السعادة التي نريد!
في حافظتي ورقة أحتفظ بها منذ زمن طويل .. نقلتها من كتاب قديم قرأته، فحوى الورقة: ( يرى الإنجليز أن السعادة مستحيلة، ويقولون في تبرير هذا الاعتقاد إن الإنسان ما بين الخامسة عشرة والعشرين يملك الوقت ويملك العافية ولكنه لا يملك المال، وبالتالي فإنه عاجز عن التمتع بالحياة، وكذلك فإن هذا الإنسان ما بين العشرين والستين يمتلك المال ويمتلك العافية ولكنه لا يمتلك الوقت للاستمتاع بالحياة، أما ما بين الستين والثمانين فإن الإنسان يمتلك المال ويمتلك الوقت ولكنه يفتقر إلى العافية وبالتالي فإنه يبقى عاجزا عن الحصول على السعادة).
انتهى المكتوب والإشارة هنا إلى أن الإخوة الإنجليز متشائمون، في تفسيرهم لمسار الحياة، إضافة إلى ربطهم المباشر بين المال والسعادة، وكأن لا.. سعادة إلا بالمال .. ويبدو أن هذا مفهوم خاص بهم، لاسيما وأن التعاملات وحتى العلاقات وبصفة عامة الحياة عندهم ترتكز على المادة، بما يشير إلى غياب الروحانيات، والشأن الاجتماعي الجميل الذي يضفي في كثير منه الحبور، وهم - أي الإنجليز - قد لا يلامون في تفسيرهم ذلك من جراء أنهم عانوا ويلات حروب كثيرة، ناهيك عن أجوائهم المناخية القاسية التي تفضي إلى التبلد الاجتماعي والاكتئاب.
للإنجليز، شأنهم وهي وجهة نظرهم الخاصة بهم، ونحن لنا شأننا حيث إن تعريفنا للسعادة يختلف كثيراُ وإن كانت أركان السعادة التي ذكروها( العافية والوقت والمال ) هي ضمن الأساس لكن درجاتها تختلف بين شعب وآخر إلى جانب أن للروحانيات شأنا أكبر في جلب السعادة .. فالمتعبد المنقطع عن الناس يجد سعادة فيما يفعله رغم أنه قد تخلص من عبء الوقت والمال .. والشاب الذي يؤدي فروض ربه ويقتات من مال يكفيه فقط يجد السعادة التي فرضها حسن إدارته لنفسه .. وحتى العجوز الذي بلغ من العمر عتيا يجد السعادة إذا ما كان قد أحسن الفعل في دنياه تجاه رب العالمين وتجاه الناس، وسلم من المنغصات والمرض.
لن أطيل في تفسير السعادة لكن أحسب أن شأناً خاصاً ببعضنا من القاتلات للسعادة .. هذا الشأن ينتمي إلى المناهج الدراسية، وبعض القنوات التلفزيونية، التي من أهم أهدافها التنكيد والحديث عن العذاب والموت والشقاء، فبعض كتبنا التعليمية حافلة بذلك كما هم بعض الخطباء والمحدثين، فلا حديث إلا عن العذاب بعد الموت، وكأن لا سعادة بعده إلا لمن رحم ربي، وكأن لا جنة وحبور وعد الله بها المؤمنين. وهذا وربي من المثبطات المحبطات للسعادة والشأن نفسه في القنوات التلفزيونية وخاصة الرسمية والإخبارية منها، فلا هم لها إلا التفجيرات وأعداد القتلى والتهديدات وما يخص الدول من تنافر وتهديد بالحروب .. فهلا كانت سبيلاً للحبور! .. على أقله.. أن تشير في أخبارها إلى بعض المبهجات كالاكتشافات والاحتفالات .. والمناسبات السعيدة وتضعها إلى جانب تلك المنفرات .. لعل بعض سعادة يجدها المشاهد بعد النكد الذي لقي.
نحتاج إلى تعميم مفهوم السعادة في حياتنا وبثها من خلال تعاملاتنا ولقاءاتنا بحيث يصبح الفرد منا قادراً على ملامسة الحب، ومن ثم تعميمه.