الإدارة بين النجاح والفشل .. كتابات العدل مثل!
إذا كان عنصر النجاح في العمل الإداري يرمز إلى الحنكة وحسن التدبير في قيادة المجموعات العاملة للوصول إلى الهدف المنشود، فإنه يمكن القول إن هذا العنصر يمثل قطب الرحى في كل عمل، سواء كان هذا العمل إداريا بحتا كالأعمال المكتبية، وأعمال الدواوين الحكومية، أو كان عملا ميدانيا كأعمال البناء وتنفيذ المشاريع أو كالألعاب الرياضية الجماعية، وحتى الأعمال العسكرية وقيادة المعارك، واتساقا مع هذا المفهوم نستطيع القول إن جوهر النجاح في الإدارة يكمن في كيفية التغلب على الصعوبات التي تصاحبها، والمتمثلة في كيفية التعرف على المشكلات وتحليلها ومواجهتها بالحلول المناسبة، بحيث يكون الهدف هو تحقيق النتائج المطلوبة بأقل التكاليف، في ظل مناخ ملائم يوفر القدر الأكبر من الاعتبار والاحترام لمؤدي الخدمة ومتلقيها على حدٍ سواء.
وعندما يعتمد أسلوب إدارة العمل على الوضوح في الأنظمة وإجراءات العمل وتصبح الثقة هي رمز العمل الجماعي، إلى جانب توفير البيئة المناسبة لأداء العمل في مكاتب نظيفة تتوافر بها أدوات العمل ومستلزماته، مع الإضاءة والتهوية الصحية، إلى جانب الاهتمام باستقبال متلقي الخدمة وتوفير الأماكن المناسبة لجلوسهم، أقول عندما تكون هذه المظاهر هي السمة الغالبة في أي منشأة حكومية، فإنها لا بد أن تنجح في تحقيق أهدافها المتمثلة في إنجاز العملية المكلفة بها بأقل تكلفة في أقصر وقت، فضلا عن تحقيق رضا العاملين والمستفيدين.
هذه المقدمة خطرت في ذهني عندما كنت في زيارة قصيرة لكتابة العدل الأولى في الرياض، في مقرها الجديد في حي المروج قبل عدة أيام، حيث لفت نظري التحول الكبير الذي طرأ على أعمال هذه الإدارة، فمن حيث المكان يتسم المقر بالاتساع وجمال التصميم وجودة التهوية والإضاءة، ومن حيث التجهيز يبدو التناسق واضحا في مكاتب الموظفين وكتاب العدل وأدوات العمل والمقاعد، وأماكن انتظار المراجعين، وقبل ذلك كله، وأهم منه، ما يلحظ من انسيابية في الإجراءات، ودقة في إعدادها، بحيث لم تعد عملية نقل ملكية العقار العادية واستخراج الصك تستغرق أكثر من دقائق، بعد أن كانت العملية ذاتها في الماضي تستغرق أياما قبل الانتقال إلى هذا المقر، رغم أن حركة العقار بيعا وشراء ما زالت في أوجها.
ولعل من أهم ما نجحت فيه هذه الإدارة هو الاستفادة من التقنية الحديثة في أعمالها المتمثلة في الحفظ والتسجيل والاسترجاع واستخراج النتائج، بعيدا عن الاعتماد على العمل اليدوي الذي كان يعزى إليه ما كان يقع من أخطاء من بعض العاملين، بحيث أصبح العمل يتصف بالدقة والوضوح والمراجعة المزدوجة، الأمر الذي يستبعد معه حصول الأخطاء والمخالفات، فضلا عن أن هذا التنظيم ساعد على زيادة الإنتاجية، وأسهم في اختفاء مظاهر التكدس والازدحام.
وللإنصاف لا ينبغي أن ننسى عند الحديث عما حصل في هذه الإدارة، تلك الإدارة التي يسجل لها الريادة في حسن التنظيم واختصار الإجراءات وسرعة إنجاز الأعمال، والاستفادة القصوى من التقنية الحديثة، وهي كتابة عدل الرياض الثانية، التي كان نجاحها أنموذجا يحتذى لما ينبغي أن تكون عليه سائر الإدارات الحكومية.
وليس غريبا أن يحدث التطور والتنظيم في أي منشأة حكومية إذا توافرت الإرادة والتصميم ورسم الأهداف، لكن اللافت للنظر أن يحدث ذلك في إدارات كان الناس يظنون أنها الأبعد عن التنظيم، ولا يحدث في إدارات هي الأقدر عليه بحكم امتلاكها للموارد المالية والمرونة في اتخاذ القرارات، فضلا عن طبيعة عملها التي تتطلب ذلك, فعلى بعد خطوات فقط من المقر الجديد لكتابة العدل الأولى يقع المقر الرئيس لمكاتب الخطوط السعودية ومبيعاتها في الرياض, وفي حين يفترض أن يكون هذا المقر عنوانا للتنظيم والترتيب والنظافة, ليس فقط لأنه المركز الرئيس للخطوط السعودية, بل لأنه يستقبل عملاءها الذين تعتمد عليهم في تسيير أعمالها وتحصل على دخلها منهم, فإن الزائر له والمتعامل معه يستغرب أن يكون على الوضعية التي هو عليها من حيث البيئة والنظافة والتأثيث, ناهيك عن المعاناة التي يواجهها من تستفيد منهم "السعودية" وليس هم الذين يستفيدون منها, من المعاناة وطول الانتظار للحصول على الخدمة إلى ما يشبه الاستجداء أمام "كاونترات" يكاد يختفي خلفها الموظفون من ضخامتها وارتفاعها, ويكفيك من مظهر المكتب لأنه لا يزال على الوضعية التي كان عليها يوم امتلاك المبنى الذي لم يكن مشيدا أصلا كمكاتب خدمات الطيران التي ينبغي أن تتميز عن غيرها بحسن المظهر وجودة المخبر واحترام المتعاملين بدليل أنك لا ترى من الخارج سوى أبواب أشبه بأبواب الحوانيت ذات المظهر السيئ, والغريب أن الدعوات تتوالى للالتفات إلى هذا الوضع مني صحيفة "الاقتصادية" 13/4/1428هـ) ومن غيري من الكتاب, حرصا على مصلحة "السعودية" وسمعتها, بيد أن شيئا لم يتبدل, وها هي الدعوة الأخيرة تنطلق الآن للاستفادة من تجربة جارتها (كتابة العدل) في التطوير.
لست ممن يكتب ليمدح لكن يشدني النجاح الذي يستهدف إراحة العاملين وخدمة المواطنين واحترامهم, ولست ممن يكتب ليقدح بقدر ما ينبه إلى ما هو مقدور على تحقيقه من تنظيم وتطوير. والله من وراء القصد.