الحلقة المفقودة بين قطاعي العقارات والتشييد

الإطار التنظيمي والتشريعي للقطاع العقاري نجح في زيادة جاذبية الرياض للشراء والتملك والإيجار، وجاء ذلك بدعم من الطلب المرتفع وبفعل النمو السكاني والوظائف المتركزة في العاصمة، سواء للوظائف الجيدة أو الأقل جودة، إضافة إلى مرونة الاقتصاد وتزايد الاهتمام من ملاك الثروات نحو شراء أصول مدينة الرياض من أراض أو مبان تجارية أو سكنية.
نعلم جميعاً أن القطاع العقاري أصبح منظما، ولكنه يحتاج إلى تطوير سلسة القيمة له عبر تطوير قطاع التشييد وتحسين مكانة شركات التطوير السكني والمقاولات بصفة عامة، التي لا تزال معظمها شركات مقاولات بدائية وبعضها يعتمد على العمالة السائبة.
ورغم هذا التقدم في العقارات لا تزال منظومة التشييد تفتقر إلى هيئة حكومية تتولى مسؤولية تطويره ووضع المعايير ومراقبة الأداء، وغياب هيئة تنظيمية حكومية مستقلة للتشييد يخلق فجوة هيكلية في سلسة القيمة للعقارات والمقاولات والتشييد، ويؤدي إلى تباين في جودة التنفيذ وتكرار التعثر وضعف الكفاءة التشغيلية، وأكاد أجزم بأن تأخر تطور نموذج البيع على الخارطة ناتج من ضعف قطاع المقاولات بالدرجة الأولى.
والجدير بالملاحظة هنا، أن غياب التصنيف الائتماني لهاذين القطاعين يحد من قدرة شركات تطوير العقار والتشييد على الوصول إلى التمويل طويل الأجل، ويجعلها رهينة التمويل القصير أو التمويل الشخصي غير المنظم، ما يضعف قدرتها على تنفيذ مشاريع كبيرة أو تحمل تقلبات السوق.
الارتباط بوكالات التنصيف يتيح للشركات العقارية والمقاولات تحسين قدرتها التفاوضية مع البنوك والممولين وجذب المستثمرين المحليين والدوليين عبر مؤشرات موضوعية على الاستقرار المالي وتعزيز الشفافية من خلال الإفصاح المالي المنتظم، فضلا عن ربط جودة المشاريع العقارية بمستوى التصنيف الائتماني ما يرفع من مصداقية المنتجات السكنية التي تباع قيد الانشاء.
ولتحقيق ذلك، نرى أهمية أن تبادر وزارة البلديات والإسكان نحو الرفع للمقام السامي لتأسيس هيئة حكومية مستقلة على غرار الهيئة العامة للعقارات تتولى مسؤولية تنظيم قطاع التشييد وتطويره وتشمل المعايير ومراقبة جودة التنفيذ التي من خلالها يمكن ربط القطاع بالمؤسسات المالية والائتمانية. وجود مثل هذه الهيئة لن يسهم في سد الفجوة الهيكلية بين قطاعي العقارات والتشييد، بل سيعيد بيئة العمل في المقاولات لتكون أكثر احترافية واستدامة.
ولا شك أن هذا التحول سيؤثر إيجاباً في جودة المنتجات السكنية ويقلل من نسب التعثر ويعزز من قدرة السوق على استيعاب الطلب المتزايد بالرغم من احتمالية وجود مقاومة من القطاع الخاص أو الجمعيات المهنية في المقاولات.
وعلينا تذكر أن متوسط تحويلات الأجانب 12 مليار ريال شهريا ومعظمها من قطاعي التشييد والتجزئة إضافة إلى انخفاض نسبة مشاركة قطاع التشييد في الناتج المحلي.
ختاما: إن تجاوز الفجوة بين قطاعي العقارات والتشييد يتطلب تأسيس هيئة حكومية مستقلة، تُعنى بتنظيم قطاع المقاولات والتشييد، وتنهض بمسؤولياته التنموية والتشريعية والرقابية، فهذا القطاع الحيوي لا يقل أهمية عن غيره من القطاعات الاقتصادية التي تحظى بهيئات حكومية تنظيمه متخصصة، بل يستحق أن يعامل بالمنهجية ذاتها من حيث التنظيم والتمكين والرقابة ولا ينبغي النظر إليه كقطاع تابع، بل كشريك أساس في تحقيق التنمية العمرانية والاقتصادية وركيزة محورية في إنجاح السياسات الإسكانية والحضرية للبلاد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي