استحواذ تاريخي لصندوق الاستثمارات العامة على شركة EA
تشكل سوق الألعاب الإلكترونية واحدة من أضخم قطاعات الترفيه في العالم، فقد تجاوزت قيمتها في 2025 نحو 188 مليار دولار، مع قاعدة لاعبين وصلت إلى 3.6 مليار شخص، أي ما يعادل 60% من مستخدمي الإنترنت حول العالم.
في السعودية، يقدّر عدد اللاعبين بأكثر من ثلثي السكان، بينما يبلغ حجم السوق المحلية نحو 1.2 مليار دولار، وهو رقم أقل من الواقع بسبب تسجيل كثير من اللاعبين السعوديين حساباتهم في متاجر دولية (مثل متاجر بلاي ستيشن، وإكس بوكس الأمريكية أو الأوروبية).
لكن الأهم أن السوق السعودية تنمو بمعدل نحو 8% سنويًا، أي ضعف المعدل العالمي، نتيجة قوة الطلب المحلي واتساع قاعدة اللاعبين وتوفر الدعم لتطوير المنصات والمتاجر الإلكترونية المحلية.
في 29 سبتمبر 2025، أعلنت شركة إلكترونيك آرتس (EA) موافقتها على الاستحواذ الكامل عليها من قبل صندوق الاستثمارات العامة "PIF" بالشراكة مع شركتي "سيلفر ليك" و"أفينيتي بارتنرز"، في صفقة بلغت قيمتها 55 مليار دولار.
تعد هذه الصفقة الأضخم في صناعة الألعاب، وأكبر صفقة تقودها جهة استثمارية مالية، حيث ستتحول EA إلى شركة خاصة غير مدرجة. ومن حيث القيمة فهي الثانية بعد استحواذ مايكروسوفت على أكتيفجن بليزارد 2022 بقيمة 68.7 مليار دولار.
يرى محللون أن انتقال EA من سوق الأسهم إلى إدارة ملاك جدد بطابع استثماري قد يفتح الباب أمام تركيز أكبر على العناوين الأكثر ربحية مثل "EA Sports FC" و"Battlefield".
في المقابل فإن ملكية الشركة غير المدرجة، تمنح EA فرصة للاستثمار في مشاريع طويلة الأجل بعيدًا عن ضغوط الأسواق المالية الفصلية والتقارير الربع سنوية.
أستدل بنجاح شركة "VALVE" الشركة المالكة لـ "Steam" حيث تعتبر من أنجح الأمثلة لشركة خاصة غير مدرجة. كونها مملوكة ملكية خاصة، له آثار كبيرة على إستراتيجيتها وطريقة إدارتها ولا تتأثر بضغوط المساهمين أو التقارير الفصلية، ما سمح لها بالتركيز على تطوير "Steam" وتحويله إلى المنصة الأولى عالميا لتوزيع الألعاب الرقمية.
كان إطلاق Steam 2003 مثالًا فارقًا رغم قبوله بتشكيك من اللاعبين والناشرين، ولو كانت "Valve" مدرجة لكان من الصعب تمرير مشروع طويل الأجل وغير مؤكد العوائد. لكن بفضل كونها شركة خاصة، استمرت بالاستثمار في "Steam" حتى أصبح اليوم يسيطر على ما يزيد على 70% من سوق توزيع الألعاب على الحاسب.
أثر الصفقة على صورة السعودية عالميًا
تمثل الصفقة محطة جديدة في مسيرة السعودية نحو تنويع الاقتصاد بما ينسجم مع رؤية 2030، وتؤكد دورها كمؤد رئيس في قطاع يلامس حياة الأجيال الشابة.
وهي ليست الأولى؛ فقد عززت السعودية حضورها سابقًا عبر استثمارات كبيرة في شركات مثل نينتندو وكابكوم، إلى جانب ذراعها Savvy Gaming Group التي ضخت أكثر من 38 مليار دولار خلال السنوات الماضية.
كل ذلك يعزز صورة السعودية في نظر المستثمرين العالميين كمركز جاذب للاستثمار والابتكار الرقمي، ووجهة أولى لصناعة الترفيه وصناعات المستقبل.
أثر الصفقة على اللاعبين السعوديين
إن مجتمع اللاعبين السعوديين يشكل أكثر من 25 مليون لاعب، ويعد من أكثر الفئات شغفا وتفاعلا مع هذه الصناعة.
مع هذا الاستحواذ، تبرز فرص البطولات والمنافسات، التي من المتوقع أن تشهد السعودية تنظيم مزيد منها بدعم مباشر من ،EA وهو ما يمنح اللاعبين السعوديين فرصة المشاركة والمنافسة عالميًا على أرضهم في بيئة تنافسية رفيعة المستوى.
تتيح الصفقة فتح برامج تدريبية وتعاونية مع EA، ما يمنح الشباب السعودي من مطورين ولاعبين فرصة الاطلاع على أحدث الممارسات العالمية، والمشاركة في ورش عمل وتدريبات متقدمة وإمكانية الانضمام إلى فرق التطوير، حيث ستسهم في رفع مستوى الكفاءات المحلية وتعزيز فرص الاحتراف في مجالات متعددة داخل منظومة صناعة الألعاب.
من المتوقع أن يظهر الاستحواذ في تحسين جودة الخدمات المقدمة في المنطقة. فإطلاق سيرفرات محلية سيؤدي إلى تقليل زمن الاستجابة (Ping) الذي شكل عوائق وتحديات مستمرة أمام اللاعبين في السعودية.
ختاما، تمثل الصفقة بداية مرحلة جديدة للاعب السعودي، وتفتح لمجتمع اللاعبين محليا آفاقًا أوسع للمنافسة والتطوير والاستمتاع بالتجربة.
كما تتيح فرص جديدة للاستثمارات الإعلامية والتجارية والتسويقية والتنظيمية، وتصنع أسواق عمل ومجالات تخصص جديدة للشباب السعودي. والأهم، أنها تبرز قدرة السعودية على الانتقال من مجرد مستهلك للتقنية إلى أن تكون مالكا ومطورا وقوة رائدة عالميا في قطاع الألعاب الإلكترونية.
مستشار مالي وإداري متخصص في الألعاب الإلكترونية