الكوميديا السعودية بين الرقي والإسفاف!

[email protected]

كل عام وأنتم بخير، وبعد:
أصبحت الكوميديا السعودية ذات وقع وتأثير، ليس على المستوى المحلي، بل باتت تحظى بحضور وحبور من قبل العرب جميعاً، ولا أخال مسلسلاً مثل طاش ما طاش إلا ذا جماهيرية في الخليج والشام والمغرب العربي وتم توثيق ذلك من قبل الإعلام وآراء المشاهدين هناك، وأحسب أنه أصبح ذا ترحيب هناك كما فعل المسلسل الكويتي "خالتي قماشة" خلال عقد الثمانينيات سواء في المشرق أو المغرب العربي.
مثل ذلك يعني أن مسؤوليات المعنيين بالفن التمثيلي السعودي باتت أكبر، وهمومهم أشمل، ولاسيما أن متابعيهم باتوا ينتظرون أن تعبر أعمالهم عن الهم العربي انطلاقاً من نقد بنّاء للواقع العربي المعتم، وإن انطلق من قوالب محلية، لاسيما أن معظم الهموم هي في الشأن نفسه.
في رمضان الكريم الذي ودعناه قبل أيام كان مسلسل طاش ما طاش أكثر رزانة ورقياً، حيث أوجد توافقاً بين الكوميديا والمضمون النقدي البناء، وإن كنّا نعتب على بطلي المسلسل عبد الله وناصر هروبهما من الحلقات الركيكة مضموناً وحواراً، إلا أن الأمر برمته كان يستحق التقدير، وعلى عكس ذلك ما ظهر به مسلسل بيني وبينك، الذي (لولا دعابات وقفشات الثنائي الشمراني والمالكي) لظل (ماصخ) وغير جدير بالمشاهدة، فالحبكة ضعيفة والأحداث مجتزأة، والهدف هو التعليق، أو كما يقول أهل نجد (الذب)، كل ممثل (يذب) على الآخر، حتى الممثلين المصريين في المسلسل كان لهم نصيب في ذلك .. وقد غلب التهريج على المسلسل فالحيان وزميله الحبيب .. أمعنا في التكرار الممل، وكأن لب المسألة هو الإضحاك (بالعافية) .. وأحسب أن السبب يكمن في غياب النص الجيد إضافةً إلى المخرج القادر على الرقي بالعمل، فقد أضر ذلك بالعملين الأخيرين، وقد يكون السبب أن تبعية المخرج كانت مرتبطة بالبطل الذي هو المنتج أيضا!.
إن ما يتطلع إليه المشاهد هو ترفيه راق قادر على التعاطي مع واقعه الذي يعيشه، وهو ما يجعلنا نؤكد أن الأعمال السعودية قد اختارت لنفسها هدفاً رائعاً تستطيع من خلاله إقناع المشاهد العربي، تتجاوز من خلاله الابتذال والترفيه الممجوج الذي سرعان ما يتم نسيانه وتجاوزه، وإذا كنا نعتقد أن طاش هو الأكثر إقناعاً في هذا العام، فلأنه استطاع أن يعالج قضايا يعانيها الخليجي والعربي أيضا، بل إنه كان صادقاً وجريئا وهو يعري بعض الأعمال سواء الحكومية أو المؤسساتية الخاصة، وبما يرمي حجراً في المياه الراكدة يبرهن بها عن أعمال سعودية تجاوزت التقوقع وارتقت بنفسها لكي تكون مقنعة، فيما لا يزل البعض لا يفرق بين التهريج والعمل الكوميدي الراقي المقنع ..أتمنى مثل غيري استثمار تجربة هذا العام في تصحيح مسار الفن عندنا في الأعوام المقبلة .. وأتوجه بالرجاء إلى الحيان والمالكي، كي يبحثا عن نصوص متميزة لدى الكتاب السعوديين، لأن النص الراقي جدير بدفع العمل إلى الرقي، وأحسب أن أساتذة مثل محمد العثيم وفهد الحوشاني ومشعل الرشيد قادرون على مساعدة الأخوين الكريمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي