الاستدامة ليست «عبارة فندقية أنيقة»

حين تدلف إلى غرفتك الفندقية التي حجزتها لقضاء مهمة عمل أو لعطلة قصيرة؛ حتما سيكون لافتا تلك البطاقات البيضاء الصغيرة الأنيقة التي تدعوك لاستخدام أدوات الغرفة بشكل يعكس مسؤوليتك تجاه البيئة والموارد الطبيعية.
إلى هنا والأمر جميل، وينسجم تماما مع أنماط مماثلة تقوم بها قطاعات فندقية وسياحية عالمية، وتعتبرها جزءا من استراتيجتها للاستدامة البيئة، بل يصل الأمر إلى أن تكون قيمة تنافسية في خيارات مستفيدي تلك الخدمات، خاصة مع تزايد الوعي لدى جمهور المستهلكين الذين يرون في اهتمام الفنادق والقطاعات السياحية بالبيئة أمرا يستحق اختيارهم لأماكن دون غيرها تبدو اهتماما بقضايا البيئة.
لكن الصورة الجميلة أو هكذا تبدو في قطاع الفندقة والسياحة في السعودية لا تكتمل حين تجد أن تلك البرامج رغم أهميتها في ترشيد استخدام الموارد الطبيعية أو مصادر الطاقة، وذلك لأن دافعيتها الربحية في تقليل التكاليف التشغيلية هي مع الأسف الدافع الوحيد، حيث تغيب مسؤولية المنشأة نفسها عن محيطها الخارجي أو ما يعرف بـ "أصحاب المصالح" وعلى رأسهم المجتمع المحلي الذي يعتبر الدائرة الأقرب لأي منشأة استثمارية.
كيف ذلك، أو لماذا أقول ذلك؟ .. نعم: حين لا تجد من موظفي المنشأة شبابا ينتمون للحي أو المدينة نفسها التي تستثمر ملايين الريالات لكنها لا تستثمر في تدريب الشباب على العمل في أحد أبرز مفاصل الاقتصاد الوطني لدول عديدة. أيضا، حين ترى مستوى الهدر في فواتيرها ومطبوعاتها وإعلاناتها رغم أنها إعلانات تستخدم مواد تستنزف الموارد الطبيعية من أوراق الأشجار!
من المؤكد أن قائمة الأمثلة تطول حول تناقض هذه المنشآت التي تقدم خدماتها لجمهور كبير من النزلاء، بين حرصها الواضح على تنبيه النزيل حول أهمية استخدام (المناشف، الماء، الكهرباء) وفي الوقت نفسه لا تظهر مسؤوليتها الاجتماعية كشركة في كل ما حولها وكأنها منشأة تعمل وحدها في كوكب آخر! هذا وبالرغم من فرص العمل المتعددة التي يمكن إنشاؤها في سلسلة الموردين، سواء في الخدمات أو المنتجات، للفندق.
لا ننسى أن هذا القطاع الذي يدور حوله حديثي اليوم هو قطاع لا تفرض عليه أي ضرائب كما يحدث في دول متقدمة تقيس المسألة بمدى ربحية الاستثمار، كما لا ننسى أن مدنا سعودية تحظى بميزة تنافسية لا تحتاج حتى إلى دراسات جدوى اقتصادية كما هو الحال في مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة اللتين وهبهما الله شرفا وقداسة تجعل ملايين المسلمين يفدون إليهما سنويا للحج والعمرة والزيارة، وهو ما لا يتوافر لأي مدينة في العالم ومع ذلك تغيب برامج الاستدامة الاستراتيجية التي تستهدف التوظيف في تلك الفنادق ثم لا تحضر سوى في "صنبور مياه" أو "منشفة للاستحمام"!
شخصيا، أرى أن هيئة السياحة وهي الجهة المشرفة والمرخصة لقطاع السياحة والفندقة، يمكنها إعادة النظر في تصنيف الفنادق بإدراج برامج الاستدامة ضمن تقييم تلك المنشآت، وهو ما قد يجعلنا نرى في المستقبل برامج تراعي أولويات التنمية في بلادنا مثل، توليد الوظائف، برامج التدريب، رفع الكفاءة البشرية، الإحلال الوظيفي المؤهل، دعم المشاريع الصغيرة، حق استخدام المرافق لأغراض اجتماعية، وغيرها من البرامج التي تزيد من سرعة وتيرة الدورة الدموية للاستدامة في السعودية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي