سياسة التقشف لا تكفي لتحقيق النجاح
من المفاجئ أن بعضا لا يزال يتمسك بنظرياته الاقتصادية حتى عندما تثبت الحقائق عيوبها.
يبدو أن الأيديولوجيات تهيمن على كثير من التحليل الاقتصادي الذي نراه هذه الأيام. لكن المفاجئ أكثر هو مدى انتشار هذه الظاهرة واتساع انتشار ما نقرأه من تحليلات اقتصادية عامة في الإعلام التي لا تحيد عن التغني بمزايا التقشف.
تتضاعف مخاوف التضخم السريع بالإشارة المتواصلة لعبارة "طباعة النقود" فيما يتعلق بإجراءات البنك المركزي لتحفيز النمو بزيادة السيولة النقدية المتداولة.
لا يعد ذلك خطأ من الجانب الواقعي فقط (فالزيادة في القاعدة النقدية ترتبط بالاحتياطي وليس بمجرد طباعة البنك المركزي للعملة) لكن يعد ذلك مضللا أيضا فيما يتعلق بفهم دور البنوك المركزية.
وحتى أولئك الذين يدعمون إجراءات البنك المركزي خلال الأزمة يرون أنه يجب عليهم أن يضيفوا عبارة في نهاية تحليلاتهم لتحذرنا من مخاطر تلك السيولة.
كما أن التقشف لا يفقد جاذبيته أيضا، على الرغم مما أثبتته البيانات من خطأ في مزاعم تركيز التقشف على تخفيض الإنفاق الحكومي لتستعيد الاقتصادات المتقدمة الثقة وتعود لمستويات النمو الصحية.
كمثال على ذلك تورد شبكة سي إن بي سي الأمريكية قائمة طويلة من نقاط الحوار التي تظهر فعالية إجراءات التقشف في نجاح السياسة الاقتصادية. ومن هذه النقاط أن اقتصاد بريطانيا أصبح في مرحلة نمو وأن الناتج الوطني في إسبانيا لم يعد يتقلص وحتى في اليونان أصبحنا نرى إمكانية تحقيق نمو إيجابي. وما سر كل ذلك؟ إنه التقشف الذي نفذته تلك الحكومات الحكيمة خلال السنة الماضية. إلا أن ذلك بالطبع تحليل مضلل للبيانات.
فلا يزال الحال أن الدول التي تنفذ إجراءات تقشف أشد صرامة شهدت أقل معدلات النمو (وأكبر زيادة في الديون). لعل السبب الوحيد في أن تلك الدول الثلاث أصبحت إما في مرحلة استعادة النمو أو توقفت عن الانهيار، هو أنه بعد الأزمة العميقة لا بد أن يتعافى النمو في مرحلة ما، حتى دون أي تغييرات في السياسة الاقتصادية لدعم النمو، فالاقتصادات تتعافى لكن يجري ذلك ببطء ولن تعود أبدا للمستويات التي يفترض أن تكون عليها.
والصواب هو أنه في تلك الدول الثلاث توقفت الحكومات عن إعاقة الاقتصاد. فعندما تقلص الإنفاق الحكومي بتضرر معدل النمو، وعندما تستقر إجراءات الحكومة ضمن مستوى منخفض لا تعود عقبة في وجه النمو.
شهدت السنوات الخمس الماضية مجموعة غير مسبوقة من التجارب الاقتصادية التي تقدم دروسا مهمة للتعلم منها حول تأثيرات السياسة النقدية والمالية لتحقيق استقرار في الدورات الاقتصادية. ولكن يبدو أن دروس هذه الأزمة سيتم إهدارها دون التعلم منها من جانب الاستفادة من البيانات لتحسين فهمنا للصورة الاقتصادية الكاملة.