كوب القهوة من عادة يومية للأمريكيين إلى رفاهية باهظة الثمن
كوب القهوة من عادة يومية للأمريكيين إلى رفاهية باهظة الثمن
يبدو أن كوب القهوة الصباحي الذي يعتمد عليه ملايين الأمريكيين لم يعد مجرد عادة يومية، بل تحول إلى رفاهية باهظة الثمن. فقد شهدت أسعار القهوة في الولايات المتحدة ارتفاعًا غير مسبوق، وسط خليط معقد من الأزمات المناخية العالمية وقرارات تجارية مثيرة للجدل اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب.
عندما أعلن ترمب، في أبريل الماضي، خططًا لفرض رسوم جمركية على الواردات القادمة من عدة دول، لم يتخيل كثيرون أن القهوة ستكون ضمن القائمة، باعتبار أن الولايات المتحدة لا تنتجها إلا بكميات ضئيلة. لكن المفاجأة جاءت سريعا، إذ فرضت رسوم 10% على معظم واردات القهوة، قبل أن تُرفع النسبة لاحقا إلى 50% على البرازيل، التي تعد أكبر مورد لهذه السلعة الحيوية، وفقا لـ "ماركت ووتش".
يمتلك سيجرز هو عائلته شركة تحميص صغيرة "لو كانتري كوفي روسترز" في ساوث كارولينا، وكان القرار يمثل صدمة بالنسبة لهم. يقول سيجرز: "كان من الصعب اتخاذ إجراء ومحاولة تخزين القهوة قبل فرض الرسوم الجمركية" يمكن تخزين حبوب البن الخام في بيئة متحكم في مناخها لمدة عام قبل التحميص لكن الأسعار المرتفعه مؤخرا أدت إلى نفاذ معظم الإمدادت الاحتياطية.
مناخ قاسٍ يضرب الإنتاج العالمي
لم تقتصر الأزمة على القرارات السياسية فقط، فالمناخ كان شريكًا في تعقيد المشهد. فمنذ 2020، عانت زراعة البن عالميا من موجات جفاف وصقيع وحرارة مرتفعة في بلدان رئيسية مثل البرازيل وكولومبيا وفيتنام. هذه العوامل أدت إلى انخفاض المخزون العالمي من 59 مليون كيس في 2020 إلى نحو 36 مليونًا فقط بحلول 2024، وفق تقديرات شركة ستون إكس المتخصصة.
ويقول الخبير في أسواق البن فرناندو ماكسيميليانو: "الصدمة المتكررة في جانب العرض كانت تدفع الأسعار صعودًا أصلًا، لكن الرسوم الجمركية الأمريكية جاءت لتفاقم الأزمة، خصوصًا بالنسبة للمستهلك الأمريكي".
أسعار تحطم الأرقام القياسية
سجّل متوسط سعر القهوة المطحونة 100% في المدن الأمريكية مستوى قياسيًا بلغ 8.872 دولار للرطل في أغسطس، وفقا لبيانات مكتب الإحصاء الأمريكي عبر الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس. ويُعد هذا أعلى مستوى منذ بدء تسجيل البيانات في يناير 1980، بعدما بلغ السعر 6.776 دولار في ديسمبر.
في سوق العقود الآجلة، فقد سجلت قهوة أرابيكا مستويات تاريخية أيضا، إذ لامست العقود لشهر فبراير 2025 سعر 4.29 دولار للرطل، قبل أن تستقر أخيرا عند 3.81 دولار، أي بزيادة 19% منذ بداية العام، وفقا لبيانات سوق داو جونز.
يأتي هذا الصعود بعد عام استثنائي 2024، حين سجلت العقود الآجلة للقهوة زيادة ضخمة وصلت إلى 40%، ما يبرز الضغوط المستمرة على سلاسل الإمداد والتغيرات في أسواق السلع الزراعية عالميا.
المستوردون يعيدون حساباتهم
كبير الاقتصاديين في قطاع الأغذية والزراعة في بنك ING، ثيجس جيجر، كتب في مذكرة حديثة: "إن حالة عدم اليقين المستمرة في السوق، إلى جانب الخصائص المتنوعة للقهوة من أصول مختلفة، تتسبب في تكيف بطيء بين المشترين الأمريكيين".
وقال إن بيانات التجارة الأخيرة تقدم "لمحة مبكرة عن هذه التحولات"، حيث انخفضت صادرات القهوة من البرازيل إلى الولايات المتحدة بأكثر من 75% في أغسطس مقارنة بمستويات 2024. وأشار جيجر إلى أن التجار البرازيليين احتفظوا بمخزون القهوة لديهم، وأرجأ المزارعون المبيعات تحسبا لارتفاع الأسعار.
وأضاف أن الصادرات من كولومبيا وفيتنام ظلت "مستقرة" حتى سبتمبر، لكن إمدادات القهوة الأمريكية آخذة في التقلص.
أما بالنسبة للمستهلك الأمريكي، بدأت التداعيات تظهر بالفعل. حسب ما ذكرت "ماركت ووتش" فإن أسعار اللاتيه ارتفعت في بعض المقاهي من 4.5 دولار إلى 7 دولارات خلال 18 شهرا فقط. ويؤكد سيجرز أن كثيرا من زبائنه من المخابز والمقاهي اضطروا لرفع أسعارهم بشكل مضاعف تقريبا، ما انعكس على الطلب العام وتراجع أرباحهم.
بين التكيف والمرارة
المقلق أن الأزمة قد تتصاعد أكثر في الشهور المقبلة. فبحسب جيجر، لم تصل الرسوم الجمركية المرتفعة بالكامل إلى رفوف المتاجر بعد، إذ ما زال كثير من المحامص يعتمد على مخزونات قديمة. ويتوقع أن يبدأ الأثر الحقيقي بالظهور في الربع الأخير من العام الجاري، ما يعني مزيدا من الارتفاع في أسعار التجزئة.
حتى شركات عملاقة مثل ستاربكس لم تسلم من التداعيات. فقد أعلنت المديرة المالية كاثي سميث أن التكاليف المرتبطة بالبن والرسوم الجمركية ستظهر متأخرة قليلا، وأضافت أنه من المتوقع أن تبلغ الزيادات السنوية في أسعار القهوة ذروتها في النصف الأول من السنة المالية 2026.
بينما يحاول بعض المستهلكين التحول إلى أنواع أرخص أو خلطات أقل جودة، يظل كثيرون عالقين بين ولعهم بالقهوة والقدرة على دفع ثمنها. يقول سيجرز بأسى: "قد نكتشف أنواعا جديدة من القهوة من بلدان لم نفكر بها من قبل، لكن الثمن كان ثقيلا على الجميع، على المحامص، المقاهي، وحتى المستهلكين الذين باتوا على حافة الانفجار".