العلاقة بين القاضي والمحامي
في مقالة بعنوان "المحامون من أهم أعوان القضاء"، المنشور في جريدة "الاقتصادية" بتاريخ 6/12/2007، قال فضيلة القاضي الشيخ يوسف الفراج: "إن هناك جفوة بين بعض المحامين وبعض القضاة. ولا أظن أنني أبوح بسر حين أذكر ذلك فهو مشاهد ومعروف، والأمر بحاجة إلى تلطيف الجو بين هذا "البعض" من الجانبين والقناعة أن لكل منهما دورا فاعلا في إحقاق الحقوق".
وقد دعاني هذا القول إلى أن أسلط بعض الضوء على العلاقة بين القاضي الذي يمثل القضاء الجالس والمحامي الذي يوصف بأنه يمثل القضاء الواقف. وقد جاءت صفة (الواقف) من كون المحامين في أكثر دول العالم يترافعون واقفين أمام القضاة، وهذه الصفة لا تنطبق على المحامين في المملكة العربية السعودية، لأنهم يترافعون وهم جالسين في مواجهة القضاة، وبالتالي فإن هذا الوصف الأقرب للدقة بالنسبة للمحامي السعودي أن يقال إنه يمثل (القضاء المقابل).
العلاقة بين القاضي والمحامي يجب أن تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون بما يحقق مصلحة العدالة، ولقد رسمت المادة (19) من نظام المحاماة السعودي حدود العلاقة بين المحامي والقاضي، فقررت أن "على المحاكم وديوان المظالم واللجان المشار إليها في المادة الأولى من هذا النظام والدوائر الرسمية وسلطات التحقيق أن تقدم للمحامي التسهيلات التي يقتضيها القيام بواجبه وأن تمكنه من الاطلاع على الأوراق وحضور التحقيق، ولا يجوز رفض طلباته دون مسوغ مشروع".
ثم وضعت اللائحة التنفيذية لنظام المحاماة القواعد التفصيلية في هذا الشأن فأوجبت المادة (19/1) أن يمكن المحامي من الاطلاع على الأوراق وفق الضوابط التالية:
1 ـ تقديم طلب من المحامي بذلك.
2 ـ أن يقتصر الاطلاع على الأوراق الخاصة بالقضية التي توكل فيها دون غيرها.
3 ـ أن يتم الاطلاع عليها في المكتب الذي هي موجودة فيه، وبإشراف المسؤول عنها في الجهة.
4 ـ عدم تمكين المحامي من تصويرها، أو إعطائه صورا منها، ولا يمنع من كتابة ما يرغب كتابته منها.
5 ـ التوقيع بالاطلاع بإقرار خطي منه، وفي حال رفض التوقيع على هذا الإقرار يتم اتخاذ محضر بذلك، وعدم تمكينه من الاطلاع مرة أخرى، ما لم يكن رفضه بسبب مقبول.
وقررت المادة (19/2) من اللائحة التنفيذية ما يلي:
(يكون حضور المحامي التحقيق وفق نظام الإجراءات الجزائية، ويكون حضوره إذا كان المحقق معه امرأة بحضور وليها أو عضو من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
وقررت المادة (19/3) من اللائحة التنفيذية ما يلي:
(يكون رفض طلبات المحامي بموجب محضر يوقعه المسؤول المباشر للقضية، ومتضمنا لسبب الرفض. وللمحامي في حال رفض طلباته أو بعضها، التقدم لرئيس الدائرة بطلب إعادة النظر في طلبه، ويكون قراره كتابيا ونهائيا. ويتم تقدير المسوغ الوارد في هذه المادة من قبل المسؤول المباشر للقضية).
والمحامي ملزم بأن يراعي في مخاطبته المحاكم والهيئات القضائية أن يكون ذلك بالتوفيق اللازم، كما أن المادة (11/5) من اللائحة التنفيذية لنظام المحاماة أوجبت على المحامي عند مخاطبته المحاكم والجهات القضائية أن يتجنب كل ما من شأنه تأخير الفصل في القضية أو الإخلال بسير العدالة، كذلك يجب على المحامي الالتزام بقواعد الأدب أثناء الترافع إعمالا لنص المادة (11/4) من اللائحة التنفيذية لنظام المحاماة التي أوجبت أن (على المحامي أن يلتزم الأدب أثناء الترافع، فلا يظهر لددا أو شغبا، أو إيذاء لخصمه أو غيره في مجلس الترافع).
ومن ناحية أخرى، فإن على القاضي أن يمكن المحامي من إبداء دفاعه عن موكله بالطريقة التي يراها مناسبة، لأن المادة الثالثة عشرة من نظام المحاماة قررت أن للمحامي أن يسلك الطريق التي يراها ناجحة في الدفاع عن موكله ولا تجوز مساءلته عما يورده في المادة الثانية عشرة من النظام المذكور، التي قررت أنه لا يجوز للمحامي أن يتعرض للأمور الشخصية الخاصة بخصم موكله أو محاميه، وعليه أن يمتنع عن السب أو الاتهام بما يمس الشرف والكرامة.
كما أن على القاضي أن يرى في وجود محامين عن أطراف الخصومة أمرا مساعدا على تيسير أداء مهمته لأن المحامين أقدر من أطراف الخصومة على بسط الوقائع وإبداء الدفوع وأوجه دفاع كل طرف، وأنه من خلال ذلك يستطيع القاضي أن يتبين وجه الحق في الدعوى. وأن يكون عقيدته التي على أساسها يكون حكمه في القضية التي ينظرها.
وأخيرا، نقول إن العلاقة بين القاضي والمحامي كأي علاقة إنسانية قد يشوبها التوتر أحيانا وقد يخطئ القاضي في حق المحامي أو يقع من المحامي ما يعد خروجا عن مقتضيات اللياقة والاحترام للقاضي. عندئذ يمكن رد القاضي ومساءلته طبقا لقواعد الأنظمة القضائية ذات العلاقة بهذا الشأن. ويمكن مساءلة المحامي تأديبيا طبقا لأحكام نظام المحاماة.
ونخلص مما سبق إلى تأكيد ضرورة أن يسود التعاون والاحترام المتبادل بين القاضي والمحامي بما يحقق حسن سير مرفق العدالة، غير متناسين أن نظام المحاماة سمح للقضاء بممارسة مهنة المحاماة بعد انتهاء عملهم بالقضاء، كما أن من المحتمل أن يكون المحامي قاضيا في حالتين، الأولى إذا اختير محكما في قضية. والحالة الثانية، إذا اعتزال مهنة المحاماة وتم تعيينه في إحدى الوظائف القضائية. الأمر الذي يؤكد أن القاضي والمحامي صنوان يلتقيان في ساحة العدالة ويعملان معا على تطبيق قواعد الشرع والنظام.