مظاهر الزواج الحالية.. مباهاة وبُعد عن الأصالة!

من يتأمل في المظاهر المصاحبة لمناسبات الزواج في الوقت الحاضر، وخاصة في بعض المناطق، يجد إنها تبتعد كثيرا عن المظاهر الحقيقية الأصيلة لمثل هذه المناسبات، حيث انقلب الفرح إلى عبوس، والتعبير عنه إلى وجوم، وتحولت المعاني الوجدانية المفترض أن تكون مصاحبة له، إلى مظاهر مادية مغلفة بالرياء والتفاخر، والمبالغة في الإسراف في الولائم التي تترك في الغالب كما هي!
وتبدأ المظاهر السلبية من بطاقات الدعوة التي تحولت إلى شيء آخر باهظ الثمن، وغدت تحمل في أكياس وصناديق بفعل المروجين والمسوقين الذين يجدون في ذلك وسيلة للخداع والكسب!.. وتجاوزت الهدف منها، وهو الدعوة إلى إبراز علامات التحديث والتفاخر، رغم إصرار الكل على التمسك بالعادة السيئة المتمثلة في إخفاء اسم العروس تحت عبارة، كريمتنا أو ابنتنا، وكأنه سيلحقهم العار حين إظهار الاسم الذي اختاروه لابنتهم، أو كأن إظهاره في السجلات والوثائق الرسمية، وعلى الملأ في نتائج المدارس والجامعات في الصحف أهون من إظهاره في بطاقة الدعوة للزواج مرادفا لاسم الزوجة، في حين أن الكل يعرف أسماء زوجات وبنات أرفع الخلق شأنا وأعلاهم مكانة!.. أم أنها الجاهلية تلاحقنا ذيولها حتى الآن؟!..
ويأتي ثاني السلبيات من خلال عدم تحديد وقت لحضور المدعوين، سوى الإشارة إلى أن ذلك سيكون مساء يوم كذا، أو بعد صلاة العشاء من يوم كذا، وعندما تحاول الذهاب في الوقت للمشاركة والتهنئة لارتباطك بموعد مناسبة أخرى تود المشاركة فيها، فقد لا تجد أهل الزوجة، أو لا تجد الزوج وأهله، وتضطر إلى الانتظار وقتا طويلا يفّوت عليك فرصة المشاركة في المناسبة الأخرى التي أنت مدعو لها، وفي بعض المناسبات يتأخر حضور الزوج وأهله حتى يتكامل حضور المدعوين، لأنهم بهذا المفهوم يعدون أنفسهم ضيوفا على أهل الزوجة، ولم أجد معنى لذلك غير إهانة من حضر باكرا لمشاركتهم المناسبة.
أما ثالث السلبيات فهو أسلوب الجلوس والانتظار، حيث يخيم الوجوم على الحضور نتيجة الجلوس العشوائي غير المنظم الذي يحيلك إلى أقرب مقعد تجده خاليا أمامك، لتفاجأ بعدم معرفتك لمن يجلس يمنة أو يسرة منك، حيث يسهم ذلك في إضفاء جو الصمت والوجوم على المكان من حولك، ليخلق ذلك تشابها تلقائيا بين المناسبة ونقيضتها مناسبة العزاء في الاشتراك في هذا الجو الواجم، الذي لم يعبر عنه سوى رؤية أحد الإخوة المصريين المقيمين بيننا، والتي نقلها أحد الكتاب في زمن مضى، حيث ذكر أنه مر بتجمع في منزل كبير في الرياض وبه أناس يستقبلون الحضور ويعانقونهم، فظن أنها مناسبة عزاء، كما تبادر إلى ذهنه، من المظاهر أمامه، يقول: فدلفت إلى المنزل وإذا به مجلس كبير يغص بأناس صامتين، فأخذت أصافحهم وأعانقهم، كما يفعل الآخرون، وأنا أقول: البقية في حياتك،.. فضغط أحدهم على يدي بقوة وأخذني جانبا وقال لي: أنت صاحي؟! كيف تقول البقية في حياتك وهذا زواج؟!
يقول فخجلت واعتذرت، وقلت له: أمّال فين الهيصة؟! (أي الفرح).. ويقول الشخص نفسه إنه مر في سنة لاحقة بتجمع مماثل، أناس يستقبلون على مدخل بيت كبير تزين مقدمته الفرش والكراسي الحمراء، وأكواب الشاي والقهوة تدور على الحضور، فلم يشك لحظة في أنها مناسبة زواج، يقول: فدخلت وأخذت أصافح الحضور وأنا أقول: مبروك، مبروك فاغتاظ مني الأول، أما الثاني فكاد يخنقي وهو يقول: هذا عزاء يا جاهل، فشعرت بالخجل، وأنا أتساءل: أين مظاهر العزاء فيما أرى، غريب أمركم، ما تفرقون بين الفرح والعزاء..، وهذا مثال قريب من الواقع للحال التي نحن عليها، بحيث يصعب التفريق أحيانا، على من لم يتعود أجواءنا، أو يعرف مسبقا نوع المناسبة!
وأما أكبر السلبيات فهي المبالغة في الولائم التي عادة لا يجلس عليها سوى ربع المدعوين، والله أعلم بمآلها بعد ذلك، ولا فرق بين ولائم الرجال وولائم النساء، حيث تتجلّى فيها مظاهر الإسراف والبذخ التي تصل إلى حد الكفر بالنعمة التي أمرنا ديننا باحترامها وصونها عن الابتذال والتبذير!
ومما يحز في النفس أنه ليست هناك أي بوادر تحسن وإيجابية في تلك المظاهر، فلا المناهج الدراسية، ولا وسائل الإعلام تسهم في توعية الناس بأضرار هذه المظاهر المادية والمعنوية، وانعكاساتها السلبية على الأسر من الناحية الاقتصادية، فضلا عن الغياب الكامل لأي دور للعلماء والمثقفين في النصح والتوجيه والتوعية، ناهيك عن القدوة!
إن النخب المثقفة في هذا المجتمع، وفي مقدمتهم العلماء مسؤولون عن استشراء هذه الظاهرة، التي تتسبب في هدر مدخرات الناس، واستهلاكها في مظاهر إسرافية ما أنزل الله بها من سلطان، وهم، في الوقت ذاته، مدعوون لأن يكونوا القدوة في التصدي لها قولا وفعلا وممارسة، وأنا على يقين أن الناس مهيأون الآن أكثر من أي وقت مضى للتجاوب مع أي مبادرة تنكر هذه العادات وتحد منها، فها نحن نرى أن بعض المناسبات القليلة التي تحصر في نطاق عائلي، أو التي تظللها البساطة، تقابل بالارتياح والدعاء للزوجين بالتوفيق، وإذا كان ثمة اقتراح بهذه المناسبة فهو الآتي:
1 ـ الامتناع عن إقامة الولائم الكبيرة لمضارها الصحية، وعدم إقبال المدعوين عليها، وإبدالها بمشروبات ومأكولات صحية خفيفة.
2 ـ جعل المناسبة أشبه بحفلات الاستقبال التي لا تحتاج إلى أماكن فسيحة للجلوس وأخرى للطعام، بل يكتفى بقاعة واحدة أو فناء المنزل، يكون فيه عدد محدود من كراسي الجلوس لكبار السن الذين لا يستطيعون الوقوف، أما عموم المدعوين فإنهم يفضلون الوقوف لأنه يتيح لهم التحرك والالتقاء بمن يريدون، وهو ما يضفي الحركة والبهجة، وأجواء الاحتفال على المكان.
3 ـ إقامة بعض مظاهر إعلان الفرحة في المكان، مثل السامري والعرضة والفنون الشعبية الأخرى، وذلك لإضفاء معاني البهجة والسرور على المناسبة.
4 ـ تدوين وقت ابتداء الحفل وانتهائه في بطاقة الدعوة ليكون ذلك معلوما للمدعوين ولكي يتمكن كل مدعو من الحضور في الوقت الذي يريد، ويتمكن, بالتالي من يريد، من الجمع بين أكثر من مناسبة..، وقبل ذلك وبعده، تدوين اسم صاحبة الشأن (العروس) في البطاقة!
والله من وراء القصد

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي