث, مع إهمال كامل, وربما متعمد, للمؤتمر العالمي للحوار الذي رعاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وبحضور الملك خوان كارلوس ملك إسبانيا, وخلال ذلك اليوم تساءل الجميع: أين قناة "العربية"؟ ولماذا لم توضع ضمن باقة القنوات التي يبثها فندق المؤتمر, خصوصا أن قناة "الجزيرة" ضمن تلك الباقة؟
قناة "العربية" في المقابل قامت بتغطية إعلامية متميزة لأحداث المؤتمر العالمي للحوار في مدريد، استضافت عديدا من الشخصيات العالمية المشاركة في المؤتمر وخصصت له مراسلين ومحاورين لتغطية الحدث والأحداث المصاحبة وأخذ الآراء, هذا الجهد فقد حرم منه المشاركون أو أغلبهم ممن حضر للمؤتمر وجعل الجميع يضع علامة استفهام حول أسباب هذا الغياب أو التغيب المقصود أو غير المقصود وستبقى علامة الاستفهام قائمة حتى يتضح السبب!
إن تعمد قناة "الجزيرة" عدم تغطية أحداث المؤتمر العالمي للحوار يجعل كثيرا منا يضع الأسئلة عمن يقف خلف فكر وسياسة وبرامج القناة وإصرار القناة الدائم والمتعمد على البقاء في العقل العربي في سنوات الثورات والخطب الرنانة الجوفاء التي أوصلت مجتمعاتنا العربية إلى ما نحن فيه اليوم من تخلف عن مجتمعات الأرض الأخرى. إن القناة بتعمدها تهميش المؤتمر والجهد العظيم لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وعلماء العالم وفي الوقت نفسه إعطاء كل هذا الزخم الإعلامي لتبادل بعض الأسرى والجثث لأكثر من 200 مقاتل عربي مقابل جثتين لجنديين إسرائيليين ومحاولة إظهار هذا على أنه إنجاز ونصر. ولعل مقولة أحد المسؤولين الواعين اللبنانيين لهذه الأحداث خير دليل على خلل ما يجري وما تحاول قناة "الجزيرة" من رسمه, وهو تحرير عدد من الجثث والأسرى وأسر لبنان كله تحت سطوة وقوة حزب الله بدعم ومباركة إعلامية من قناة "الجزيرة".
إن الجهد المبارك الذي يقوم به خادم الحرمين الشريفين لوضع الإسلام والمسلمين في المكان اللائق بهما أمام العالم المتحضر وغير المتحضر دون النظر إلى المكاسب الشخصية, لأنه كما نعلم جميعا ليس في حاجة إليها ولكن رغبته الصادقة وحرصه العربي والإسلامي الواضح جعله يعمل نحو تقريب المجتمعات والحد من تكاتف العالم علينا كمجتمع إسلامي أولا وعربي ثانيا, هذا الجهد والحرص كان يتطلب حضورا إعلاميا من كل القنوات للتغطية والحوار ولكن ما حدث من إقصاء لقناة العربية وتهميش من قناة الجزيرة يطرح العديد من التساؤلات أمام هذين الحدثين من حجب قناة العربية عن الظهور في قنوات فندق المؤتمر وحجب قناة الجزيرة أخبار المؤتمر, خصوصا حفل الافتتاح وكلمة خادم الحرمين الشريفين ووضعها ضمن باقة قنوات المؤتمر, ثم يأتي السؤال الأهم: كيف يصنع القرار الإعلامي؟ من يملك صناعة القرار سواء بمنع البث أو المشاركة في تغطية الأحداث؟ وهل مثل هذا القرار قرار سياسي أم قرار عاطفي أم قرار مصالح خاصة أو مواقف خاصة؟ وهل متخذ القرار يعرف أبعاد مثل هذا القرار وتحليل المشاهد له؟
لقد كان قرار تغييب قناة العربية عن قنوات فندق المؤتمر قرارا خاطئا لأنه أفقد المشاركين متابعة التغطية الإعلامية المتميزة لهذا الحدث وجعل أغلب المقيمين في الفندق يتلقطون أخبار لقاءاتهم مع القناة من زملاء لهم في مواقع خارج فنادق المؤتمر. كما أن قرار قناة الجزيرة حجب أخبار المؤتمر والتركيز على أحداث لبنان يعطي المشاهد انطباعا عن أن هناك فجوة سياسية وشخصية بين المسؤولين القطريين والسعوديين على مستوى القيادة, أو أن القناة تدار بثقافة وسياسة مسؤولين داخل القناة لا تعكس بالضرورة سياسة المالكين والممولين للقناة, والسبب الثاني أخطر خصوصا مع تغلغل أفكار قومية ذات توجهات تحارب الفكر الخليجي ولا تعطي الدور الخليجي في صناعة الأحداث أو التعامل معها أي قيمة وتسعى إلى تهميش ذلك الدور, كما أنها ما زالت تعيش حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الميلادي الماضي التي عاشت على التطبيل واستغلال النفوذ الإعلامي للابتزاز, حتى أن أحد إعلاميي تلك الحقبة يذكر أنه تسلم مبلغا من أحد المسؤولين الحكوميين وبعد فترة اتصل ذلك المسؤول الحكومي بالإعلامي وسأله عن سبب عدم نشر أخبار عن دولته, خصوصا أنه تسلم الثمن, فما كان من الإعلامي إلا أن قال له المبلغ المتسلم هو لعدم الشتم والذم ونقل أخباركم السيئة وإذا أردتني أن أكتب عن إنجازاتكم فيجب دفع مبلغ لهذا الغرض. هذه الحقبة التي نأمل بل نصر على انتهائها وإعطاء الفرصة للإعلام النير المتقدم للصعود وتقديم الأفضل عن المجتمعات العربية والمسلمة.
إن صناعة الخبر الإعلامي ومتابعة الأحداث ونقل الصورة الحقيقية للحدث مع التحليل والشرح دون التطبيل المبالغ فيه, كما حدث مع قناة الجزيرة, هو ما نأمله لمستقبل إعلامنا, خصوصا عندما يكون ذلك الإعلام خليجي التمويل ومملوكا لمؤسسات أو أفراد خليجيين. وللحديث عن الرؤية الإعلامية المطلوبة للمرحلة المقبلة فكرا وقيادة وتمويلا وإدارة وتوجها وحضورا ومشاركة مقال مقبل ـ إن شاء الله.

وقفة تأمل:

" لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر والإقدام قتال
وإنما يبلغ الإنسان طاقته
ما كل ماشية بالرحل شملال
إنا لفي زمن ترك القبيح به
من أكثر الناس إحسان وإجمال
ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته
ما فاته وفضول العيش أشغال"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي