الكتابة وعلاقتها بالمجتمع!

[email protected]

ترتبط الحركة الثقافية دائماً بشكل أو بآخر بمجموعة الحراك الاجتماعي, فإما تقوده وإما يقودها ولكن كانت الثقافة دائما قائدة لأنها تهدف التطوير والتغيير وتنشده لكنها لا تتجاوز الواقع القائم حتى لا تقفز في الهواء وتصبح منسلخة عنه، وهذا التلاقي بين الثقافة والمجتمع غالبا ما يؤدي إلى ظهور بعض الطفرات الإيجابية، وأحيانا قد يؤدي إلى السبات، لأن الكتابة موجهة لهم، وهم مستهلكو الأعمال، فالعلاقة بين الطرفين مهمة وتكاملية وأن أي عطل أو تعطيل سيؤثر في التنمية والتغيير المنشود.
وهذا أحد التفسيرات الأقوى التي سببت ما حدث من طفرة روائية في عام 2006م، سواء كان من الكتاب أنفسهم أو من المجتمع، فالمجتمع بعد أن صار فيه من يبحث عن قراءة الروايات التي تعمد إلى الحديث وكشف المسكوت عنه، وصارت تُكتب أحياناً بلغة بسيطة جداً وتقترب كثيراً إلى العامية، ويكون همّها الأغلب أن توصل الفِكرة إلى القارئ، بدأ بعض الكتاب يلجأ إلى هذه الكتابة، خاصة منهم أولئك الذين يبحثون عن الشهرة والأضواء، ومع تزايد هذه الأعمال تزايد عدد القراء في المجتمع، ولكن هؤلاء الذين لم يدخلوا عالم القراءة إلاّ من أجل هذه الروايات، إن لم يجدوا مثلها لن يقرأوا، لذلك فقد تزايد عدد مبيعات الروايات بشكل ضخم جداً وزاد عدد المستهلكين لكن السؤال هل أحدثت هذه الزيادة تغييرا أو تحديثا ما؟
في عام 2007 الماضي، بدأت الحركة تتجه إلى التصحيح، لم يتوقف النتاج الروائي ولكنه صار أفضل من ناحية جودة العمل ذاته، ومن ناحية التزايد المفاجئ، ومن ناحية أيضاً تهافت الكتاب على التنبيش في التابوهات.
ولكن أمام كل هذا التقدم للرواية، بالمقابل فإن الشعر بدأ شيئاً شيئاً بالتراجع عن مكانه، وقد أظهرت دراسة ببليوغرافية ببلومترية لخالد أحمد اليوسف في الملحق الثقافي لأحد الصحف المحلية حول التأليف والنشر في المملكة العربية السعودية لعام 1428هـ - 2007م، اتضح فيها كثيراً تراجع عدد الإنتاج الشعري أمام الإنتاج الروائي.
قد تكون الرسائل الموجهة، وطريق توجيهها، والشريحة، هي السبب في هذا التراجع، حيث إن الرواية .. والشّعر كُلّ منهما الآن يسير نحو اتجاه مختلف، فالشعر ومنذ دخول الحداثة عليه أصبح يتجه نحو الرمزية أكثر. حتى أن بعض الشعراء أصبح يرى أن القصيدة كُلّما ازدحمت بالمعاني الرمزية أكثر كُلّما زادت قوتها، إلى أن وصلوا إلى مرحلة لم يعد القارئ العادي يفهم ما يُكتب، فيتجه عنه، شيئاً فشيئاً أصبح هناك نخبوية في جمهور الشّعر حالياً، أولئك الذين هم قادرون على فهم وتحليل الرمزية في القصائد.
بينما في الرواية، بعد أن كانت تحفل بالاهتمام في العمل من كل النواحي، الفكرة، اللغة، البنية، الحدث، والتاريخ بشكل كبير كذلك، كأعمال عبد الرحمن منيف، وغازي القصيبي، ورجاء عالم، أصبحت الآن أغلبها تسير في أحد الاتجاهين، إمّا اللغة على حساب البقية، وإما الفكرة على حساب البقية.
وعلى الرغم من أن المسابقات الدولية التي تقام سنوياً هي الوحيدة التي تعنى على المستوى الكبير بالسرد إلاّ أنه هو المتقدم في كل الحالات، بينما الشّعر ورغم الكثير من محاولات إنعاشه، وذلك عن طريق البرامج التلفزيونية المقامة، كـ برنامج " شاعر المليون " للشعر النبطي، و " أمير الشعراء " للشعر الفصيح، إلاّ أن الاتجاه نحو النخبوية لايزال مسيطرا على الشعر.
ومن ناحية المتلقي أصبحت أيضاً الرواية هي الطريق الأفضل لقراءة وضعه وما يعيشه، ولا ننسى أن النزعة المازوخية قد تكون أحد الأسباب التي دعت إلى انتشار هذا النوع من الروايات سواء من الكتاب كطرح أعمال أو من القراء كبحث عنها.
لم يغب الشّعر نهائياً عن الساحة الأدبية، ولكنه أصبح يحضر بشكل قليل بصورته الشعرية الكاملة، وبشكل أكثر قليلاً وقد امتزج بالرواية، فقد بدأت أعداد الروايات الشعرية تتزايد مع الاتجاه الآخر الذين ذكرتهم في البداية من متجهي الرواية، وبهذا استطاعت أن تصل لجمهور أكثر من رواد الأدب حالياً، وأصبحت هي المتقدمة في الركب من بين الأنواع الأدبية في التزايد مع مرور السنوات، رغم أن القصة القصيرة بدأت في الآونة الأخيرة تظهر بشكل أكبر من ذي قبل، وبدأت تتزايد من ناحية الإصدار، ولكن هل سيقابل هذا التزايد في الطرح .. تزايد في القراءة؟ هذا لن نحصل على إجابته إلاّ بعد معرض الكتاب لأنه حينها تتضح بشكل أكبر أي المبيعات كانت أعلى شراء وطلباً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي