هل بدأت السوق السعودية أولى خطوات سن الرشد؟

[email protected]

في كانون الأول (ديسمبر) الماضي ذكرت في مقال نشر في "الاقتصادية" أن السوق السعودية مقيمة بأعلى من قيمتها العادلة بنحو 18 في المائة على أقل تقدير، وأيضا ذكرت أن القيمة العادلة لمُؤشر سوق الأسهم يجب أن تكون في حدود 9300 نقطة, وفي المقال نفسه ذكرت أن السوق تتجه إلى استهلال السنة الميلادية الجديدة 2008 بأسعار أكبر بكثير من قيمتها العادلة وكانت توقعاتي لأداء السوق في السنة الحالية تكاد تنحصر في احتمالين: الاحتمال الأول أن تقوم السوق بتصحيح نفسها خلال الأسابيع الأولى من السنة الجديدة، وبما أن السوق ينقصها العمق فمن الطبيعي في هذه الحالة أن نرى المؤشر يتداول في حدود لا تتجاوز 10 في المائة على جانبي قيمته العادلة خلال 2008 مع التوقع أن تتجاوز قيمة المؤشر العشرة آلاف نقطة مع نهاية السنة الحالية ما لم يحدث بعض الأمور غير المتوقعة، والاحتمال الثاني أن يستمر المؤشر في الصعود وبالتالي تصبح الأسعار أكثر تضخماً وهذا حتماً سيمهد الطريق لانهيار جديد شبيه بما حدث في شباط ( فبراير) عام 2006.
في تلك الفترة كان هناك الكثير من التحليلات والتوقعات والتي مفادها أن السوق مازالت تتداول دون قيمتها العادلة، حيث سمعنا من يقول إن السوق السعودية كسوق ناشئة يجب أن تتداول عند مكررات ربحية في حدود 30 مرة، وآخر يقول مكررات الربحية لا تنطبق على الاقتصاد السعودي الذي ينمو بسرعة نتيجة لارتفاع أسعار الطاقة ويستشهد بشركة جوجل التي تداول أسهمها عند مستوى مكرر ربحية يصل إلى أكثر من 40 مرة. إجابتي عن مثل هذه الآراء يمكن تلخيصها فيما يلي:
أولاً: هل السوق السعودية سوق ناشئة؟ الإجابة بكل تأكيد نعم. هل يجب أن تتداول السوق السعودية عند مكررات ربحية أعلى من مثيلاتها في الأسواق المالية المتقدمة (السوق الأمريكية على سبيل المثال)؟ الإجابة عن مثل هذا السؤال بكل تأكيد "لا"، تاريخياً مكرر الربحية الخاصة بسوق المال الأمريكية في حدود 18 مرة، وبما أن مخاطر الاستثمار في الأسواق الناشئة ومن ضمنها السوق السعودية أكثر من مثيلاتها في السوق الأمريكية فإن السوق السعودية يجب أن تتداول عند مكرر ربحية أقل، فالعلاقة بين مكرر الربحية ودرجة المخاطرة هي علاقة عكسية.
ثانياً: لو تم تجميع أكثر من 90 في المائة من الشركات المدرجة في السوق السعودية مع بعضها بعضا فلن تصل قيمها مجتمعة إلى القيمة المتوقعة لشركة جوجل. فعندما يكون لدينا جوجل السعودي يمكن لنا أن نقوم بمثل هذه المقارنات.
فعلى الرغم من كثرة المطبلين والمضللين عن قصد أو عن غير قصد فلقد رأينا السوق السعودية خلال الأسابيع الأولى من العام الحالي تبدأ أولى خطوات سن الرشد، حيث تراجع المُؤشر ليستقر في نطاق قيمته العادلة، فخلال الأسابيع الماضية شاهدنا السوق تتحرك في مدى لا يتجاوز 10 في المائة على ضفتي قيمته العادلة وهذا شيء يجب أن يسعد الكثير من المهتمين بسوق المال السعودية، فنضج سوق المال واستقرارها يلعب دوراً في غاية الأهمية من حيث توجه الموارد في الاقتصاد الوطني نحو استخدامها الأمثل. ولكن بما أن سوق المال ينقصها العمق فإن الأسواق ستظل عرضة للتقلبات والتذبذبات (الحادة في بعض الأحيان) حتى يتم إصلاح هذا الخلل. ومن وجهة نظري فإن الحل يمكن تلخيصه في الخطوات الخمس التالية:
(1) أن تقوم الدولة ببيع جزء كبير من حصتها في الشركات المساهمة وخاصة الشركات الكبيرة على أن يتم ذلك وفقا لجدول زمني محكوم بقدرة سوق المال على هضم عمليات البيع المتلاحقة. أعلم أن هذا الاقتراح سيلاقي بعض الاعتراضات بحجة أن ذلك سيسحب السيولة من السوق مما يؤدي إلى نتيجة عكسية. مع احترامي لهذه الأصوات فإن استنتاجاتهم خاطئة، فالسيولة في الاقتصاد السعودي عالية جدا وتنمو بمعدلات سنوية تتجاوز20 في المائة مدعومة بارتفاع أسعار النفط والإنفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية العملاقة، فهناك ثروات خاصة هائلة تبحث عن قنوات استثمارية ويتعين على صناع السياسة الاقتصادية مساعدة أصاحب هذه الثروات من أجل توظيفها التوظف الأمثل لما فيه خدمة الاقتصاد الوطني.
(2) السماح للشركات العالمية الكبيرة صاحبة السمعة الجيدة وخاصة الشركات المهتمة بالاقتصاد السعودي مثل شركات الطاقة والأنشطة المرتبطة بها مثل البتروكيماويات والبلاستك والغاز إضافة إلى الشركات الأجنبية التي لها استثمارات في المملكة بطرح أسهمها في السوق السعودية فهذه شركات رابحة ولديها خطط توسعية تبحث عن تمويلها وخاصة من أسواق الاقتصاديات التي تعمل أو تستثمر فيها من أجل بناء جسور علاقة بين هذه الشركات والمجتمعات التي تمثل أسواقا لأنشطة هذه الشركات وكذلك من أجل توسيع قاعدة مستثمريها. فالسماح لهذه الشركات بإدراج أسهمها في السوق السعودية يحقق غرضين رئيسين: توسيع عمق السوق المالية وتوفير فرص استثماريه للمستثمرين السعوديين لاستثمار وتنمية مدخراتهم.
(3) الاستمرار في طرح العديد من الشركات للاكتتاب العام وخاصة الشركات ذات الرساميل الكبيرة لزيادة عملقة السوق واستقرارها.
(4) السماح للصناديق الاستثمارية العالمية بالاستثمار المباشر في سوق الأسهم السعودية، فهذه الخطوة إضافة إلى السماح للشركات الأجنبية (الخطوة السابقة) بإدراج أسهمها في سوق المال سيسمح للسوق المحلية للاستفادة من الخبرات المالية العالمية لهذه البيوت المالية الكبيرة وكذلك الاستفادة من الخبرات المالية المصاحبة لوجود الشركات العالمية الكبيرة.
(5) أخيرا استكمال البنية القانونية والتنظيمية الضرورية لضمان سير التعاملات في السوق وحمايتها من التلاعب، والأهم من هذا كله هو التطبيق العادل والفعال للقوانين حيث يطبق القانون على الجميع دون استثناء، فيجب أن يخضع الجميع للقانون وألا يكون هناك أحد فوق القانون ولا أحد تحته أيضا، فترسيخ ثقافة القانون في المجتمع أهم من وجود القانون في حد ذاته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي