كيف يحارب صندوق النقد الفساد؟

الفساد، أي: استغلال الوظيفة العامة لتحقيق كسب خاص، هو وحش متعدد الرؤوس. ورغم استشرائه في بلدان كثيرة، لا ترصد عناوين الأخبار إلا القليل، ولا تطول المحاسبة القانونية الناجعة إلا أقل القليل. لكن العبء التراكمي جسيم، فبعض التقديرات تشير إلى أن حجم الرشوة وحدها يصل إلى تريليون دولار سنويا، وأكثر من ذلك بكثير للفساد بوجه عام. وفي حين أن الأرقام الدقيقة أمر خلافي، فإن أهمية المشكلة ذاتها ليست موضع خلاف.
ويقع العبء الأكبر على الفئات المحرومة. فالفساد يستنزف الموارد العامة ويعيق النمو الاقتصادي بطرق عديدة. وقد نظر اقتصاديو الصندوق وخبراء آخرون في الروابط بين الفساد من ناحية وارتفاع وفيات الرضع وانخفاض الإنفاق على التعليم والخدمات الصحية من ناحية أخرى -وكلها تصيب الفقراء بأكبر الأضرار- فالفساد يزيد من حدة عدم المساواة. وفي تداع للآثار السلبية يؤدي تفاعل الفساد مع عدم المساواة إلى تغذية السياسة الشعبوية، حسب النتيجة التي خلصت إليها أخيرا منظمة الشفافية الدولية المعنية بمكافحة الفساد.
وفي هذا الصدد، أدلى شون هاجان، المستشار القانوني للصندوق، بتصريح للشبكة البرلمانية العالمية أثناء اجتماعات الربيع قال فيه: "حين يكون الفساد نظاميا، ينال من قدرة الحكومات على جذب الاستثمارات". فالفساد يضعف المؤسسات والنظم المالية ويثبط الاستثمار الأجنبي ويشوه التدفقات الرأسمالية الدولية. وهذه المخاطر التي تهدد النمو الاقتصادي والاستقرار المالي هي السبب وراء عمل الصندوق مع البلدان الأعضاء من أجل تحسين المؤسسات العامة والأطر القانونية، وهو ما أشار إليه خبراء الصندوق في العام الماضي ضمن مذكرة مناقشات تتناول تكاليف الفساد وإجراءات مكافحته.
ويحارب الصندوق الفساد بعدة طرق أساسية:
- في الحالات الحرجة، يقدم خبراء الصندوق القانونيون والماليون مشورة مخصصة لمحاربة الفساد ضمن "فحوص الصحة الاقتصادية" التي نجريها في سياق مشاورات المادة الرابعة السنوية وبرامج الإقراض. ومن خلال البرامج الموجهة في البلدان التي تتعرض لنوع معين من التحديات، يقدم الصندوق المساعدة الفنية والتدريب للمسؤولين الحكوميين، مع التركيز على منع غسل عوائد الفساد. ويشكل هذا العمل المناهض لغسل الأموال جزءا من تقييمات القطاع المالي التي تعهدت بإجرائها بلدان مجموعة الـ20 كل خمس سنوات، وهي البلدان التي تمثل نحو 85 في المائة من الاقتصاد العالمي.
- يساعد خبراؤنا المتخصصون في المالية العامة والقطاع المالي البلدان الأعضاء على تحسين إدارة المالية العامة وتحصيل الضرائب وشفافية الإنفاق العام ــ ما يسمح للبرلمانات والمواطنين بمساءلة الحكومات. وقد صممنا أدوات للتقييم مثل تقييم شفافية المالية العامة FTE، وأداة التقييم التشخيصي لإدارة الضرائب TADAT، وتقييم إدارة الاستثمار العام PIMA، وعملنا مع البنك الدولي وشركاء آخرين لوضع إطار الإنفاق العام والمساءلة المالية PEFA وتقييم أداء إدارة الدين DEMPA.
- يسهم الصندوق في مبادرات دولية مثل مبادرة شفافية الصناعات الاستخراجية ومجموعة العمل المعنية بمكافحة الفساد التابعة لمجموعة الـ20، التي تجتمع تحت مظلتها خبرتنا المتخصصة وتجارب البلدان والسياق العالمي.
- يقوم خبراء الإحصاء في الصندوق بمساعدة البلدان الأعضاء على تحسين جودة الإحصاءات الاقتصادية القومية ونشر البيانات بطرق مختلفة منها إرساء معايير عالمية للاسترشاد بها، ما يسهم في تحسين الحوكمة والشفافية.
- ويساعد خبراء الصندوق البنوك المركزية على تحسين ترتيبات الحوكمة فيها، وتعزيز ضوابطها الداخلية، وزيادة شفافيتها. ففي ألبانيا وبنجلادش، على سبيل المثال، وضعت ضوابط أفضل تساعد على منع تكرار السرقات من البنك المركزي. وفي حالات الإقراض، يجري خبراؤنا الماليون "تقييما للضمانات الوقائية" بغية التأكد من اتباع البنك المركزي المتلقي أسلوبا آمنا في إدارة الأموال المقترضة ووضعه موضع المساءلة عنها.
وقد بدأت هذه الجهود تؤتي ثمارها. ففي كينيا وإندونيسيا وأوكرانيا، على سبيل المثال، تم تحسين الأطر التشريعية لمكافحة الفساد ومهام إنفاذ القانون بمساعدة الصندوق. وفي 2014، قرر الصندوق تأخير صرف القرض لجمهورية مالي بسبب شراء طائرة رئاسية جديدة دون إدراجها في الموازنة، ما أدى إلى عملية تدقيق محاسبي تمخضت عن إلغاء تعاقدات ملتبسة أخرى، وتشديد إجراءات الموازنة والمشتريات. كذلك أوقفنا إقراض موزمبيق في 2016 إلى حين إدخال تحسينات في عمليات التدقيق ومستوى الشفافية بعد التعاقد غير المعلن على دين خارجي تجاوزت قيمته مليار دولار أمريكي. وعلى المستوى العالمي، حتى نعالج القلق بشأن الشركات والصناديق الاستئمانية التي تستخدم لإخفاء المالكين الفعليين للأصول والحسابات، أدخلنا معايير وضعتها فرقة العمل للإجراءات المالية ضمن عملنا المنتظم بشأن غسل الأموال، ما يسهل رصد عوائد الفساد وتتبعها.
والفساد لن يتوقف، ولن نتوقف نحن أيضا. فبناء على طلب بلداننا الأعضاء في العام الماضي، يجري الصندوق مراجعة لكيفية التعامل مع الفساد وغيره من قضايا الحوكمة. ونبحث الآن سبل توثيق التعاون مع المنظمات الأخرى كأن نستفيد من الخبرة القُطرية لدى خبراء منظمة الشفافية الدولية في تعزيز تقييماتنا لشفافية المالية العامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي