توظيف مجالس الإدارات في القطاع العام
بعد أن حققت حوكمة الشركات Corporate Governance في القطاع الخاص نجاحات أدت إلى تطوير وتحسين أداء الشركات المالي والوظيفي، وبعد أن كانت أحد أكثر مجالات البحث في العقد الماضي ولا تزال، تعالت الأصوات المنادية بضرورة تطبيق مبادئ وآليات الحوكمة على القطاع العام Public sector والقطاع الثالث "غير الهادف للربح" Not-for-profit organization. من وجهة نظر علمية فإن القياس في كثير من الدول الرأسمالية يمكن تطبيقه مع إجراء بعض التعديلات الطفيفة نظرا لتماثل مكونات هذه القطاعات من حيث التمويل والإدارة والملاك وأصحاب المصالح. وعلى هذا الأساس أرى أنه يمكن أيضا تطبيق مفاهيم ومبادئ الحوكمة في القطاع الخاص على القطاع العام في النظام الحكومي للدول الريعية، التي تعتمد كليا على إمدادات الدولة لتشغيل وتغذية قطاعات الإنتاج. والحقيقة أنه أصبح من الضروري البدء في تطبيق آليات ومبادئ الحوكمة على القطاع العام كإحدى أهم أدوات الإصلاح لهذا القطاع، مع التسريع في تطبيق وتفعيل المساءلة والمحاسبة من أجل تحقيق الأهداف العامة. ولضمان فاعلية الإنفاق، حيث إن الحكومة في الفترات الماضية أنفقت مبالغ كبيرة جدا، يجب أن تتحقق الفائدة منها لاحقا، وليس الهدف أن تبقى الدولة صاحبة الإنفاق العالي بشكل دائم.
وكإحدى أهم أدوات تطبيق الحوكمة في القطاع العام تأتي أداة مجالس الإدارات، التي تلعب دورا محوريا في التشريع، والتخطيط، والرقابة على الأداء من أجل زيادة الفاعلية وتحقيق رضا أصحاب المصالح والمستفيدين. مجلس الإدارة في القطاع الخاص يملك صلاحية نيابة عن الملاك في تطبيق إجراءات الرقابة الداخلية من خلال لجان المراجعة الداخلية Internal Audit، وتطبيق المساءلة Accountability من خلال القنوات الرسمية التي خولها لهم الملاك والأنظمة. وعليه فوجود مجلس إدارة يتشكل من مختلف فئات أصحاب المصالح ذوي العلاقة Stakeholders group سيؤدي لتحقيق إصلاح فعلي في النظام العام.
في القطاع الخاص ومن خلال نظرية الوكالة Agency Theory من المعروف أن مجلس الإدارة يمثل الملاك Principals والإدارة تعد الوكيل عن الملاك Agents، ونظرا لاختلاف المصالح بين الملاك والإدارة ينشأ ما يعرف بتضارب المصالح، الذي يخول لمجلس الإدارة مراقبة الإدارة Monitoring نيابة عن الملاك لضمان تحقيق المصالح للجميع. وبالتطبيق على القطاع العام نجد أن الدولة مع المستفيدين يمثلون "الملاك" والقائمون بالإدارة هم الوكلاء، وكثير من قضايا الفساد تنشأ من خلال تعارض المصالح، وضعف الرقابة والمساءلة في القطاع العام في الإدارات العليا، لذلك وجود مجلس إدارة ممثل لجميع أصحاب المصالح، وبيده أدوات الرقابة من مراجعة داخلية، وارتباط بإدارة الرقابة الداخلية وإدارة المخاطر سيعطي مزيدا من التطمينات عن خلو العمل من السعي باتجاه تحقيق المصالح الخاصة على حساب المصالح العامة. إضافة إلى أن فصل إدارات الرقابة عن العمل الداخلي ضمن المنظومة نفسها سيساعد في تحرير موظفيها من القيود التي قد تفرض عليهم بعدم التفعيل.
وفي مقالات مقبلة سنتحدث عن أدوات ومعايير أخرى يمكن أن تسهم في تفعيل الحوكمة في القطاع العام، والله الموفق.