كيف يمكن للشركات أن تعزز الاستقرار في بيئة جيوسياسية مضطربة؟

كيف يمكن للشركات أن تعزز الاستقرار في بيئة جيوسياسية مضطربة؟

كيف يمكن للشركات أن تعزز الاستقرار في بيئة جيوسياسية مضطربة؟

في السنوات الأخيرة، تعزز دور الجغرافيا السياسية في تشكيل النتائج التجارية للشركات. فقد تجاوزت السياسات التجارية المرتبطة بالأمن القومي والتقلبات الجيوسياسية تأثير الدورات الاقتصادية التقليدية، لتصبح من أبرز مسببات التضخم واضطرابات سلاسل الإمداد، وأصبح العالم يتجه نحو الإقليمية والمحلية، مبتعدًا عن اتفاقيات شاملة مثل تلك التي ميّزت حقبة "بريتون وودز".

في هذا السياق من عدم اليقين المتزايد، تواجه الشركات تعقيدات وتكاليف أعلى بسبب متطلبات قانونية وتشغيلية وتجارية مثل الامتثال للعقوبات، وارتفاع تكاليف الشحن، والمقاطعات التجارية. بعض هذه التحديات يخدم الشركات الكبرى التي تملك فرق امتثال متمرسة وقدرة على الاستفادة من وفورات الحجم، بينما تستفيد شركات أخرى أصغر بفضل مرونتها وقلة انكشافها للسياسة. ومع ذلك، لا قطاع بمنأى عن هذه التأثيرات، وتختلف طريقة ظهورها حسب نوع الشركة ومجال عملها.

وبحسب المقالة الصادرة عن "المنتدى الاقتصادي العالمي"، يمكن لقادة الأعمال الواعين بالسياسة وسلاسل التوريد القيام بدور نشط في التأثير على الديناميكيات الجيوسياسية. فللشركات دور بنّاء خلال التقلبات الجيوسياسية، سواءً أطرافا مؤثرة أو جهات فاعلة في تشكيلها، ويمكنها أن تسهم بطرائق بنّاءة لدعم الأمن العالمي من خلال: تعزيز العلاقات الثنائية، وبناء تنسيق رأسي مع الموردين وأفقي مع المنافسين، والتواصل الفعّال مع الحكومات وصناع القرار.

الشركات تحتاج إلى القوة الجيوسياسية، التي طورت استجابة للواقع التشغيلي، التي تساعد على الحد من تأثير التقلبات وانعدام الأمن الناجم عن الصراعات وديناميكيات القوى العظمى.

كما أن إقامة شراكات إستراتيجية مع جهات من دول محايدة أو مستقرة جيوسياسيًا قد تمنح الشركات حماية أكبر ضد تقلبات القوى العظمى. فمثلا، منشأة لصهر المعادن الحيوية مملوكة لصندوق ثروة سيادي سنغافوري أو مشاريع مشتركة مع شركة مملوكة لدولة من دول مجلس التعاون الخليجي، يمكن أن يعزز من مرونة الشركات أمام التحولات السياسية المفاجئة.

علاوة على ذلك، تعزز الشركات العلاقات الثنائية من خلال التزامات الشراء والمتابعة المستمرة، وهو ما يرفع من "تكلفة" تعطيل تلك العلاقات سياسيًا. ومن الأمثلة التاريخية على ذلك "دبلوماسية الجينز الأزرق" خلال الحرب الباردة التي أظهرت أن للسلع الاستهلاكية القدرة على خلق روابط تتجاوز السياسة بين الشعوب.

واليوم، تُظهر استثناءات الرسوم الجمركية الخاصة بكل صناعة كيف تُقسّم الحكومات القطاعات الحساسة لضمان استمرارية محادثات التجارة. ففي إطار العمل التجاري بين الولايات المتحدة واليابان لعام 2025، حظيت صناعة السيارات باستثناءات كي لا يتم الإخلال بالصناعة المتكاملة بين الدولتين. ويمكن لمثل هذه المواقف أن تضمن استثناءات أو تعويضات أو مهلة لضمان الاستمرارية خلال التحولات السياسية.

يمكن للشركات أيضًا دعم الحكومات من خلال تقديم رؤى ميدانية حول مشكلات مثل القرصنة البحرية أو التهديدات في الممرات الملاحية، ما يتيح للحكومات بناء سياسات أكثر واقعية.

وللتعامل مع التقلبات المتزايدة، تحتاج الشركات إلى تنمية مهارات داخلية متقدمة في تحليل المخاطر الجيوسياسية، ومتابعة تطوراتها، وتقييم آثارها المحتملة على العمليات التجارية. هذا يشمل ضرورة تطوير القادة التنفيذيين لقدراتهم التحليلية الجيوسياسية، ودمج هذه المعرفة في صميم إستراتيجيات الشركات.

ومن جانبها، تحتاج الحكومات إلى إدراك الأثر التجاري لقرارات السياسة الخارجية، والاستماع الفعلي إلى الشركات، ودمج ملاحظاتها في عملية صنع القرار.

كما أن تعزيز التنسيق الرأسي مع الموردين، والأفقي مع المنافسين داخل القطاع، يعد أداة أساسية لمواجهة التقلبات الجيوسياسية. فالشركات تحتاج إلى بناء تحالفات على طول سلاسل التوريد وتحسين التعاون لتقوية المرونة الجماعية، ولا سيما تقليل الاعتماد على مصدر واحد، وزيادة المخزون الإستراتيجي، وتحسين القدرة اللوجستية. كما يصبح التنسيق بين الشركات في القطاع نفسه، مثل شركات الشحن العالمية، ضروريًا لتبادل المعلومات وتنسيق الاستجابات، ما يخفف من التهديدات والتكاليف الناتجة عن الأزمات العالمية.

أخيرًا، توفر المنصات متعددة الأطراف مثل "مجلس المستقبل العالمي للجغرافيا السياسية" التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي، واجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فرصًا مهمة لتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، وتوليد أفكار جديدة، وتقوية الشراكات اللازمة لمواجهة تحديات النظام العالمي المتقلب.

الأكثر قراءة