يحتاج مراجعة لتوظيف GDP

من أصعب المناقشات أن تجادل ضد العقلية التقليدية أي كان الموضوع، الاقتصاد كغيره هناك من الممارسين والمختصين من يحاول أن يحمي أهمية الدخل القومي الإجمالي GDP. ليس هناك مؤشر اقتصادي ينافس نسبة نموه كمقياس للنمو الاقتصادي، وبالتالي النجاح الاقتصادي.

أتذكر مسؤول بنك مركزي في المنطقة حين كرر أن الإجماع الآن أن "النمو" كفيل بحل كل التحديات الاقتصادية وأن لم تاتي كل الحلول بالسرعة المطلوبة.

واليوم لا أحد يلام إذا تعلق بتوظيف نسبة نمو GDP للنجاح الاقتصادي، خاصة لما توظفه الدول المتقدمه. كتب كثير عن عيوب توظيفه ولكن أظن عيوبه للدول النفطية النامية ربما الأعلى. لذلك لا بد أن نوظفه ولكن بحذر شديد من ناحية و نستعين بمؤشرات أخرى تقيس أداء نواحي أخرى تفصيلية قد لا تكون موجودة أو بدرجة الأهمية في الدول المتقدمة.

هناك خصائص رئيسية للاقتصاد النفطي قبل الدخول في اقتراحات لأنه دون إجماع حول الخصائص والمعطيات لن يكون هناك إجماع على التعامل مع التحديات. 

الاقتصاد النفطي طابعه الأساسي مالي وليس إنتاجي بمعنى عدم الاعتماد على تصدير مصنوعات تورد العملة الصعبة. لذلك نمط تصرفات الناس يجد نسق سريع في قنوات الحصول على المال دون استثمار في المعرفة الفنية في أغلب نواحيه. عمليا تسمع مهندس يقول: لحسن الحظ ابني درس تخصص مالية وليس هندسة!. السلع و منها النفط تتعرض إلى دورات طويلة بطبعها وبالتالي الدورة تخفي كثيرا في ما يدور فعليا في الاقتصاد و لكنها واضحه أكثر على المالية العامة.

الدورات الطويلة إما تؤثر في تآكل الاحتياطي أو الاقتراض أو كليهما وبالتالي لما ترجع الدورة تأتي لتعويض النقص والتسديد، لكي يستمر النموذج دون تعميق في الروابط الاقتصادية وتعميق في المعرفة. من العيوب أيضا الفرق بين التوسع ( من خلال زيادة الوافدين -الأيدي العاملة والمستهلكة) يرفع حجمه وبالتالي تضيع الفروقات بين النمو العضوي والتوسع. أعراض الميل نحو التوسع واضحة في الدين العام للمالية و صندوق الاستثمارات كدين أولي وصكوك المصارف المتتالية كدين ثانوي. 

مرحليا، التناقض الأساس بين التركيز على أرقام الدخل القومي والحالة المالية يظهر في عجز الحساب الجاري. هذه علاقة معقدة ومتغيرة وكانت تحدث لفترات قصيرة، بسبب صغر حجم الاقتصاد قياسا على الوفرة المالية وربما قصر الدورة في أسعار النفط، لكن هناك تغير حاليا، فمثلا الآن أسعار النفط لم تتعافى بقوة واستمرار منذ 2014.

أحد التبعات في نمو التحويلات العاملين الأجانب المالية للخارج دون علاقة واضحة مع النمو الاقتصادي لأن التوسع والحجم أصبح أكثر أهمية من النمو العضوي. فمثلا حين ارتفعت تكلفة الإقامة لابناء الوافدين اشتكى ملاك الشقق، بسبب التعود على دخل غير اقتصادي، و لكنه في تعارض مع إدارة الدعم.

ومن الأعراض أيضا أن التوسع يجر لمزيد من التوسع، بسبب أن جزءا من التوسع غير موظف بكفاءة عالية وبالتالي يتطلب إضافات غير متوقعة.

إشكالية توظيف GDP أنه أيضا يخفي بعض النجاحات و التحولات المؤثرة في الاقتصاد، فمثلا من يعطي تطوير حقل الجافورة للغاز الغير تقليدي و السوائل حقة في الصورة الاقتصادية، أو من يعطي توجه السعودية لتوليد حول ثلث حاجتها من الكهرباء من الطاقة الشمسية مع نهاية العقد.

النجاح في استثمارت الطاقة في الاقتصاد الوطني تضعف احصائيا في ظل التوسع في GDP. في الأخير التركيز على GDP في اقتصاد طابعه مالي يسهم في تشويه إدارة الموارد، فمثلا ما حدث لقطاع السكن والإيجار في الرياض جر إلى تغيرات مكلفه إداريا وغير معروفة النتائج اقتصاديا، بسبب التوسع. 

مساحة العمود لا تسمح بطرح أوسع، ولكن ربما الأهم أن أرقام الدخل القومي جزئيا مظللة، لأنها تخفي الكثير عن دور جودة التعليم والمهارات الفنية، وتوزيع الدخل والثروة في المجتمع، وتتبع سلسلة القيمة المضافة في الاقتصاد.

الأحرى أن تكون الحالة المالية جزءا أساسيا، وربما أهم من أرقام الدخل القومي لسنوات حتى نتمكن من معايير أفضل في الإنتاجية والطاقة وجودة الأيدي العاملة والمالية العامة. فمثلا هناك مؤشرات الحساب الجاري وتحويلات الوافدين، والقدرة على تصدير المصنوعات، ودور المواطن في الطبقة الفنية وأجورها كنسبة خريجي الجامعات إلى خريجي معاهد فنية مهرة.


مستشار مالي واقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي