عدي الحربش .. حين تكون الكتابة فِكراً
ليس من اليسير خلق نص أدبي - فلسفي، والأصعب من ذلك كتابته بأسلوب يجعل القارئ يشتهي تكرار القراءة، ويناسب أغلب مستويات القراء، ويكون مدخلاً ملائماً للتوسع في المدارك.
تفاجأنا في الإنترنت بوجود قاص سعودي مذهل، يمتلك أسلوباً مغايراً تماماً، يجعلك تطمئن لأن هناك من لايزال قادراً على كتابة نص خالد منذ اللحظة الأولى لكتابته، وأن هناك من لايزال قادراً على أن يعيد لنا من جديد تلك الأعمال التي خلّدها أدباء رحلوا منذ زمن بعيد مثل فيدور دستوفسكي ومكسيم غوركي وفرجينيا وولف وغيرهم.
وبعد انتظار طويل من قارئيه ومتابعيه، فاجأنا القاص "عدي جاسر الحربش" بصدور مجموعته القصصية قبل معرض الرياض الدولي للكتاب بأيام تحت عنوان: "حكاية الصبي الذي رأى النوم" وقد صدر ضمن سلسلة برعاية ثلوثية الدكتور محمد المشوح الثقافية في النادي الأدبي بالرياض.
احتوت المجموعة على ثمانية عشر نصاً قصصياً، وكلها كانت تبدأ باقتباسات مترجمة من أحد الفلاسفة أو الأدباء، ولأشير هنا أيضاً إلى معلومة مهمة عن القاص عدي جاسر الحربش، فهو ليس مجرد قاص عربي ، بل قام أيضا بترجمة العديد من النصوص السردية إلى العربية في الإنترنت، وبالإضافة إلى كل هذا ، هو شاعر لديه موسيقيته الخاصة. فقد قام بترجمة العديد من النصوص الشعرية. ولم تكن ترجمة عادية بل ترجمة "شاعر" لنص شعري، إلى نص شعري آخر بلغة مختلفة.
يتميز عدي في كتاباته باستخدامه لمصطلحات غير تقليدية، غير دارجة في الكتابة، مع الحفاظ على عدم التكلف في اللغة أثناء طرحه، وهو أيضاً يهتم بشكل كبير في محاولة لكتابة التاريخ في نصوصه، سواء بذكر أسماء تاريخية على سبيل الاستشهاد، أو خلق أحداث خيالية عاشت في حقبة زمنية معينة، على أن يهتم في التفاصيل المعيشية لتلك الحقبة، بطريقة بسيطة بحيث يستفيد القارئ من قراءته له، وكذلك أيضاً أي قارئ يتابع الأديب عدي الحربش سيلاحظ لديه تلك الأبعاد الفلسفية في الطّرح، حتى تجزم بأنه أحد أولئك الذين لا يكتبون نصاً عادياً .. بظروف عادية.. بفكرٍ عاديّ! بل إنه يقرأ كثيراً قبل أن يكتب، ويخدم قارئه أكثر في كتابته.
مشروع النادي الأدبي بالرياض في طباعته لهذه المجموعة كان مشروعاً ناجحاً جداً، حيث إن مثل هذه الأعمال لا يجب أن تبقى موزعة، ويجب أن تجمع، وتصل إلى أكبر عدد من القراء، إننا بحاجة إلى أدباء أمثال عدي الحربش، بحاجة إلى من هم قادرون على إحداث يد التغيير في ذهنية المتلقي لتوسيع مداركه وخلق الوعي والتثقيف، وتوظيف الأدب من أجل الفِكر، قد لا تكون هذه المهمة بالشيء اليسير، ولكنها هي الأجدى بأن تسلم يد الكتابة، وهي الأقدر على البقاء والخلود.